Written by
MICRO SYRIA ميكروسيريا
on
on
الصيدليات غير المرخصة تكتسح ريف إدلب.. والمواطن الضحية الأولى
بقلم هدى يحيى.
(ريف إدلب) بوهن شديد وعينين متعبتين استيقظت آمال (25عاماً/ اسم مستعار)، بعد نوم استغرق يومين متتابعين، وذلك إثر منحها دواء مخدراً بدلاً من دواء الحساسية من قبل أحد بائعي الدواء، مما كاد يودي بحياتها، بحسب طبيبها.آمال، من مدينة كفرنبل، واحدة من عشرات الأشخاص الذين تأذّوا نتيجة أخطاء ممن يدعون أنفسهم بالصيادلة في ريف إدلب، ولكنّهم في الواقع لا يملكون أيّ شهادة أو خبرة تؤهلهم لبيع الدواء ووصفه للمرضى، حيث انتشرت مؤخراً، ونتيجة الانفلات الأمني في ريف إدلب، ظاهرة افتتاح الصيدليات غير الشرعية أو غير المرخصة، وهي عبارة عن دكاكين تشبه إلى حدّ ما الصيدلية، غير أنّها لا تحمل أيّ ترخيص، لا من نقابات الأسد ولا من المكتب الطبي (أحد أقسام المجلس المحلي الخاص بكلّ منطقة، يهتم بالجانب الطبي من حيث دعم المشافي الميدانية أو منح التراخيص للعيادات والصيدليات في المدن والبلدات التابعة له، تمويله من المجلس المحلي) التابع للمجالس المحلية في تلك المناطق، ولا من أيّ منظمة من منظمات الصحة العالمية.يقول زوج آمال ويدعى أحمد (اسم مستعار)، لـ “حكاية ما انحكت”، “بعد إعطاء الدواء لزوجتي غابت عن الوعي ولم تعد تستيقظ، فقمت بإسعافها للمشفى الجراحي في كفرنبل، وهناك علموا بأنّ الدواء المخدر الذي حصلت عليه هو السبب”، وبعد تلقيها العناية والعلاج المناسب في المشفى استطاعت أن تعود لوعيها من جديد.لم يكن أحمد ليدع هذا الأمر يمر بسلام لو أنّ أيّ مكروه قد أصاب زوجته، غير أنّ استقرار وضعها الصحي وتجاوزها الأزمة، إضافة لاعتذار بائع الدواء الذي أبدى استعداده لتحمّل أيّة مسؤولية، جعل أحمد يسامحه على فعلته تلك ولا يقدّم شكوى ضده.أدوية تعطى للحوامل وأخرى منتهية الصلاحيةإذا كانت آمال قد خرجت سالمة من أزمتها، فإن “علا” (23عاماً/ اسم مستعار)، لم تكن كذلك، فقد خسرت جنينها بعد أن كانت في شهرها الثالث نتيجة منحها دواء بروفين من قبل أحد الصيادلة، وهذا الدواء خافض حرارة ومسكّن للآلام ولكنه لا يعطى للحامل.الصيدلاني محمد الحلاق، 25 عاماً، يتحدّث لـ “حكاية ما انحكت” عن هذه الظاهرة، فيقول: “لقد زادت الصيدليات غير المرخصة بشكل كبير جداً، وأصبحت الأدوية تباع عشوائياً، وهذا ما يؤدي إلى أخطاء جمّة قد يقع فيها بائعو الدواء دون الأخذ في الحسبان وجود وصفات طبية يصرفها الصيدلاني للمريض”، ويشير إلى أنّ هنالك أدوية تتشابه بالاسم، ولكنها تختلف اختلافاً كلياً بالمفعول والخصائص، كالأدوية المخدرة (البالتان والترامادول)… كما “أنّ البعض لا ينتبه لمدة صلاحية الدواء وفحصه قبل إعطائه”، هذا ما يؤكده عمر البيوش، 38 عاماً، والذي أعطي لابنه إبرة روسيف منتهية الصلاحية كان قد صرفها أحد بائعي الدواء، إذ تابع قائلاً: “صدفة نظرت إلى تاريخ صلاحية الدواء لأجد أنّه منتهي الصلاحية منذ ستة أشهر، وبرّر البائع ذلك بأنّه لا يضر، فانطلقت بولدي إلى أحد الأطباء بعد شجار دار بيني وبين ذاك البائع، وطمأنني الطبيب بأنّ الدواء المنتهي الصلاحية منذ أشهر لا ينفع ولا يضرّ، أما المنتهي الصلاحية منذ سنوات فهو قاتل لا محالة”.من هم؟إنّ الفئة التي استغلت الوضع الراهن وقامت بافتتاح الصيدليات غير المرخصة في كلّ مكان، معظمها من طلاب الجامعات الذين لم يكملوا دراستهم بعد، والذين هم غير ملّمين بالتركيبات والاختلاطات الدوائية والأعراض الجانبية للأدوية.وإن تمادى البعض وتعدّوا على هذه المهنة وراحوا يصفون الدواء للناس دون أدنى دراية، فإنّ البعض الآخر ملتزمون بما يمليه عليه ضميرهم ومنهم الصيدلي علاء (30عام/ اسم مستعار)، خريج معهد لغة انكليزية وتدرّب لفترة على يد أحد الصيادلة، ولكنّه لا يعطي أيّ دواء لمريض من دون وصفة طبية إلا إذا كان الأمر بسيطاً كالرشح والتهاب اللوزات، الإسهال، الإمساك، أو دواء مكرّر مثل أدوية السكري، الضغط، والكوليسترول، أما اذا لم يكن المرض بسيطاً فيمتنع عن إعطاء أيّ دواء، ناصحاً المريض بالذهاب الى الطبيب المختص.الأطباء وغرور بعض الصيادلةالطبيب محمد المنصور، 28عاماً، وهو طبيب عام يعمل في مشفى كفرنبل الجراحي، ينتقد ظاهرة فتح صيدليات من قبل أشخاص غير مختصين، مؤكداً على أنّ هذه الظاهرة تنعكس سلباً على حياة المواطن الذي عادة ما يكون الضحية إذا أخطأ بائع الدواء.وأكثر ما يزعج المنصور هو “الغرور لدى بعض هؤلاء الصيادلة الذي يمكن أن يصل بهم حدّ تجاوز الأطباء وتخطيئهم، فيبدلون الدواء أو يمتنعون عن إعطائه معتقدين أنّهم يفهمون أكثر من الطبيب”، ويضرب مثالاً على ذلك “كنت قد وصفت بعض الأدوية لعدد من المرضى، ففوجئت عند مراجعتهم لي بأنّ الدواء مختلف كلياً عمّا وصفته لهم، والنتيجة أنّ صحتهم قد ازدادت سوءاً”.وبحسب الطبيب المنصور فإنّ “أكثر من خمس حالات إسعافية لأخطاء الصيادلة تصل مشفى كفرنبل الجراحي أسبوعياً، منها جرّاء أدوية منتهية الصلاحية أو إعطاء أدوية بديلة، أو لأنّها لا تلائم الحالة المرضية”.الفقر وهجرة الصيادلةمحمد النايف، 40عاماً، أحد المرضى الذين يقصدون الصيدليات المخالفة، ويبرّر ذلك بسببين، الأول لقربها من منزله النائي عن المدينة، والثاني لرخص بيعها مقارنة مع غيرها، ولكنّه مع ذلك يبدي استيائه من ما حصل معه في إحدى المرات، إذ يقول لـ “حكاية ما انحكت”: “كنت أعاني ألماً حاداً في قلبي فأعطاني الصيدلاني مميّعاً للدم، غير أنّ حالتي لم تتحسّن بل ازدادت سوءاً، لأنّني ببساطة كنت بحاجة لعناية مركزة ولدخول المشفى، ولكن الصيدلي لم ينبّهني لذلك، وكان أن تداركت نفسي بآخر لحظة”، وهو ما يؤكده الصيدلي علاء، إذ يقول: “معظم المرضى يلجأون للصيدليات مباشرة هروباً من أجرة معاينة الطبيب الباهظة، والتي تفوق قدرتهم في ظلّ الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهونها”. الطبيبة هلا الخطيب (30عاماً) مديرة المكتب الطبي النسائي (هو مكتب يعمل على تقديم المعاينة والعلاج مجاناً للنساء والأطفال، ويتبع لمؤسسة مزايا بتمويل من منظمة اتحاد المكاتب الثورية) في كفرنبل تقول “إنّ إمكانية فتح صيدليات بدون ترخيص من أيّة جهة بات في متناول الجميع عند توفر رأس المال وكمية الأدوية ومعرفة ولو بسيطة بأنواعها”، ونوّهت إلى أنّ “مغادرة الكثير من خريجي الصيدلة للبلاد ترك فراغاً وجعل من لا يملكون شهادات يقومون بفتح صيدليات غير مرّخصة مستغلين ما تمرّ به البلاد من فوضى وحاجة ماسة للأدوية”.وهي تقترح كعلاج لهذه الظاهرة في ظلّ غياب الرادع أن يكون هناك محاضرات توعوية من قبل الأطباء للصيادلة وجميع العاملين في الصيدليات من أجل شرح أخطائهم وزيادة ثقافتهم الطبية ويكون ذلك تحت إشراف المجالس المحلية.سعي لمعالجة فوضى الصيدلياتفي بادرة هي الأولى منذ تحرير إدلب وريفها، قامت مديرية صحة إدلب الحرّة، بتوجيه إنذار للصيدليات والمستودعات الطبية المخالفة في منطقة إدلب لتسوية أوضاعها اعتباراً من 22/10/2016، وذلك قبل تنفيذ قرار الإغلاق في مدة أقصاها خمسة عشر يوماً.وفي هذا السياق، يقول رئيس وحدة الرقابة الصيدلانية في قسم الرقابة الدوائية بمديرية صحة إدلب الحرة، الدكتور “مصطفى الدغيم”، لـ”حكاية ما انحكت”، “إنّ عدد الصيدليات المخالفة غير معلوم حتى الآن، لكن تمّ وضع خطة تشمل متابعة المحافظة وريفها لتقصّي ومعرفة الصيدليات المخالفة المفتوحة من دون وجود صيدلي فيها، أو الصيدليات التي يديرها صيادلة غير مرخصين، أو المستودعات المخالفة، والتي لا تمتلك ترخيصاً، وتمّ القيام بجولات ميدانية حسب الجدول الزمني في الخطة الموضوعة على بعض مناطق إدلب وريفها، بالإضافة إلى تسجيل عدد من الصيدليات العشوائية المخالفة”، مشيراً إلى أنّه تمّ إرسال إنذارات خطية وإعلامهم عن طريق صفحة مديرية صحة إدلب لتسوية مخالفاتهم، وحول هذه الآلية يقول “يتم تسوية مخالفاتهم بترخيص هذه الصيدليات وفق الشروط والقوانين التي تمّ اعتمادها في مديرية الصحة لمنح التراخيص الضرورية، مثل وجود صيدلاني في هذه الصيدليات أو المستودعات، واستيفاء باقي الشروط الفنية اللازم تواجدها في الصيدلية، ومن ثم سيتم متابعة تنفيذ الخطة على باقي المناطق تباعاً حتى تشمل كل محافظة إدلب وريفها”.وتنفيذاً لهذه الإنذارات فقد أغلق المكتب الطبي في منطقة معرّة النعمان بالتعاون مع الهيئة الإسلامية (مؤسسة مدنية مستقلة، أنشأتها القوى والفصائل الفاعلة في مناطق انتشارها في إدلب وريفها وريف حماه الشمالي، والفصائل هي أحرار الشام وفيلق الشام وجيش الإسلام، ويشمل عملها جوانب عدّة منها القضاء، الأمن، الأوقاف، الخدمات، التعليم، الدعوة والإرشاد، وهي متعاونة مع المجالس المحلية فيما يضم اختصاصاتها) 12 صيدلية غير مرّخصة وفقاً للشكاوي التي وردت للمكتب ، وذلك في 7نوفمبر 2016.من جهة أخرى يرى الصيدلاني “فريد” (اسم مستعار)، من جبل الزاوية أنّه “من المستحيل أن يتم ضبط هذا الموضوع، لأنّ معظم الصيادلة غير المجازين يتسترون بشهادة صيدلي مجاز، والبعض الآخر قد استأجر شهادة صيدلي مجاز، وعند المساءلة ستكون ضمن الصيدليات المجازة”.ويوجه رسالة لمن يريد المتاجرة بهذه المهنة مفادها “هذا خطأ لأنّه يتلاعب بصحة المرضى، وهو مسؤول عن هذا الأمر أمام الله قبل السلطات”.وبحسب إحصائيات المكتب الطبي في كفرنبل فإنّ الصيدليات غير المرخصة تجاوز عددها الأربعين صيدلية في مدينة كفرنبل وحدها، وهذا العدد قابل للزيادة أمام كثرة العاطلين عن العمل وقلّة الرادع الأمني، أي عدم وجود سلطة وقوة فاعلة تهتم بهذا الموضوع، سواء من قبل الفصائل أو المحاكم أو الجهات العسكرية والأمنية المتواجدة، ليبقى المواطن الضحية الأولى ووحده المسؤول عن محاربتها والحدّ منها.(الصورة الرئيسية: أدوية معروضة في أحد الصيدليات غير المرخصة في ريف إدلب. تصوير: هدى يحيى/ 10/11/2016)