زمن الطغاة والاستبداد حيث الحرية شقاء .. و”الوجدان” تهمة!


نعيم مصطفى – ميكروسيريا

تشهد الساحة الدولية والإقليمية صراعات سياسية وعسكرية، لم يسبق أن شهدتها منذ زمن بعيد، حتى قيل إننا نوشك أن نكون على حافة الحرب العالمية الثالثة.

فسورية منفجرة والعراق مشتعل، واليمن على صفيح ساخن، وليبيا بين الهدوء تارة والتوتر طوراً، وأفغانستان لم تنطفئ نارها  منذ أمد بعيد . . و..

ولو عدنا إلى الجذور والأسباب وراء تلك الصراعات، لوجدنا أنها تكاد تنحصر في الزعماء، قبل أن نربطها بعوامل خارجية، أو بنظرية المؤامرة التي أصبحت موضة العصر.

فعندما يشيع التناغم الحقيقي غير المزَّيف بين القاعدة والهرم. وبين الراعي والرعية ، فحينئذ توصد الأبواب أمام الطامعين والمستعمرين.

وفي رأيي أن الديكتاتورية والاستبداد والطغيان، هم وراء تلك الصراعات ووراء التخلف، ووراء تموضع الدول ذات الصلة في ذيل الأمم، فهل رأينا دولة أوروبية يتصارع شعبها مع بعضه البعض، من أجل الكرسي فحسب ؟

إنَّ الديمقراطية كفيلة بحقن الدماء، وشيوع التطور والرفاهية، في أي دولة أو مكان في العالم . وبناءً على ما تقدَّم أشرع في الوقوف عند تلك المصطلحات التي عنونت بحثي بها:

1- الديكتاتورية :

إنَّ مصطلح الديكتاتورية في الاستخدام الحديث، يعني النظام الحكومي الذي يتولى فيه شخص واحد جميع السلطات.

وفي الأعم الأغلب بطريقة غير مشروعة، ويملي أوامره وقراراته السياسية، ولا يكون أمام بقية المواطنين سوى الخضوع والطاعة.

هذا المصطلح لا يكاد يتميز عن مصطلح الاستبداد.

يقول الدكتور عبد الحميد البكوش : عندما نقرأ تاريخ الإنسان السياسي، أن حكم الفرد نقيض للحرية، وأنَّ كفاح الشعوب من أجل الحرية، كان على الدوام كفاحها للحد من سلطة الحكام .

فأي اتساع لمجال سلطة الحكم، هو بالقطع انتقاص من مساحة حرية الناس، وحسم من حسابهم، وعليهم ألا يلوموا أنفسهم على أي انتقاص من حرياتهم.

إنَّ معرفتنا لنوازع البشر غير الملائكية، يجب أن تجعلنا ندرك أن أي إنسان تسمح له فرصة الانفراد بالسلطة لن يضيعها إلا فيما ندر.

وهو لا بد له من أن يحرص على البقاء، فور أن يتذوق حلاوة الجلوس في القمة منفرداً،  وإذا كانت هذه الحقيقة البشرية لا تبرر أي حق، لأي دكتاتور في أية سلطة .. فإنها تفسِّر وتشرح ميل الفرد إلى الاستبداد .

على أنه ورغم وجود المرشحين للدكتاتورية في شعب ، فإنها لا تقوم إلا إذا توفر الشرط الثاني، وهو استعداد الشعب للانقسام بين حماة المستبد وضحايا لممارساته.

2- الطاغية :

رجل يصل إلى  الحكم بطريق غير مشروعة، فيمكن أن يكون قد اغتصب الحكم بالمؤامرات أو الاغتيالات، أو القهر أو الغلبة بطريقة ما .

وباختصار : هو شخص لم يكن من حقه أن يحكم،  لو سارت الأمور سيراً طبيعياً، لكنه قفز إلى منصة الحكم عن طريق غير شرعي

وهو لهذا يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه لا بشريعتهم،  ويعلم من نفسه أنه الغاصب والمعتدي، فيضع كعب رجله في أفواه ملايين الناس لسدها عن النطق بالحق.

إنَّ الطاغية يستخدم السلطة التي انفرد بها لصالحه الخاص، يقول الملك جيمس في خطاب أمام البرلمان الإنكليزي سنة1630:

( إنَّ الفرق بين الملك والطاغية، هو أن الأول يجعل من القوانين حداً تنتهي عنده سلطته، كما أنه يجعل من خير المجموع الغرض الأساسي لحكمه. أما الطاغية : فلا حد لسلطانه، كما أنه يسخر كلَّ شيء لإرادته ورغباته ) .

وإن كان من الممكن الجمع بين  هاتين الخاصتين في خاصية واحدة فهي عدم المساءلة ، فهو لا يسأل عما يفعل وهم يُسألون !.

وإذا كان طغاة اليونان كانوا لا يشبعون شهواتهم ومصالحهم الخاصة، فقد تكون شهوات طغاة اليوم أوسع وأعمق لتكوين إمبراطورية، أو إقامة أمجاد زائفة لأنفسهم ، أو إعادة فكرة تاريخية عفا عليها الزمان!

والطاغية يظهر لإنقاذ الجماهير، وهو يتولى الحكم بدعوى رفع الظلم الواقع عليها، ويلجأ إلى إشاعة الفوضى والبلبلة والاضطراب، حتى يُشعر الجماهير بحاجتها إليه،  وحمايتها من طبقة الأغنياء التي تستولي على حقوقها !

يقول جون لوك معرفاً الطغيان :

إذا كان الاغتصاب هو ممارسة إنسان ما لسلطة ليست من حقه، فإنَّ الطغيان هو ممارسة سلطة لا تستند إلى حق، ويستحيل أن تكون حقاً لإنسان ما .

3- الاستبداد :

ظهر مصطلح المستبد لأول مرة إبان الحرب الفارسية الهلينية في القرن الخامس ق. م. وكان أرسطو هو الذي طوَّره وقابل بينه وبين الطغيان، وقال :

إنهما ضربان من الحكم، يعاملان الرعايا على أنهم عبيد، لكن ظهور مصطلح الاستبداد في قاموس الفكر السياسي، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر يرجع إلى مونتسكيو (1689-1755) الذي جعل الاستبداد أحد الأشكال الثلاثة للحكم، إلى جانب الجمهورية والملكية، ودان الرق والاستعباد بصورة حاسمة، وإن كان مونتسكيو ينتهي إلى أن الاستبداد نظام طبيعي، بالنسبة إلى الشرق، لكنه غريب وخطر على الغرب.

والاستبداد ظاهرة تعويضية، إذ تتوافر في الشخصية المستبدة بشكل عام، في الأشخاص فاقدي الثقة بأنفسهم، الذين لم ينجحوا قط في تكوين شخصياتهم تكويناً متكاملاً مستقراً، يدفعهم النقص الذي يعرفونه من أنفسهم إلى محاولة تعويضية في العالم الخارجي .

فهم عندما يستعملون العنف ضد أية محاولة لتغيير اجتماعي، بحجة الدفاع عن استقرار النظام القائم .

يدافعون في الحقيقة عن ذواتهم، التي تفتقد الاستقرار النفسي. ويؤدي هذا كله إلى نزوع عدوان مختلط بالحقد، على كل من لا يوافقهم في الرأي أو يتميز عنهم .

كذلك، فإنَّ الاستبداد يفعل فعله،  في إفساد وجدان الفرد وانحطاط أخلاقه، وتعطيل طموحه، وبالتالي الحط من إنسانيته، فقد قال المنفلوطي توضيحاً لذلك :

” لا، ليست جناية المستبد على أسيره أنه سلبه حريته، بل جنايته الكبرى عليه أنه أفسد عليه وجدانه، فأصبح لا يحزن لفقد تلك الحرية، ولا يذرف دمعة واحدة عليها”.

وتعبيراً منه عن دور الاستبداد في الانحدار بآدمية الإنسان، قال لطفي السيد:

” إنَّ الاستبداد المستمر طويلاً، يهدم الكائن البشري، لأنه يحول دون أن تكون الطبيعة الخلقية على أتمها.. وبكلمة أنه يجعل من الإنسان أقل من الإنسان. على أن تأثير الاستبداد لا يقتصر على الأفراد فحسب، بل إنه يقود إلى انحطاط الأمم وتخلفها أيضاً “.

ويقول المفكر السياسي الكبير عبد الرحمن الكواكبي :

( وقد يبلغ فعل الاستبداد بالأمة أن يحول ميلها الطبيعي، من طلب الترقي إلى طلب التسفل، بحيث لو دفعت إلى الرفعة لأبت وتألمت، وإذا ألزمت بالحرية تشقى، وربما تفنى كالبهائم الأهلية إذا أطلق سراحها .. وعندئذ يصير الاستبداد كالعلق، يطيب له المقام على امتصاص دم الأم ، فلا ينفك عنها حتى يموت ) .

أما عبد الله النديم فقد عقد مقارنة بين تقدُّم الغرب وتأخر الشرق، فتبين له أن الديمقراطية هي سبب الحاجة الأولى ، بينما الاستبداد سبب الثانية .

يقول النديم : “أخذ ممالك أوروبا بنظام المجالس وتحميلها المسؤولية للنواب والوزراء الخاضعين للقانون ونظام الشورى. وبالمقابل فإن تضييق الملوك الشرقيين على رعاياهم والاستبداد بهم من أسباب تأخر الشرق “.

وبعد أن عرضت لتحرير تلك المصطلحات الشائعة في عصرنا، لابد لي من إسقاطها على الزعماء الذين يتلبسون بتلك الصفات في عصرنا الحديث.

إننا نجد على رأس أولئك الزعماء، بل المجرمين الفاجرين المارقين ما يُسمى بالرئيس (بشار) بلا منازع،  ثم يليه المقبور معمر القذافي , ثم يليه المخلوع علي عبدالله صالح، ثم يليه الفار زين العابدين، ثم يليه الملاصق لسريره في معتقله حسني مبارك .. الخ.

والسيرة الذاتية لأولئك الفراعنة النرجسيين الساديين، لا تحتاج إلى شرح وتفصيل، وإنما يعرفها الصغير والكبير.