كيف ترد روسيا على المدن التي تتمرد


أحمد عيشة

غروزني، المدينة التي سويت بالأرض في الشيشان تستحضر حصار حلب

02

امرأة شيشانية بين أنقاض أسواق في وسط مدينة غروزني، 15 شباط/ فبراير 2000. تصوير: ايتار-تاس / اسوشيتد برس

رحلةٌ إلى غروزني هي تجربةٌ في النسيان. هذه المدينة الروسية الجنوبية -عاصمة جمهورية الشيشان- التي تمت تسويتها بالأرض في هجومٍ عسكري حكومي بدأ في أواخر عام 1999، كان الهدف منه إعادة المنطقة الانفصالية، ذات الأغلبية المسلمة إلى سيطرة موسكو، لم تترك المعارك من شارع إلى آخر أي حي سليمًا.

وصف مراقبو الأمم المتحدة الذين وصلوا مع المساعدات الإنسانية في أواخر شباط/ فبراير عام 2000، غروزني بأنها “القفار المدمرة والتي لا تزال غير آمنة”، حيث بقي فيها فقط حوالي 21،000 من المدنيين.

اليوم، غروزني هي مدينة مزدهرة -متلألئة يسكنها أكثر من 283000، عرضٌ على غرار عروض دبي عن قدرة موسكو على إعادة البناء. ساحة مينوتكا، التي شهدت يوما ما، كمينًا مروعًا، الآن هي مركز تسوق كبير ذو شكلٍ صندوقي.

وسط المدينة، الذي كان قد سويَّ بالأرض بنيران المدفعية والقصف الروسيين، قد تم بناؤه مع شوارع واسعة ومراكز مضاءة، يضم ناطحات السحاب الزجاجية والفولاذية، مع فندقٍ شاهق رائع، يُسمى فندق غروزني سيتي.

لقد ترأس رجلٌ واحد عملية إعادة الإعمار في غروزني: رمضان قاديروف، الرئيس الشيشاني ومجموعة من الزعماء المحليين الموثوقين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. جدد قاديروف غروزني، وأثناء هذه العملية، كرَّس عبادة شخصيته، حيث تزين صورته لوحات وملصقات في المدينة، كما تعطي نشرات الأخبار المسائية مؤخرًا 21 دقيقةً على التوالي إلى لقطاتٍ لـ قاديروف وهو يقوم بتفقد قوات الأمن ويعقد اجتماعًا، إضافة إلى قراءة ما ينشر له على الإينستغرام.

مع استعداد الجيش الروسي الآن لاستئناف الغارات الجوية على مدينة حلب السورية، لا تزال غروزني أيضًا المثل الدولي لقوة النيران الروسية المدمرة، والاستعداد لاستخدام تكتيكات الأرض المحروقة، كما قال وزير الخارجية جون كيري يوم 16 تشرين الأول/اكتوبر، “لا تزال هناك معتقداتٌ عميقة لدى كثير من الناس أنَّ روسيا تسعى ببساطةٍ إلى حلٍ على طريقة غروزني في حلب، وغير مستعدة لمناقشته حقًا مع أحدٍ وبأي شكلٍ من الأشكال.”

تحاصر روسيا حلب، ليس لأنها تخشى الانفصال، كما فعلت مع غروزني، ولكن لأن المتمردين في الجانب الشرقي من المدينة السورية- كثير منهم مدعومون أميركيًا- يقاتلون حليف روسيا الأساسي، الدكتاتور السوري بشار الأسد، حيث يلقي السيد بوتين باللوم في الصراع على المتمردين السوريين، الذين تصفهم موسكو بأنهم إرهابيون، وتقول روسيا إن طائراتها تراقب حاليًا “هدنة إنسانية” وتنفي أن جيشها يستهدف المدنيين.

تقول الأمم المتحدة وجماعات حقوق الإنسان، إنَّ القوات الروسية والسورية ألحقتا خسائر كبيرة بين المدنيين في حلب، كما يقول المرصد السوري لحقوق الإنسان، وهو مجموعة مراقبة مقرها في المملكة المتحدة، إنَّ الغارات الجوية الروسية والحكومية السورية قتلت 458 مدنيًا في شرق حلب منذ 19 أيلول/ سبتمبر.

في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر، قال منسق الإغاثة الطارئة للأمم المتحدة، ستيفن أوبراين، إنَّ 275،000 شخص محاصرون في شرق حلب، حيث يمطرونهم بالذخائر الخارقة للتحصينات والبراميل المتفجرة، وقذائف الهاون والمدفعية.

ويتابع السيد أوبراين: “يستمر القصف العشوائي والقذائف بطريقةٍ مروعة وبلا هوادة، ما يسفر عن مقتل وتشويه المدنيين وتعريضهم لمستوى من الوحشية لا يمكن لأي إنسان أن يتحمله.”

تختلف المدينتان في أشكالٍ مهمة. كانت حلب أكبر بكثير في بداية الحرب الأهلية السورية، حيث يُقدَّر عدد سكانها بأكثر من 2 مليون نسمة، وهي واحدةٌ من أقدم المواقع البشرية المأهولة في العالم، ويرجع تاريخها إلى آلاف السنين، بينما غروزني صغيرة نسبًيا، حيث تأسست في أوائل القرن التاسع عشر كحصنٍ خلال غزو روسيا للقوقاز (يعني اسم غروزني “مخيف” أو “رهيب”).

العدد الإجمالي للنازحين بسبب القتال الأخير في شمال سورية هو أعلى، كما قالت الأمم المتحدة الشهر الماضي، إن 423800 شخص قد شُردوا هناك بسبب التطورات التي حصلت منذ الأول من شباط/ فبراير-ولكن القتال في الشيشان في أواخر عامي 1999 و2000، شرد 300،000 شخصًا على الأقل.

لا تزال، صور غروزني الملتقطة في أوائل عام 2000 تستحضر بشكلٍ مخيفٍ الدمار في حلب اليوم، فعندما يعرض التلفزيون الرسمي الروسي لقطاتٍ من القتال في حلب، فإنه يثير ذكرياتٍ مؤلمةٍ لكثير من سكان غروزني.

وأضاف “إنها الصورة نفسها كما هي في ذلك الوقت”، قال صراف أموال في سوق وسط مدينة غروزني. وأضاف صرافٌ آخر: “الطائرات نفسها تقوم بالقصف.”

تعلن روسيا غروزني كمثالٍ على قدرتها على إعادة البناء، إذ سخرت السفارة الروسية في واشنطن حتى من السيد كيري، ومن وزير خارجية المملكة المتحدة، بوريس جونسون- وهو منتقد آخر لتدخل روسيا في سورية- على تويتر حول مقارنات مع غروزني، قائلة: “غروزني اليوم هي مدينة سلمية وحديثة ومزدهرة. أليس هذا حلًا علينا جميعًا أن نتطلع إليه؟”

كانت إعادة إعمار غروزني، طبقًا لمعظم المقاييس، سريعًا ومثيرًا للإعجاب. ويعزو معظم السكان ذلك، إلى سرعة السيد قاديروف المذهلة في إعادة الإعمار.

“غروزني، دُمرت تمامًا، ومن أجل إعادة بنائها، تحتاج إلى قبضة حديدية” قال عبد الله استامولوف، وهو أستاذ علوم سياسية محلي. “إذا كنتم ترغبون في إعادة بناء مدينة حلب، فلن تكونوا قادرين على ذلك بسرعة. وإذا كنتم تريدون، ستحتاجون إلى قاديروف.”

كان السيد قاديروف مقاتلًا انفصاليًا في الفترة الممتدة من عام 1994 إلى عام 1996 في الحرب الوحشية بين المتمردين الشيشان والقوات الحكومية. خلال فترة توقف قصيرة من الاستقلال الفعلي، أصبح الشيشان نقطة جذبٍ للمتطرفين الإسلاميين، ومركزًا لعدم الاستقرار في المنطقة، حيث أطلقت موسكو هجومًا شاملًا في عام 1999 لاستعادة السيطرة على الجمهورية المضطربة، وفي هذا الصراع الثاني، قاتل قاديروف إلى جانب موسكو، حيث عينه السيد بوتين حاكمًا إقليميًا في عام 2007.

كان الزعيم الشيشاني المفتاح في جهد روسيا لتهدئة الأوضاع في شمال القوقاز، بوصفه المنفذ المحلي للسيد بوتين. وقال مارك كريمر، وهو أستاذ في تاريخ الحرب الباردة في جامعة هارفارد، لقد استخدمت موسكو لفترةٍ طويلة “العنف الوحشي لسحق التمرد” في المنطقة. السيد بوتين “لم يكسب القلوب والعقول … لكنه نجح في سحق التمرد وإعادة ترسيخ السيطرة على الشيشان.”

يمتلك العسكريون المشرفون على حملة روسيا في سورية خبرة فيما تسميه موسكو “عمليات مكافحة الإرهاب.” وكبير الجنرالات الروس هناك يدعى ألكسندر زورافليف، الذي خلف العقيد ألكسندر دفورنيكوف في تموز/ يوليو، ووفقًا للسيرة الذاتية والمنشورات الرسمية العسكرية، كلاهما من قدامى المحاربين في العمليات شمال القوقاز.

تقول جماعات حقوق الإنسان إنَّ بعض التكتيكات الروسية القاسية من إخماد التمرد الشيشاني قد استمرت، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاحتجاز وتعذيب السجناء والقتل من دون المحاكمة.

في غروزني، تم تجريف التاريخ الحديث ومَحوه- في واحدةٍ من أكثر الحلقات الأكثر إيلامًا في الذاكرة الشيشانية، في وسط المدينة، فككت السلطات الموالية لموسكو ونقلت نصبًا تذكاريًا لضحايا 1944 يرمز لتهجير الشيشانيين، وهو نوع من العقاب الجماعي فرضه جوزيف ستالين أثناء الحرب العالمية الثانية بسبب تعاون محلي مفترض مع النازيين.

خَنْقُ النقاش حول الماضي واضحٌ في غروزني، حيث قلة هم على استعدادٍ لانتقاد قاديروف. سكان المدينة، من المسؤولين الحكوميين وصولًا إلى أصحاب المحال التجارية، لا يريدون ذكر أسمائهم، خشية أن يُفسر أي تصريحٍ كـ انتقادات علنية.

“أنا لن أقول كلمةً سيئة عن رمضان”، قال صاحب متجر في كشك متواضع في وسط غروزني. وأضاف “إنه يعمل بجدٍ من أجل الجميع، ويقلق على الجميع … أشعر بالامتنان لبوتين لأنه وضع ثقته فيه.”

اسم المقال الأصليHow Russia Responds to Cities That Rebel

الكاتبNATHAN HODGE ، ناثان هودج
مكان وتاريخ النشروول ستريت جورنال، 10/11، The Wall Street Journal
رابط المقالةhttp://www.wsj.com/articles/how-russia-responds-to-cities-that-rebel-1478811150
المترجمأحمد عيشة



المصدر