ماذا يعني تمديد عمل لجنة التحقيق باستخدام الكيماوي


حافظ قرقوط

أصدر مجلس الأمن الدولي، الخميس 17 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، القرار رقم 2319، القاضي بتمديد عمل لجنة التحقيق الدولية المكلفة بتحديد المسؤولية عن استعمال السلاح الكيماوي في سورية، وجاء التمديد بموافقة جميع أعضاء المجلس الخمسة عشر، حيث أيّدته روسيا، حامية وحليفة النظام، وطالب القرار النظام بـ “عدم استخدام الأسلحة الكيماوية أو حيازتها وتخزينها أو نقلها إلى دول أخرى”. وأشار إلى أن “استخدام السلاح الكيماوي يُعدّ انتهاكًا للقانون الدولي”.

هذا القرار الذي أعدته الولايات المتحدة الأميركية، يفتح الباب من جديد لاستمرار عمل اللجنة لمدة عام كامل، بعد خلافات على صيغة عمل اللجنة في الفترة السابقة، بين روسيا وبعض أعضاء مجلس الأمن، حيث اعترضت روسيا على تقارير اللجنة، وطالبت بتوسيع عملها؛ لتشمل العراق وسورية، كما شككت في النتائج التي اتهمت فيها النظام السوري، باستخدام السلاح الكيماوي في أكثر من موقع.

كان مجلس الأمن قد أنشأ هذه اللجنة في آب/ أغسطس 2015، باسم “الآلية المشتركة للتحقيق” بين منظمة حظر الأسلحة الكيماوية والأمم المتحدة، ولكن عمل هذه اللجنة لا يشمل التحقيق بالهجوم الكيماوي الأكبر، الذي وقع على الغوطة الشرقية لدمشق في أيلول/ سبتمبر 2013، والذي استطاعت روسيا، بعدئذ، أن تجعل النظام شريكًا في صفقة دولية، أدّت إلى سحب السلاح الكيماوي من يده، ودفعه إلى التوقيع على معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية في العام نفسه 2013، عوضًا عن إحالة الموضوع إلى المحكمة الجنائية الدولية، وفتح تحقيق شامل حول تلك الجريمة وغيرها، بينما كُلفت اللجنة المشتركة بالتحقيق في هجمات لاحقة، حدثت بين عامي 2014 و2015 في مناطق سورية عديدة.

قدّمت اللجنة الدولية تقاريرها إلى مجلس الأمن خلال الأشهر الماضية، وقدمت دلائل على استعمال قوات النظام للسلاح الكيماوي في بلدة “قميناس” من محافظة إدلب، في آذار/ مارس 2015، بينما ذكر تقرير آخر، صدر عنها في آب/ أغسطس الماضي، أن قوات النظام مسؤولة عن هجومين على الأقل: أحدهما على بلدة “تلمنس” في 21 نيسان/ أبريل 2014، والآخر على بلدة سرمين في 16 آذار/ مارس 2015، وذلك بغارات شنها الطيران المروحي، لكن المندوب الروسي في الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، علّق -حينئذ- على التقرير بقوله: “إن هنالك تساؤلات جدية حول النتائج”، وتابع القول: “عدة مسائل يجب توضيحها قبل القبول بتلك النتائج التي خلُص إليها التقرير”.

كانت منظمة “هيومان رايتس ووتش” قد أعلنت -في وقت سابق- تعليقًا على الموقف الروسي، إنه “عار على روسيا إحباط تحرك مجلس الأمن بخصوص الهجمات الكيماوية في سورية؛ لكون نتائج التحقيق لم تعجبها”.

لا شك في أن تمديد عمل اللجنة الذي وافقت عليه روسيا، سيقود إلى سؤال عن جدوى تقاريرها، وهل ستجد آذانًا صاغية، أو حيّزًا لمتابعة النتائج، أم إنها مجرد تقارير تُشبه ما توصلت إليه المنظمات المدنية والحقوقية المختلفة، وهي عبارة عن أرقام وتكديس أوراق دون انتصار للضحايا، فروسيا رفضت رفضًا قاطعًا -حتى الآن- إحالة الملف للجنائية الدولية، أو حتى فرض عقوبات على المسؤولين عن تلك الهجمات، بل كان ملفتًا ذلك القول للمندوب الروسي تشوركين، حيث طالب اللجنة بتقديم بصمات للجاني على الغاز السام كدليل، إذ قال: “نعرف أن الكلورين استُخدم بسورية، لكن ليس هنالك بصمات على السلاح”!!

من جهتها مندوبة الولايات المتحدة، سامانثا باور، قالت حول قرار تمديد عمل اللجنة: “إن آلية التحقيق المشتركة، هي أداة أساسية لمكافحة الإفلات من العقاب”، وأشارت إلى وجود “أدلّة موثوق بها على هجمات عديدة أخرى بالأسلحة الكيماوية شنها النظام السوري”، كما أعربت كل من بريطانيا وفرنسا وغيرهما، عن أملها في أن يفتح تمديد عمل اللجنة الباب، لبدء المفاوضات بشأن إعداد مشروع قرار، لمحاسبة المسؤولين عن الهجمات، بما فيها اتخاذ عقوبات من الأمم المتحدة.

إلى ذلك قال نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة، فلاديمير سافرونكوف، إن هنالك “أدلّة كثيرة على استخدام منظمات إرهابية أسلحة كيماوية”، كذلك طالب اللجنة بأن لا تخضع “للضغوط التي تمارسها بعض الدول”؛ لتحميل المسؤولية “للنظام باستخدام الكيماوي”.

يشار إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أصدر مرسومًا رئاسيًا يرفض فيه التصديق على نظام روما الأساسي، الذي أنشئت بناء عليه المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث وقّعت روسيا في عام 2000، على نظام روما الذي أنشأ المحكمة؛ للنظر في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لتعلن -الآن- انسحابها من هذه المحكمة، وبهذا تصبح روسيا غير ملتزمة بالتعاون مع المحكمة بالتحقيقات والمتابعات القضائية، وغير ملتزمة بتسليم المتهمين من مواطنيها، أو من المقيمين على أراضيها، أو ممن تعتقلهم إلى المحكمة، ويمكن لها أن ترفض تقديم الوثائق والأدلة التي تطلبها المحكمة منها؛ للمساعدة في التحقيقات، وهذا يفتح سؤالًا أساسيًا، هل هذا استباقًا لأي قرار، أو دعوى تطال المسؤولين الروس، على ما يرتكبونه من جرائم حرب في سورية، أم أن هنالك جريمة أكبر باستعمال أسلحة أخطر، يُعَدّ لها من النظام الروسي ضد المدنيين في سورية، أم أنه حماية للمسؤولين السوريين المتهمين بجرائم حرب، في حال لجوئهم يومًا ما إلى روسيا، بما فيهم رأس النظام، بجميع الأحوال يبدو أن روسيا لم تدرك دورها كدولة عضو في مجلس الأمن الدولي، ولا تدرك القانون الذي أنشأ هذا المجلس بغية حفظ الأمن الدولي، بل يبدو أن كارثة الحرب العالمية الثانية، لم تعلّم عددًا من الدول، صاحبة قرار النقض (الفيتو) في هذا المجلس، عن الدور المنوط بها، كدول كبرى، لتجنيب البشرية الكوارث التي يجرها عليها مجرمو الحرب من الديكتاتوريات، فقدموا كل الرعاية لعدد منها في أثناء إبادتها شعوبها وغير شعوبها كما يجري بسورية.




المصدر