ترامب البداية..فهل تجتاح العالم موجة حكم الشعبويين؟
20 نوفمبر، 2016
قبل فترة ليست ببعيدة عن اليوم الذي صدم فيه الأميركيون العالم باختيار دونالد ترامب ليكونَ رئيسهم القادم؛ صارَ رجلُ أعمالٍ برازيليٍ ثريٍ – سبق له أن عمل مديراً في برامج تلفزيون الواقع – عمدة لأكبر مدينة بأميركا الجنوبية.
وعلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية؛ في جنوب شرق آسيا، انتُخِب شخص ممن يحملون البنادق لإنفاذ القانون بأنفسهم، كان قد توعد بقتل كل المُجرمين وإغراق جثامينهم “إلى أن تُصاب الأسماك بالبدانة” ليصبح قائداً لأمة مكونة من 100 مليون نسمة.
وفي بريطانيا؛ اختار الناخبون بعد قرون طويلة من الاعتدال والبراغماتية أن يتجاهلوا نصيحة الخبراء ليقفزوا نحو الهاوية خارج الاتحاد الأوروبي.
وبحسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية؛ فإن موجة عام 2016 من الشعبوية، والتي حملت ترامب إلى قمة السلطة والنفوذ الدولي، لم تبدأ في الولايات المُتحدة الأميركية، وبالتأكيد لن تنتهي هناك.
بل أنه من المُرجّح أن تُفضي هذه الحركة العالمية -التي أُسست على التهميش السياسي والاقتصادي اللانهائي والظلم الثقافي- إلى المزيد من الانتصارات للأشخاص والدوافع المتعلقة بقلب النظام العالمي القائم.
“النجاح يولِّد النجاح” هكذا قال مارك ليونارد، مدير المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، مُضيفاً أنه “في الوقت الراهن؛ الجميع مُعرّضون لذلك، ويبدو أن الدوافع عالمية”.
ومالم يقع تغيير هائل للحد من صعود الشعبويين، فإن انتصاراتهم المتناثرة المفاجئة على مستوى العالم قد تتحول إلى هزيمة للعالم، ستكون حينئذ انتصارات لهؤلاء الذين يدعون إلى اتخاذ إجراءات قوية تتخطى سيادة القانون، ويدعون إلى الفردية بدلاً من التعاون، ويضعون مصالح الأغلبية فوق حقوق الأقليات العرقية والدينية.
“عالمهم ينهار، وعالمنا يُبنى” هكذا قال أحد المُبتهجين بانتصارات الشعبويين، وهو فلوريان فليبوت، كبير مستشاري زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، بعد فوز ترامب.
وبحلول الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقرر انعقادها الربيع المقبل، ترتكز لوبان على وضع جيد من الساحة السياسية، وهو ما من شأنه أن يضيف باريس إلى قائمة عواصم العالم التي طالها المد الشعبوي. يُنظر إليها باعتبارها آخر ما ستنتهي إليه جولة التصويت الختامية، وعلى الرغم من أن فرصتها لطالما تضاءلت بين الساسة المُتوقع صعودهم إلى السلطة في فرنسا، فإن ذلك قد تغير بعد فوز ترامب.
وقبل تصويت فرنسا؛ قد تُصبح النمسا أول دولة تنتخب رئيساً من اليمين المتطرف في بلدان غرب أوروبا منذ عام 1945، بانتخاباتها الرئاسية المُقرر انعقادها الشهر الجاري وبالتحديد في 4 ديسمبر/كانون الأول. وفي نفس اليوم؛ سيصوت الإيطاليون على استفتاء دستوري قد يطيح بحكومة يسار الوسط بزعامة رئيس الوزراء ماتيو رينتسي، بالتزامن مع تصاعد أصداء حركة خمس نجوم المناهضة للمؤسسات.
المزيد من الصدمات تلوح في الأفق
على الرغم من أن الأسباب الحقيقية لصعود الشعبويين تختلف من دولة إلى أُخرى، فإن الخطوط العريضة تتشابه متجاوزة الحدود القومية.
قلق بشأن المكاسب الاقتصادية التي تعود بالنفع على القليل لتترك الباقين في حالة ركود أو حتى غرق، وعدم ارتياح إزاء الآثار الثقافية للعالم المُترابط على نحو متزايد، والاغتراب عن الطبقة السياسية التي تخدم مصالحها الذاتية بمحاباة الأثرياء على حساب الطبقة العاملة.
بينما لا تهم مسألة أن هؤلاء القادة الشعبويين عادة ما يكونون من الأثرياء أبناء ذوي الامتيازات الذين تربطهم علاقات ضئيلة بالجماهير الذين يزعمون أنهم يمثّلوهم.
“الناس يستشعرون الحاجة إلى بطل قوي يفجر تلك المؤسسات إلى شذرات” هكذا قال ليونارد الذي أضاف أنه “سواء كان هؤلاء القادة يشبهون من يمثلونهم أم لا، فهذا لا يهم بنفس القدر الذي تهم به حقيقة أنهم لديهم نية لإشاعة الفوضى”.
وكان هذا بالتأكيد هو الحال مع ترامب، الملياردير الذي تعلّم في أرقى الجامعات وكسب أكبر عدد من الأصوات من المناطق الريفية وبين الناخبين الأقل تعليماً.
وكان ذلك هو الحال أيضاً عندما صوَّت البريطانيون في يونيو/حزيران للخروج من الاتحاد الأووربي. فالمصوتون الذين دعموا الانفصال كانوا غالباً من البلدات الإنجليزية الصغيرة، والمدن التي تعاني أوضاعاً صعبة خارج مدينة لندن العالمية المزدهرة.
المصوتون الذين أرادو التخلي عن بيروقراطية الاتحاد الأوروبي وضعوا الهجرة على رأس قوائم اهتماماتهم، وعادة ما كانوا أقل تعليماً من أولئك الذين أرادوا لبريطانيا الإبقاء على روابطها العابرة للقناة الإنجليزية.
ومع ذلك؛ فقد قاد الحركة سياسيون أثرياء انتسبوا إلى أرقى جامعات البلاد، دافعوا عن فكرة هامشية عبر حث المصوتين على “استعادة السيطرة” على شؤونهم الخاصة، وحوّلوا فكرتهم هذه إلى قضية أمكن للأغلبية العظمى من المصوتين في البلاد أن يدعموها.
وكان أحد هؤلاء، تاجر السلع الأساسية سابقاً نايجل فاراج، الذي أصبح لاحقاً أحد أبرز الداعمين لترامب خارج الولايات المتحدة، بظهوره معه في لقاءات حملته الانتخابية، فضلاً عن نصحه لرجل الأعمال بنيويورك أن يحذو حذو نموذج بريكست، وقد فعل ترامب ذلك للتو؛ واعداً بتحقيق أضعاف بريكست بخمس مرات.
كما تعهد فاراج بالمساعدة في تكرار نجاح تصويت بريكست وفوز ترامب في جميع أنحاء الغرب، كما أصبح قائد “حزب الاستقلال” المعادي للهجرة بالمملكة المُتحدة هو أول سياسي بريطاني يلتقي بالرئيس المنتخب يوم السبت 12 نوفمبر/تشرين الأول، إذ قضى الطرفان ساعة في برج ترامب، لينشر لاحقاً صورة عبر تويتر بدا فيها الرجلان يبتسمان ابتسامة عريضة أمام مجموعة من الأبواب المذهبة.
وكتب فاراج يوم الجمعة، 11 نوفمبر/تشرين الأول، في مقال له بصحيفة Sun واسعة الانتشار ببريطانيا “رجاءً؛ لا تعتقد للحظة أن التغيير ينتهي هنا، فالمصوتون بأنحاء العالم الغربي يريدون ديمقراطية الدولة القومية، ويريدون السيطرة الملائمة على الحدود، وأن يكونوا مسؤولين عن حياتهم الخاصة، ثمة صدمات سياسية أخرى آتية في أوروبا وخارجها”.
مد وجزر خارج أوروبا
تعد هذه الأنواع من الصدمات سمة جديدة لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، في الديمقراطيات المُحيطة بشمال الأطلسي. فهي معهودة أكثر في العالم النامي، ولكن المد الشعبوي يحقق طفرة هناك أيضاً، لبعض من نفس الأسباب التي أدت إلى صعوده في الغرب الأكثر ثراءً.
ففي مايو/أيار؛ انتخب الفلبينيون رودريغو دوتيرتي رئيساً لهم، وهو رجل قضى 20 عاماً يدير مدينة جنوب الفلبين كزعيم عصابة يدير مربعاً سكنياً.
بينما اشتهر الرئيس دوتيرتي الذي لُقِب من قبل بـ”عمدة فريق الموت” بطواف الشوارع على متن دراجة نارية، حاملاً سلاحه على أهبة الاستعداد، مُتفاخراً بأنه يأخذ على عاتقه تحقيق العدالة بيده.
وكما وعد المُرشح الرئاسي دوتيرتي بالعنف؛ تعهد بتخليص الأمة من الجريمة في غضون أشهر، برؤية مروّعة للخلاص من “جميع” المُشتبه فيهم، ومنذ ذلك الحين قُتِل الآلاف من الأشخاص الذين تم التعرف عليهم كتجار مخدرات أو متعاطين بها.
وبصفته أول رئيس من جزيرة مينداناو الجنوبية؛ قال إنه سيتحدى الطبقة السياسية في عاصمة البلاد مانيلا، وسيُنهى السياسة المعهودة وسيحمي الفقراء.
وقد ذاعت أصداء تلك الرؤية بين الفلبينيين الذين ضاقوا ذرعاً بالفساد التام للأسر الحاكمة الإقطاعية في البلاد، واجتاحهم الغضب تجاه الشرطة والمحاكم غير الفعالة.
ويعتبر دوتيرتي، وهو ابن لأحد حكام المحافظات الفلبينية نفسه “مُنقذ الشوارع”، وتحدّث كأنه الابن الأكبر في المُربع السكني بثقة مُفرطة، مازحاً بشأن الاغتصاب ومهدداً بإطلاق النار على الناس، مُضيفاً إلى خطاباته بعض المسبّات مثل “ابن العاهرة”.
يتزايد سفك الدماء والأحاديث العنيفة بدورها باستعادة أصداء القومية، فعندما احتج دوتيرتي ضد الاحتلال الأميركي نال إعجاب الوطن الجريح، مُتعهداً بجعل البلاد أكثر استقلالاً، وبجعل الفلبين عظيمة مجدداً.
وكانت الاضطرابات السياسية المناهضة للمؤسسات أيضاً سمة أساسية للسياسة البرازيلية في الأشهر الأخيرة، التي بلغت أعلى مستويات الاحتدام في أغسطس/آب، بتوجيه اتهامات مثيرة للجدل للرئيسة اليسارية ديلما روسيف، التي تولّى حزبها “حزب العمال” إدارة البرازيل منذ 13 عاماً قبل الإطاحة بها موصومة باتهامات الفساد وسوء إدارتها الاقتصادية التي يعتبرها الكثيرون سبب حالة الركود في البرازيل.
وتعرّض حزب العمال في الانتخابات التي انعقدت الشهر الماضي إلى هزيمة مدوّية، وهو ما عاد بالفائدة على الساسة غير التقليديين.
وفي ريو؛ انتُخِب أسقفٌ إنجيلي كرئيس للبلدية، أما في ساو باولو؛ تولّى رجل الأعمال المليونير جواو دوريا الذي يُروّج على أنه ليس سياسياً قيادة أكبر مدينة بأميركا الجنوبية وقوتها الاقتصادية، وبذكر بعض المقارنات؛ يشار إلى أن دوريا سبق أن شارك في النسخة البرازيلية من برنامج تلفزيون الواقعThe Apprentice.
وفي صباح اليوم التالي لفوز ترامب، خرج عضو البرلمان اليميني المتطرف ذو التطلعات الرئاسية، جيار بولسونارو لتهنئة ترامب عبر تويتر، ووعد بإرباك مماثل في الانتخابات البرازيلية عام 2018، ليبدأ وسم #Bolsonaro2018 في الانتشار الكثيف عبر تويتر.
وقال أوسكار فيدارت، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة البابوية الكاثوليكية في بيرو، إن ترامب يشبه النمط الكلاسيكي الشعبوي بأميركا اللاتينية الذي يُسمى “the caudillo”، وهو مصطلح إسباني يُعني “الرجل القوي” أو “الزعيم ذو النزعات الاستبدادية”.
فقال فيدارت إن “ترامب يلائم تلك الأطروحة. ولكن في أميركا اللاتينية؛ أصبح صعود الشعبويين البرازيليين ممكناً بسبب المؤسسات الضعيفة، أما في الولايات المُتحدة؛ فلابد من النظر إلى أسباب مُختلفة.
وعلى الرغم من أن الوافدين على النظام السياسي لازالوا يُنتخبون في أميركا اللاتينية؛ تمكن مقدم البرامج الكوميدي جيمس موراليس من الفوز برئاسة غواتيمالا- إلا أن الرجال الأقوياء عانوا.
ثمة رد فعل عنيف ضدهم الآن، صوتت الأرجنتين العالم الماضي لإنهاء حكم نيستور وكريستينا فرنانديز دي كيرشنر الذي امتد عشر سنوات، كما حظر استفتاء في بوليفيا إعادة انتخاب الرئيس إيفو موراليس، وبدت سلطة التشافيزية في مراحلها الأخيرة بعد 17 عاماً من تولّي حكم البلاد.
في الواقع، تعد الطريقة الأكثر فعالية لهزيمة الموجة الشعبوية في كثير من الأحيان هي السماح لها بالحكم، فبحسب ما يقول ليونارد “هم لا يقومون بعملهم على نحو جيد”.
اضطرابات في ألمانيا
المثال الأكثر تطرفاً، وبطبيعة الحال، هو ألمانيا، التي أثبتت أن انتخاب البلاد للكاريزمية الشعبوية هو أمر كارثي للعالم.
فبسبب التاريخ النازي للبلاد، صمم النظام السياسي بألمانيا لمرحلة ما بعد الحرب من أجل الدفاع عن حقوق الأقليات ومنع سيطرة الأغلبية؛ لكن الهجمات الإرهابية من قِبل المتطرفين الإسلاميين وموجة المهاجرين غير المسبوقة من الشرق الأوسط تختبر الآن الإرادة الوطنية.
وقد أجج حزب البديل من أجل ألمانيا، الآخذ في التنامي السريع بعدما تم تأسيسه عام 2013، مستويات مناهضة الإسلام، حيث أعلن الحزب الانتقاد الشديد للدين الإسلامي هذا العام، مُحذراً مما وصفه بـ”مد ووجود عدد متزايد من المُسلمين” على الأراضي الألمانية.
وأضاف إلى احتدام حملة الحزب؛ أن السلطات الألمانية قد اعتقلت أكثر من عشرة مُتطرفين مُشتبه فيهم، دخل العديد منهم البلاد كمهاجرين.
ومع الانتخابات الوطنية المقرر انعقادها العام المقبل؛ يدعم الحزب الآن ناخبٌ واحد بين كل ستة ناخبين، كما حقق الحزب مكاسب مذهلة هذا العام في الانتخابات المحلية.
ووصف يورغن فالتر، أستاذ العلوم السياسية والخبير في سياسات اليمين المتطرف، قيادة الحزب بأنها “ليست من النازيين الجدد، ولكنها قريبة إلى حد ما من ذلك النهج” ومع ذلك؛ فإن قواعدهم الانتخابية تتسع، بخليط من خوف الألمان من كل شيء بدءً من الأجانب وصولاً إلى العولمة.
كما قال إنهم “تمكنوا من الحصول على دعم بعض من هم أكثر اعتدالاً ومن هم أقل اعتدالاً ممن يشعرون بأنهم مهددون بفعل الحداثة واللاجئين والإسلام” وأضاف “على غرار ذلك؛ نحن نتحدث الآن عن بعض ناخبي ترامب أيضاً”.
وحتى في ألمانيا، ما لا يمكن تصوره في السياسة لا يمكن استبعاده بسهولة.