ثورة السوريين على الفلافل
20 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
علي العائد
عمليًا، أنفق السوريون الذي ثاروا على نظام ابتلع الدولة والمجتمع كثيرًا من الدم، بالأحرى نحر النظام أرواح سوريين منذ خمس سنوات، ولم تذهب تلك الأرواح قضاء وقدرًا، فهم لم ينفقوا، كونهم غير معتادين على الإنفاق أصلًا، لا دمًا، ولا مالًا.
بسطاء الناس كانوا يحسبون دخل الأسرة بطريقتهم، على غرار: لو احتاجت الأسرة للطعام، واقتصر كل فرد منها على استهلاك سندويشة فلافل ثلاث مرات يوميًا، سيكون المجموع لخمسة أشخاص، هو متوسط عدد أفراد الأسرة، 75 ليرة يوميًا، أو 2250 ليرة شهريًا.
الحد الأدنى للأجور عام 2012، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، كان 9700 ليرة سورية (175 دولارًا)؛ ما يعني أن ربع الدخل تقريبًا سيذهب للفلافل، أو البيض، في افتراض آخر. ويمكن سحب الافتراض الاعتباطي نفسه على السكن، والمواصلات، و”مونة الشتاء”، والمواصلات، ومستلزمات المدارس، واللباس، وفواتير التدفئة، والماء، والكهرباء، والطبابة.
مثل هذه التفاصيل يعرفها فقراء السوريين، والطبقة الوسطى التي كانت تميل شيئًا فشيئًا إلى الفقر، بينما كان الفقراء يزدادون فقرًا؛ حتى أن النكات كانت تحاول التخفيف من هذه المأساة المستمرة بالسخرية من الحالة، مما لا مجال لذكره، كونه يتجاوز على الذات الإلهية أحيانًا.
لم يستوعب الرماديون من السوريين أن الذين ثاروا لكرامتهم المهدورة، ثاروا أيضًا على “إدمانهم الفلافل”، أو البيض، وملابس البالة، والتقنين في الاستحمام في الشتاء، وفي استهلاك مازوت التدفئة، حتى أن أحدهم كتب: “كيلو الخبز بـ 15 ليرة… مو كرامة، صحن الفول بالزيت مع كبيس وخبز بـ 35 ليرة.. مو كرامة، خروج مرتك أو أختك أو بنتك.. أي ساعة في الليل.. مو كرامة، ليتر الريان بـ 65 ليرة.. عند جارك.. مو كرامة؟”.
هذه حسابات أخرى أكثر سذاجة، تقرن الكرامة بالطعام. صحيح أن تلبية حاجات الفرد المادية تحقق له كرامته، لكنها ليست الكرامة التي قصدها من ثاروا، ودفعوا دمهم ثمنًا لاسترداد كرامتهم، كما أن أسباب الثورة المقرونة بالديموقراطية قد لا ترقى إلى أفهام بعض الناس، وتذهب إلى فهم طائفي لتداول السلطة.
مع ذلك، الحاجات اليومية للسوريين، والاستهلاكية منها بالتحديد، كانت سببًا كامنًا فجَّر الثورة بتلك العفوية التي تفاجأ بها السوريون قبل غيرهم، على الرغم من أن فقراء السوريين لم يجوعوا بالمعنى المأسوي للكلمة، وكانوا يصنعون معجزات كبيرة بليرات قليلة.
الدخول في تفاصيل إنفاق الأسرة يأخذنا إلى أحد احتمالين، إما أن سلة غذاء الفقراء كانت فقيرة، بمعنى أن معظم الفقراء يحصلون على كمية غذاء كافية (2400 حريرة يوميًا) دون تنوع يقيهم خطر نقص التغذية، وفقر الدم، واختلال عمل أعضاء الجسم، وهو ما يظهر في الفترة الطويلة، خاصة بالنسبة للأطفال، وما يمكن أن تنقله الأم لأطفالها في فترة الحمل، أو أن الدخل الحقيقي للأسرة يدعم الدخل الإسمي بطرق مختلفة، من الفساد والرشوة، أو الاختلاس، أو المساعدات، أو حكمة الاشتراك بـ”الجمعيات” عند النساء، والموظفين.
في عام 2009، قدَّر المكتب المركزي للإحصاء متوسط إنفاق الأسرة السورية بمبلغ 30900 ليرة شهريًا. وبحسب المكتب نفسه، بلغ المعدل التراكمي للتضخم من 2010 إلى 2013 نسبة 173%، على عدّ أن سنة 2009 هي الأساس، ما يعني أن الأسرة أصبحت تحتاج إلى 84400 ليرة شهريًا، أي أن نصيب الفرد من الإنفاق (متوسط عدد أفراد الأسرة خمسة أشخاص) 16880 ليرة.
في حين أن دخل الفئة الأولى من الموظفين بالكاد يصل إلى 66 ألف ليرة شهريًا، بمن فيهم الوزراء “مثلًا”.
على كل حال، لا تزال معجزة السوريين مستمرة في العيش، خاصة في المناطق المحكومة من النظام، ولا تزال الوجبة المناسبة للفقراء هي الفلافل والفول، أضيف لها التفاح بسبب غزارة إنتاجه هذه السنة، وارتفاع تكاليف تخزينه، حتى أن خيال السوريين لم يعد ينتج النكات للسخرية من الحالة. ولولا أن الحدائق أصبحت مكانًا لسكن المشردين اللاجئين النازحين، في دمشق خاصة، لأمكن الحديث عن ميزانية الأسرة، ومواءمتها مع مستويات التضخم الجامحة، لكن بيتًا بلا سقف ولا جدران لا ميزانية له.
[sociallocker] [/sociallocker]