روسيا وأميركا والحلف الإرهابي
20 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
ثائر الزعزوع
يبدو علينا أن نوافق على المقترحات الدولية المتعلقة بمحاربة الإرهاب كافة، والتسليم بالقوائم التي تُعد في أكثر من عاصمة، وبالتعاون أحيانًا، وربما دائمًا، مع مخابرات نظام دمشق، والتي تُصنّف المنظمات الإرهابية في سورية، ولا تكاد تلك القوائم تستثني أي فصيل حمل السلاح في مواجهة قوات النظام، أيًا يكن شكله ومضمونه؛ إذ لا يقتصر التصنيف، كما قد يبدو ظاهريًا، على فصائل ذات طابع إسلامي متطرف، بل يتعداه إلى جميع أولئك الذين يؤدون الصلاة قبل الانطلاق إلى المعارك، وخاصة بعد أن حُيّد الجيش السوري الحر جانبًا، وأُضعف بحيث لم يعد قادرًا على إحداث تغيير يذكر على الساحة، إلا في معارك جانبية يُشغل بها بين الحين والآخر، على الرغم من أنه كان -وما زال يُشكّل- خيارًا لغالبية جمهور الثورة السورية، بل إن محاولات جادة بذلها ناشطون في أكثر من مكان لمحاولة بعث الحياة من جديد في هذا الكيان، وخاصة بعد أن حقق بعض الانتصارات المؤثرة في الآونة الأخيرة، بدعم كامل من القوات التركية، وتمكن من طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من عدد من المناطق الحيوية، إلا أن ذلك لا يعني أنه قد يعود؛ ليكون قوة وحيدة تحمل راية الثورة، وتُحارب من أجلها، فهو أضعف من جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، والتي تمكّنت -على مدى الأعوام السابقة- من فرض سيطرتها؛ لتتحول إلى الكيان العسكري الأقوى بموازاة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي تختلف معه ظاهريًا، لكن لا يمكن تبرئتها كليًا، وعدّها فصيلًا ثوريًا؛ لأن الثورة -بمجملها- لا تعنيها، ولا تُمثّل لها سوى فرصة لإقامة مشروعها الخاص الذي لا تتردد في الإعلان عنه، وهو إقامة حكم إسلامي قابل لأن يتمدد طولًا وعرضًا، في حال أُتيحت له الفرصة لفعل ذلك، ويمكن القول: إن بعض المعارضة السياسية التي تصدرت المشهد السوري قد منحت، ربما بسبب سوء قراءتها ودرايتها، جبهة “لنصرة” شرعية ثورية، وحولتها من فصيل راديكالي إلى فصيل معارض، بل و عدّتها في مرات عديدة جزءًا لا يتجزأ من معركة السوريين؛ لتحقيق حلم الثورة، وإن كان هذا الموضوع -تحديدًا- شائكًا، وبحاجة لكثير من التحليل والتفسير، إلا أن انعكاساته وآثاره ما زالت تهيمن على المشهد؛ إذ إن أي تحالف للقوى الثورية والمعارضة المسلحة، تكون “النصرة” أحد مكوناته، يسهّل على “محاربي الإرهاب” أن يَسِموا ذلك التحالف كله بسمة الإرهاب، طالما أنهم قد صنفوا “النصرة” مسبقًا في تلك الخانة، كما حدث مع “جيش الفتح”، وسينسحب الأمر -في مرات كثيرة- على فصائل أخرى، تختلف من حيث المنهج عن “جبهة النصرة”، مثل: “أحرار الشام” و”جيش الإسلام”، كما سيتجاوزها إلى بعض الفصائل الأصغر حجمًا؛ بسبب تصرفات مارسها ويمارسها بعض أفرادها، والقوانين التي تفرضها على المناطق الخاضعة لسيطرتها، ونقلتها من فصائل ذات طابع ثوري إلى فصائل قابلة للتصنيف -وبسهولة- في خانة الإرهاب؛ ما يجعل تلك القوائم قابلة للزيادة كل مرة، وإضافة تنظيمات جديدة، وبطبيعة الحال، فإنه ليس من السهولة الدفاع عن أي من تلك التنظيمات والفصائل، أيًا تكن مسمياتها، مع العلم أن ذلك التصنيف الذي قد يجد آذانًا صاغية عند كثير من السوريين؛ بسبب تبرمهم من التشتت الحاصل، واستمرار النزيف المتواصل دون انقطاع، وضياع البوصلة الثورية، بل وتحول الثورة -في كثير من الأحيان- إلى حمل ثقيل، بعد أن كانت حلمًا جميلًا، ولا سيما أن الدعوات إلى نبذ الخلافات وتوحيد الصفوف، والتخلي عن التشدد غير المبرر، لم تجد من يلبيها، أو حتى يستمع إليها.
إلا أن القوائم الأممية، وبسبب تنسيقها مع مخابرات نظام دمشق، من جهة، وخضوعها لاشتراطات روسية، من جهة أخرى، أسقطت من حساباتها عشرات الفصائل المتطرفة التي تُقاتل إلى جانب النظام، والتي لا تخفي وجوهها أو توجهاتها، وهي لا تقل تطرفًا في كثير من سلوكياتها عن تنظيم (داعش) الأكثر تطرفًا وتشددًا، وقد أحصت تقارير إعلامية ستًا وستين منظمة، ذات لون طائفي واحد، تقاتل مع النظام مُكوّنة من عشر جنسيات، وجاءت من ست دول، هي: إيران والعراق ولبنان وباكستان وأفغانستان واليمن، تأتمر -جميعًا- بأوامر إيرانية، وتبرز قوى فاعلة على الأرض، تخوض المعارك على أكثر من محور، في ظل ضعف شديد لقوات النظام، التي يبدو شأنها شأن الجيش السوري الحر؛ فهي تخوض معارك صغيرة، ولم تعد قادرة على حسم أي معركة، وإن كانت أحسن حالًا؛ بسبب الدعم الذي تتلقاه من حلفائها، والذي يبقيها في صورة المشهد، وإن نظريًا، ولا يقصيها خارجه، كما هو الحال مع الجيش السوري الحر.
الميليشيات الطائفية، والتي تُطلق على نفسها تسمية المقاومة الإسلامية، وهي تعمل على تصدير ما يسمى بـ “الثورة الإسلامية”، وفقًا لتوجيهات مرشدها الأعلى علي خامنئي، ويأتي في مقدمتها “حزب الله” اللبناني، الذي يُصنّف إرهابيًا في عديد من الدول العربية والعالمية، تحمل مشروعًا واضح الملامح، أعلن عنه أكثر من مرة قادتها، الذين يتوافدون إلى سورية تباعًا، ويُدلون بتصريحاتهم التي تؤكد وجود ثأر تاريخي، وقد أعلنت -في الآونة الأخيرة- ميليشيا “الحشد الشعبي” التي تُشارك في معركة الموصل؛ لطرد تنظيم (داعش) من المدينة، أنها ستدخل سورية لمطاردة فلول التنظيم، مع العلم أن ميليشيا الحشد مُتّهمة من منظمات دولية بارتكاب جرائم حرب، ولا تتوقف الصور عن إظهار مدى وحشيتها وإرهابها.
وفي الوقت الذي تسعى فيه روسيا إلى “استئصال” ما تسميه الإرهاب، وتجعل المدنيين هدفًا لها بذريعة “جبهة النصرة” وأخواتها، فإنها تُسقط من حساباتها أيًا من الفصائل الشيعية المتطرفة، بل يمكن الجزم، أن ثمة تنسيقًا بينها وبين تلك الميليشيات، والأمر نفسه تقوم به قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، والتي تُركّز اهتمامها على تنظيم (داعش)، إلا أنها لم يحدث أن استهدفت، ولو ذرًا للرماد في العيون، أحد التنظيمات التابعة لإيران، وهنا -أيضًا- يمكن تأكيد أن واشنطن تُنسّق مع واحد، أو أكثر، من تلك الميليشيات في سورية، طالما أنها تشترك مع “الحشد الشعبي” في غرفة عمليات واحدة في معركة طرد (داعش) من مدينة الموصل العراقية.
يبدو لزامًا، والحالة هذه، على مؤسسات المعارضة السورية، السعي سعيًا أساسيًا، إلى وضع الميليشيات الطائفية التابعة لإيران كافة، والموالية لنظام الأسد، على قوائم الإرهاب، وجمع ما يلزم من الأدلة التي تُثبت ذلك، وهي كثيرة بالمناسبة، بدل الجهد الذي تبذله؛ لإقناع المجتمع الدولي بأن بعض التنظيمات المحسوبة على الثورة ليست إرهابية، وتحاول تبرئتها.
[sociallocker] [/sociallocker]