on
ضحايا استبداد "بن علي" بتونس يتلون شهاداتهم..هل سيحصلون على اعتذار جلاديهم؟
عقدت "هيئة الحقيقة والكرامة" المكلفة بتطبيق قانون العدالة الانتقالية في تونس، يومي 17 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري أولى جلسات الاستماع العلنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان بين 1955 و2013، جلسات حضرها ضحايا وغاب عنها "الجلادون".
لم يستطع الأكاديمي الإسلامي سامي براهم الذي سجن ثماني سنوات في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي "التحرر" إلى حد اليوم، كما يقول، من ذكريات "مؤلمة جداً" بقيت عالقة في وجدانه بسبب ما تعرض له من تعذيب "جسدي ونفسي" داخل 14 سجناً أمضى فيها عقوبته.
يقول: "يوم 20 مارس/ آذار 1994 اقتحموا الزنزانة الثامنة صباحاً، جردونا من كل ملابسنا، فعلوا بنا أشياء تندرج في (إطار) العنف الجنسي. والذي أزّمني وآلمني أكثر أن المشرف على هذه العملية هو طبيب نفساني مكلف ببرنامج إصلاح وتأهيل المساجين. مشهد أقرب إلى مشهد (سجن) أبو غريب (في العراق) لا أريد وصفه احتراماً لعائلتي، لا أريد أن أحزنهم".
نُقِل براهم (يوم 20 مارس/آذار 1994) إلى مصحة السجن بعد دخوله في نوبة عصبية بسبب ما حدث له، وهناك تعمد ممرض "سكب قارورة كاملة" من حامض "إيثر" الحارق على عضوه التناسلي بهدف "إخصائه حتى لا ينجب أبناء" بحسب رواية السجين السابق الذي قال "أحمد الله لأن لي اليوم بنتاً حلوة أنشر صورها دائماً في فيس بوك لأبيّن أنني انتصرت على من أراد أن يعيقني عن الإنجاب".
ومن الذكريات المؤلمة الأخرى التي لم يستطع براهم التحرر منها، عدم تمكنه من حضور جنازة والده، وحبسه سبعة أيام داخل زنزانة مع سجناء آخرين وجميعهم "عراة"، وعجزه عن المشي أسبوعاً بسبب "الضرب المبرح على الساقين والمؤخرة" ووضع رأسه في فوهة مرحاض خلال حصة تعذيب أشرف عليها مدير السجن شخصياً.
يأمل الأكاديمي الإسلامي ألا يتكرر ما حصل له لكنه "غير مطمئن بأن التعذيب والعنف الجنسي لن يعودا" ما لم تقع مساءلة "للجلادين". وعلى الرغم من التنكيل الذي لحق به، فإن سامي براهم مستعد للعفو عن "جلاديه" شرط أن "يعترفوا ويعتذروا" عما "اقترفوه" بحقه.
لكن ليس مؤكداً أن يستجيب "الجلادون" لنداء سامي براهم وآخرين كثيرين يطالبون فقط بمواجهة "جلاديهم" والحصول منهم على "اعتراف" و"اعتذار" حتى "يتحرروا من سطوة الماضي، فهيئة الحقيقة والكرامة لم تحصل بعد من وزارة الداخلية على "أرشيف التحقيقات مع المعارضين" خصوصاً في عهد بن علي، وفق ما صرحت سهام بن سدرين.
و"في غياب أرشيف الداخلية، سيكون من الصعب إثبات تعرض أشخاص للتعذيب لأن آثاره لا تبقى بمرور الزمن" بحسب ما أفاد صلاح الدين الراشد عضو هيئة الحقيقة والكرامة.
ويستبعد محمد اليوسفي الصحافي والباحث المختص في التاريخ السياسي المعاصر أن تسلم وزارة الداخلية الأرشيف لهيئة الحقيقة والكرامة. وقال: إن "فتح أرشيف وزارة الداخلية سيبقى معضلة المعضلات في علاقته بمسار العدالة الانتقالية" لأن ''هيئة الحقيقة والكرامة المشرفة على هذا المسار دستورياً، لا تحظى بثقة وتوافق واسع من قبل القوى الحزبية خاصة تلك المحسوبة على الخط السياسي الذي حكم تونس قبل الثورة ومن بين هؤلاء رئيس الجمهورية الحالي الباجي قائد السبسي" الذي كانت وزارة الداخلية من بين الحقائب التي تولاها في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.
ويرى اليوسفي أن فتح أرشيف وزارة الداخلية مسألة "مرتبطة أساساً بمدى توفر الإرادة السياسية لتحمّل أعباء المسؤولية التاريخية لمعالجة ملف متشعب يهدّد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في تونس" كما يضيف أن "العديد من الفاعلين التاريخيين الموجودين حالياً في السلطة أو حتى في المعارضة وصلب المجتمع المدني يخشون انكشاف بعض الحقائق والمعطيات التي قد تكون مزلزلة فتعود بالوبال عليهم ومنها تلك المتعلقة بآليات المنظومة الأمنية التي تسببت في وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان".
لكن رياض الرزقي الناطق الرسمي باسم "النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي" (النقابة الرئيسية لقوات الأمن في تونس) وأحد مؤسسي "مركز تونس للعدالة الانتقالية"، وصف العدالة الانتقالية في تونس بأنها "عدالة انتقائية وانتقامية بامتياز تم اختصارها في وزارة الداخلية".، مضيفاً أنه كان من "مؤسسي مركز تونس للعدالة الانتقالية بعد الثورة" وأوضح: "في البداية كنا نريد إقامة عدالة انتقالية حقيقية بالاستئناس بالتجارب الدولية لكن تم الالتفاف على هذا المسار بعد دخول الأحزاب السياسية على الخط، فانسحبت من المركز".
وفي نظر الرزقي فإن رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين التي كانت معارضة بارزة لنظام بن علي وتعرضت لمضايقات أمنية في عهده، شخصية "مسيّسة" و"ليست طرفاً محايداً"، و"تكن حقداً دفيناً لجهاز الأمن".
لذلك فهو لا يعتقد أنها الشخص المناسب لإدارة الهيئة المسؤولة عن عملية العدالة الانتقالية. وتساءل النقابي الأمني إن كانت بن سدرين التي تحظى بدعم من حركة النهضة الإسلامية "ستفتح ملف ماء الفرق (النار) في باب سويقة عام 1991، والتفجيرات التي استهدفت في 1987 فنادق في مدينتي سوسة والمنستير (وسط شرق)" وكلتاهما حادثتان تورط فيهما منتسبون إلى حركة النهضة.
وقال الرزقي إنه ليس ضد فتح الأرشيف أو محاسبة من اعتبرهم "الأقلّية القليلة من عناصر الأمن الذين مارسوا التعذيب بتعليمات من السلطة، لكن شرط أن يتم ذلك على أيدي أناس شرفاء ونظيفي الأيدي يكونون محل إجماع وطني ولا يتاجرون بالأرشيف".
ويرى عبد الستار بن موسى المسؤول في "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" أنه حتى وإن تسلمت هيئة الحقيقة والكرامة الأرشيف من وزارة الداخلية فإن "الحقيقة ستكون منقوصة" لأن جزءاً هاماً من الأرشيف "تم إتلافه بعد الثورة مباشرة من قبل أشخاص في السلطة يخشون على أنفسهم".
وقال بن موسى إنه "كان من المفروض الحصول على الأرشيف وتأمينه مباشرة بعد الثورة لكن ذلك لم يحدث وتم إتلاف جزء من الأرشيف مثلما حصل في دول أخرى شهدت تحولات سياسية".
يذكر أن قانون العدالة الانتقالية حدد مهام هيئة الحقيقة والكرامة في "كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان" التي وقعت في تونس منذ الأول من يوليو/تموز 1955، أي بعد نحو شهر من حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، وإلى 31 ديسمبر/كانون الأول 2013 و"مساءلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات وتعويض الضحايا (مادّياً) ورد الاعتبار لهم" قبل إقامة "المصالحة الوطنية".
يذكر أن وسائل إعلام محلية تحدثت الجمعة عن لقاء غير معلن جمع راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية مع عبد الله القلال وزير الداخلية في عهد بن علي والذي يلاحقه تونسيون أمام القضاء بتهمة تعذيبهم زمن بن علي.
ورأت وسائل الإعلام في هذا اللقاء مؤشراً حول احتمال "لملمة" موضوع ملاحقة رموز نظام بن علي بعد أن عادوا اليوم إلى الواجهة، وأصبح بعضهم ينشط في أحزاب شريكة مع حركة النهضة في الحكومة الائتلافية الحالية.