on
ضحية الكاميرا الخفية سوري.. ولكن!
ديمة ونوس
ضجّت صفحات التواصل الاجتماعي -قبل يومين- بحلقة البرنامج “الساخر” (هدّي قلبك)، الذي تبثّه محطة الـ (OTV) اللبنانية. الحلقة التي تنتمي إلى فن “الكاميرا الخفية”، تعجز اللغة العربية الغنية بمفرداتها عن وصف مدى تفاهتها واحتقارها لمفاهيم المواطنة وحقوق الإنسان، ولا داعي للمبالغة هنا؛ لأننا -أصلًا- لا نتوقّع سلوكًا مختلفًا في بلاد نعيش فيها انحطاطًا، يتنامى كل يوم وكل دقيقة، منذ عقود.
الضجّة التي أحاطت بالحلقة، اختلطت فيها -ربما- المفاهيم الإنسانية والقيم الأخلاقية. تعاظم الغضب؛ لأن الشاب المستهدف كان سوريًا. بعضهم استشفّ من لهجته أنه لبناني ربما؛ فيصبح السؤال مشروعًا: هل المشكلة في كونه سوري وحسب؟ لو كان لبنانيًا أو أردنيًا هل كان للغضب اللهجة القاسية نفسها؟ بالطبع لا! لأن الجنسيات السورية والفلسطينية والأثيوبية أو الفليبينية، كلها جنسيات، تمثل في الوعي الجمعي والصورة النمطية حول لبنان، صورة الضحية! ومهما كانت تلك الصورة صادقة، لا يمكن التعامي عن تواطؤ ما، لدى بعض السوريين أو الفلسطينيين في استلطاف دور الضحية! وليس في هذا أي تحامل، بل واقع شعوب عاشت قمعًا هائلًا، جعلها -ربما- غير قادرة على الخروج من صورة الضحية. ولا أتحدث هنا عن مأساة الشعب السوري الذي جعله ضحية -بالضرورة وفي الواقع- لكل أنواع الهمجية والتشرّد والفقر والجوع والتهجير والموت، إلا أنه مجرّد تأمّل في الوعي الجمعي الذي يجعل من شعب ما ضحية أبدية، والذي يحمّل طائفة بأكملها مظلومية أبدية.
الشاب الذي اختير ضحية الكاميرا الخفية في تلك الحلقة المشؤومة، سوري بالفعل! ومشاركته في الحلقة تزيد الانحطاط انحطاطًا. الشاب سوري إذن، وممثل لأدوار ثانوية، ويعيش في بيروت، ويدرس في جامعة لبنانية، وشارك في الحلقة بإرادته ربما، وكان ممثلًا فاشلًا، فلم يكن مقنعًا بعفويته الناقصة؛ كان شريكًا في تكريس فكرة الضحية اللصيقة بالسوريين، في لبنان خاصة. لعب دورًا، أراد من خلاله القائمون على البرنامج توجيه مزيد من الازدراء والاستخفاف والإهانة للكائن السوري، أو للكائن المستضعف عمومًا، سوريًا كان أم فلسطينيًا أم لبنانيًا “معترّ”. حلقة ضد الإنسانية بامتياز بثّتها محطة “بيّ الكل”.
وإن أراد المتفرّج تأمّل الحلقة بتفاصيلها الدقيقة، سيكتشف أن موضوع العنصرية والاستخفاف بإنسانية البشر، كانا شيئًا ثانويًا أمام التفاصيل الأخرى الأكثر مرارة. المحطة التي بثّت البرنامج، والمعروفة بولائها لفكر “حزب الله” ولمشروع “المقاومة”، أهانته ولو من دون قصد. وتلك الإهانة غير المقصودة، أشدّ وطأة؛ إذ إنها تنطوي على نظرة سلبية لهذا الحزب، في منطقة اللاوعي وفي الفكر الجمعي.
من المعروف أن الحواجز الأكثر خطورة -على مرّ التاريخ الحديث- للبلدين: سورية ولبنان، هي حواجز النظام والشبّيحة في سورية، وقبلها في لبنان، وحواجز الميليشيات والأحزاب في لبنان؛ فماذا أرادت محطة الـ (OTV) إيصاله عبر ذلك الفيديو المهين؟ ما الصورة التي انتقتها لحاجز أمني؟ حاجز يديره شخصان “شبّيحان”، جاهلان، شعارهما “علم أحمر”! وهل تغيير اللون كاف وحده لإبعاد الشبهات؟ “إجا سيدنا”، هذا ما يقوله أحدهما قبل وصول الثاني – السيّد!. ومفردة “سيدنا” تلك، لا تُذكِّر إلا بالنظام السوري، وبطائفة تطلق على مشايخها اسم السيّد. ثم هل يُراد لحواجز هذه الميليشيا أن تُعرّي الأشخاص العابرين من أمامها؟ تعريتهم وإهانتهم جسديًا، وبألفاظ ذات إيحاءات جنسية؟ “اشلح القميص، اركع، اشلح الفانيلا، اشلح البنطلون، اركض، عم تتظاهر؟ شو مَطالبك؟ ممنوع التظاهر ولاك، امشي متل البطة، قول بدنا خبز، قول أنا صرت عم اضهر وسعري كتير خفيف”!! هل المحطة ترى الأجهزة الأمنية، أو الميليشيات المسؤولة عن الحواجز، بهذه الصورة السفيهة؟ هل الجيش أو الأجهزة الأمنية المكلّفة بحماية “المواطنين” وبـ “المقاومة”، على هذه الدرجة من الانحطاط؟
ثم يضع “سيدنا” العلم الأحمر في مؤخرة الضحية، في محاولة لإهانة مزدوجة تطال الضحية، من جهة، وتطال الأعلام “الوطنية” من جهة أخرى. بغض النظر إلى أي جهة يتبع العلم، أو أي حزب يُمثّله! ونعرف أننا لا نملك كثيرًا من الأعلام التابعة لجهات أمنية صارمة، تتحدث بهذه اللهجة الفوقية! فكيف تتجرّأ محطة لبنانية على التطاول على أجهزة الدولة والأمن، واستخدامها بغرض “الإضحاك”.
الممثل السوري يقول: إن لا علم له بأنها “كاميرا خفية”، ويقول إن الحلقة صُوِّرت قبل عام، ولم تُبثّ حتى الآن! وإنه -آنذاك- كان -بالفعل- يبحث عن عمل، يؤمّن له أقساط الجامعة. بغض النظر عن صدق كلامه، وبغض النظر عمّا إذا كان سوريًا، أو حاملًا لأي جنسية أخرى، ليس على المحطة مجرّد الاعتذار، عليها ربما إعادة النظر بصورة الأطراف التي تواليها وتقف في صفّها. ليس السوري وحده الضحية، كل من شاهد الحلقة هو ضحية أيضًا، لإعلام قبيح ولأفكار نمطية.
المصدر