عبدٌ مأمور


إبراهيم صموئيل

في خوض التجربة المباشرة للسجن، سيتكشَّف بُطلان وخديعة النظرة القديمة – الجديدة التي درجت بين الأغلبية العظمى من الناس، ثمّ صدَّقوها وتعاملوا على أساسها، وهي أن السجَّان -العنصر العادي الأدنى مرتبة- بريء من عذابات وآلام السجناء، إذ هو مجرَّد موظّف صغير، مأمور، أشبه بآلة تعذيب صمّاء.

وقد ساهمت شدّة الرغبة في إدانة المسؤولين الكبار، وتحميلهم الوزر، إلى تبرئة السجَّانين الأفراد، وعدّهم من المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا ناقة لهم في كلّ عذابات السجناء وآلامهم ولا جمل؛ ما يُخرجهم من دائرة الإدانة والغضب، وتاليًا، المسؤوليّة.

وواقع الحال، فإن التجربة العمليّة في السجون تفيد بأن أولئك الأفراد، أو العناصر، معنيون تمامًا، وليسوا -كما يتوهّم عديد من الناس- مجرّد أدوات بريئة منفّذة، لو آل الأمر إليهم؛ لعفَّت نفوسهم، وكفّت أيديهم، ولاذوا بمهنة أخرى.

هم معنيون، ومسؤولون، وشركاء. وهم كذلك، لأن الواحد منهم حين يُؤمر بالتعذيب: “خذه للغرفة”، ستعوي شهوة الدم فيه، ويقيم القيامة على السجين. وحين تفد إلى السجن مجموعة معتَقلين سيلغي بعضهم -طوعًا وتبرّعًا- إجازة ممنوحة لهم سابقًا؛ لكيلا يُفوّتوا على أنفسهم “حفلة” التعذيب. وحين يتغيّب آمر السجن، ستتكشّف نوازعهم بالانفلات كالذئاب في وجوه السجناء؛ كي يُشبعوا غرائز النهش والافتراس.

ثمة أمثلة معاكسة؟ من دون شكّ، غير أنها أندر من الندرة. نعم، هناك مَنْ كان يمتنع عن الضرب، طالبًا إلى السجين، في غرفة التعذيب، إطلاق الصيحات والصرخات، لتصل إلى مسامع آمر السجن، ويخال أن التعذيب جارٍ كالمطلوب. وهناك من كان يساعد السجناء –سرًّا- بنقل أخبار من أسرته، أو يؤمّن لهم بعض الأطعمة، أو يُهرّب بعض الصحف. وما إلى ذلك. بيد أن هؤلاء استثناء، يرِد ذكرهم على ألسنة السجناء بمنزلة تأكيد على ندرتهم.

ومَنْ جرّب السجون يعرف أن التعذيب وأفانين التنكيل وابتكار طرائق للإذلال، ليست أوامر من المناصب العُليا فحسب، وإنما رغبة شخصيّة خالصة -أيضًا- لدى صغار السجَّانين، يُلبُّونها بتلذذ كلّما أتيحت لهم الفرصة، وهو ما يُظهره سلوك المتهرّب من الأوامر للتعاطف مع السجناء.




المصدر