on
قانون الإعلام الموحد في مصر..انتكاسة أم إنجاز؟
تعتزم الحكومة المصرية في الأيام المقبلة تقديم مشروع “قانون تنظيم الصحافة والإعلام” إلى البرلمان لمناقشته وإقراره بصورة نهائية، باعتباره قانونًا موحدًا للصحافة والإعلام. وتأتي الخطوة وسط حالة من الجدل يشهدها الوسط الصحفي والإعلامي المصري حول نية الدولة لتقييد الحريات الصحفية وإحكام قبضتها على الفضاء الإعلامي.
ويأتي هذا المشروع بعد العمل بقانون تنظيم الصحافة 96 لسنة 1996، والذي نظم المهنة لما يقرب عن 20 عامًا، بالإضافة إلى بعض القوانين الأخرى، مثل القانون 76 لسنة 1970 الخاص بإنشاء وتنظيم نقابة الصحفيين وغيرهما من القوانين المنظمة للمهنة.
ووفقًا للتصريحات الرسمية، فإن القانون يأتي في إطار تنفيذ مواد الدستور المصري المعدل في 2014، والذي ينص على تشكيل ثلاث هيئات تختص بالإعلام هي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام.
يُذكر أن القانون تأجل طويلًا ودخل في دوامة من الإجراءات الإدارية، من بداية تشكيل اللجنة الموكلة بصياغة مواده ثم تحويله من مجلس الوزراء إلى مجلس الدولة للتعديلات، والعودة لإرساله إلى البرلمان لمناقشته، بالإضافة إلى مناقشة نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة التعديلات قبل إقراره، وكل هذا جعل مصير القانون غير واضح للجميع.
هذا التأجيل كان سببًا في الكثير من التساؤلات سواء من المؤيدين أو المعارضين للنظام الحالي، فالمؤيدون لطالما سعوا إلى فرض المزيد من القيود على ما يتم تناوله في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية بحجة “الفوضى” التي تجتاح المجتمع المصري، بينما شاب الحذر الجانب الآخر المعارض للنظام لأن هذا القانون تم إعداده بواسطة “اللجنة الوطنية للتشريعات الإعلامية” ودُفع به إلى الحكومة التي بدورها أرسلته إلى البرلمان، لكن تركيبة البرلمان المصري والاعتبارات التي تحكم أداءه وربما وجهات نظره في الكثير من أنماط الأداء الإعلامي جعلت البعض يخشى من أن يتم التعامل مع القانون كوسيلة لمحاربة أو تقويض “الفوضى” المزعومة في المجال الإعلامي.
ما الجديد في القانون؟
يتضمن القانون الجديد 230 مادة قامت “اللجنة الوطنية للتشريعات الصحفية والإعلامية” بإعدادها على مدى 24 شهرًا بعد أن قام ممثلوها بالتشاور مع لجنة حكومية شكلها رئيس مجلس الوزراء السابق إبراهيم محلب. وترأس هذه اللجنة أشرف العربي، وزير التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، وضمت عددًا من الخبراء القانونيين والإعلاميين والإداريين، كان من بينهم علي عبدالعال، الخبير القانوني، قبل أن يترأس مجلس النواب حاليًا.
وجاء مشروع القانون الذي يضم 7 أبواب، أولها عن حرية الصحافة وواجبات الصحفيين والإعلاميين، والثاني عن إصدار الصحف وملكيتها، بينما شمل الثالث سبل تأسيس وسائل الإعلام وملكيتها، فالرابع عن المؤسسات الصحفية القومية، ويأتي الخامس عن وسائل الإعلام العامة، ثم ينفرد الباب السادس بمجالس تنظيم الصحافة وهي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام.
وتحتوي مواد القانون على المعايير الحاكمة للعمل الإعلامي، وتشكيل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام والهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام والتي يتم تشكيلها بواقع ما بين 13 إلى 15 عضوًا لكل منهم بناء على اختيار عدد من الجهات المعنية من بينها رئاسة الجمهورية والبرلمان والكوادر الأكاديمية ذات الصلة بمجال الإعلام من قبل الجامعات ونقابة الصحفيين ومجلس الدولة.
وحظر القانون على الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية تناول ما تتولاه سلطات التحقيق أو المحاكمة على نحو يؤثر على مراكز من يتناولهم التحقيق أو المحاكمة، كما وضع القانون شروطًا لترخيص الجرائد والصحف اليومية والأسبوعية والشهرية والمواقع الإلكترونية منها وضع وديعة في أحد البنوك 3 ملايين جنيه للصحف اليومية ومليون جنيه للأسبوعية و500 ألف للشهرية والموقع الإلكتروني للصحيفة 500 ألف جنيه أيضًا. كما نصّ على أن كل من يرغب في إنشاء أو تشغيل أي وسيلة إعلامية مرئية أو مسموعة أو رقمية أن يتقدم بطلب إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام للحصول على ترخيص.
ويجيز القانون للمجلس الأعلى للإعلام منع أي مطبوعات أو صحف أُصدرت في الخارج من الدخول لمصر أو تداول عرضها بما يهدد الأمن القومي المصري، وينسحب هذا المنع على المواد الإباحية والتي تتعرض للأديان، والتي تؤدي لتكدير السلم والأمن العام. كما منع القانون الحبس في جرائم النشر ومنع الحبس الاحتياطي للصحفيين والإعلاميين ونصّ على الإفراج عنهم بكفالة في الجرائم التي تتعلق بعملهم وبالنشر.
القانون غير دستوري
ويرى مراقبون وخبراء إعلاميون أن مشروع القانون به الكثير من الصياغات العامة والعبارات المطاطية من دون وضع تعريف محدد مثل “مقتضيات الأمن القومي”، أو الإشارة إلى “ميثاق الشرف الصحفي” الذي تنص مواده على التزام الصحفيين والإعلاميين به رغم عدم وجود هذا الميثاق في الوقت الحالي، بالإضافة إلى أن القانون نصّ على السماح بتدخل رئيس الجمهورية في حرية الإعلام.
من جانبها، حذرت لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة، من تمرير مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحد بصورته الحالية، مؤكدة عدم دستوريته شكلًا وموضوعًا. وصرح بشير العدل، مؤسس اللجنة، في بيان صحفي أمس الأحد، أن مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الموحد بصيغته التي تم تقديمه بها للجهات المعنية يعد جريمة بحق الصحفيين، ويمثل انتهاكًا صارخًا لحقوقهم، وممارسة للتمييز بينهم، وخلقًا لفجوة بين صحفيين بالمؤسسات المملوكة للدولة، وآخرين بالصحف الحزبية والمستقلة.
وأشار العدل إلى أن مقترح مجلس الدولة بإنشاء الهيئات الثلاث يأتي متسقًا مع ما ذهب إليه من عدم توافق مشروع القانون مع نصوص الدستور وتحديدًا المواد 211 و212 و213 وأن ذلك يعنى نسفًا لمشروع القانون، الذي انتهت إليه لجنة الخمسين، وهي اللجنة التي تم تشكيلها من مختلف الأطياف الصحفية.
وأضاف العدل أن “من بين الجرائم التي جاءت بمشروع قانون الصحافة والإعلام الموحد، الذي يتغنّى به البعض ويطالبون بسرعة إقراره ويعتبرونه المخلص لكل أزمات المهنة، أن الهيئة الوطنية للصحافة لها اختصاصات حددها المشروع بعدد 18 اختصاصًا، ليس من بينها أي اعتبار لأي صحفي بالصحف الخاصة أو الحزبية، وانصبت جميعها على الصحف المملوكة للدولة”.
وشدد العدل، على أن إقرار مشروع القانون بصيغته الحالية، يقضي على مكتسبات حققها الصحفيون، عبر نضال طويل مع السلطات الحاكمة عبر عقود من الزمان، مطالبًا بإعادة النظر في مشروع القانون، ومنح الجماعة الصحفية والإعلامية حق إبداء الرأي فيه، بما يحقق الصالح العام.
ودعا العدل في بيانه نقابة الصحفيين باعتبارها المظلة القانونية للصحفيين، لإعادة النظر في نصوص المشروع والمساهمة بالاشتراك مع الجماعة الصحفية وذوي الخبرات النقابية في وضع قانون الهيئة الوطنية للصحافة، على أن يكون قانونًا مستقلًا ومنفردًا بعيدًا عن قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع.
في سياق متصل، تشير نور خليل، الباحثة بالمركز المصري لدراسات السياسات العامة، إلى أن هناك بعض الإشكاليات القانونية بمشروع قانون الإعلام والصحافة، مثل عدم ذكر العاملين بالمهنة غير المقيدين في النقابة، كما أن القانون لم ينص على تعريف واضح ودقيق لما هي المواضيع التي من شأنها الإخلال بالأمن القومي والدفاع عن الوطن، مما يفتح الباب أمام السلطات للتحكم في إتاحة المعلومات بمختلف صورها بداعي مقتضيات الأمن القومي غير المُعرّفة في مختلف القوانين المصرية، وهو ما سيؤثر على حق المواطن في الاطلاع على المعلومات والمكفول بالدستور في المادة 68.
وتضيف خليل أن اختيار رئيس الجمهورية لرئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في غير محله، إذ يعد تدخلًا من السلطة التنفيذية في حرية الإعلام، كما أن التزام المجلس بحفظ سرية المعلومات يجور على حق الاطلاع على المعلومات العامة لجميع المواطنين والشفافية المنصوص عليهما في المادة رقم 68 من الدستور.
وتشير الباحثة إلى أن القانون يضع إجراءات أكثر ضمانة لحماية مكاتب ومساكن الصحفيين من التفتيش، ولكن كان يجب على المُشرِّع استكمال ضمانات حماية الصحفيين والإعلاميين من خلال إخطار مجلس النقابة قبل البدء في إجراءات التحقيق معهم وضمان شفافية التحقيق واطلاعهم عليه. بالإضافة إلى أنه لم يحدد الفرق بين السب والقذف، والكشف عن الفساد، مما قد يؤدي على سبيل المثال إلى ادعاءات سب وقذف ضد الصحفيين والإعلاميين، ويؤثر سلبًا على العمل الصحفي الاستقصائي.
ونوّهت خليل بأن ظاهرة منع طباعة الصحف قابلة للزيادة في ظل هذا القانون، بسبب عدم وضوح المقصود بمقتضيات الأمن القومي، وهو ما يعرض المؤسسات الصحفية والإعلامية لرقابة محتواها والتحكم فيه بحجة مقتضيات الأمن القومي غير المعرفة من الأساس.
إنجاز بمقاييس الدولة
على الجانب الآخر، يرى خبراء أن مشروع القانون بصورته الحالية بمثابة “إنجاز” يجب الاحتفاء به، فهو يعد أول تفعيل لمواد الدستور المُعدّل، كما أن القانون يمنح سلطات واسعة للصحفيين والإعلاميين من خلال التأكيد على استقلاليتهم وحمايتهم بالمقارنة مع قانون 96.
ووفقًا لتصريحات صحفية لكارم محمود، رئيس لجنة التشريعات بنقابة الصحفيين، فإن قانون الإعلام الموحد سيحل جميع مشاكل الجماعة الصحفية وأنه لا يجوز التعامل مع مشاكل المؤسسات الصحفية القومية والإعلام المصري بشكل عام “بالقطعة”، مضيفًا أن القانون الموحد متكامل ومتوازن ويحقق التوازن الدقيق المنشود ما بين حق الدولة وحق المجتمع والرأي العام وحق المهنة.
ويرى أيمن ندا، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة، أن القانون هو بمثابة تحول تاريخي في عالم الصحافة المصرية، وذلك لتضمنه لأول مرة تشريعات خاصة بالصحافة الإلكترونية، كما أنه يزيل العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر والعلانية ما عدا ثلاث جرائم، هي الطعن في الأعراض والحضّ على التمييز والتحريض على العنف. ويضيف ندا أنه ولأول مرة منذ تموز/يوليو 1952 سوف تكون وسائل الإعلام المملوكة للدولة ليست تابعة لوزير إعلام تعيّنه الحكومة أو مجلس أعلى يتم تعيينه من قِبل الغرفة الثانية للبرلمان (مجلس الشورى) الذي تم حَلّه، وبالتالي سيكون هناك حوالي 52 صحيفة و22 محطة تلفزيون و40 محطة إذاعة خاضعة لإشراف هيئة مستقلة هي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والذي سيتم إنشاؤه بعد تمرير القانون في البرلمان.
الإعلام الحكومي إلى أين؟
إلا أن ذلك التغيير الذي سيطال المؤسسة الإعلامية الرسمية لا يبدو مؤكدًا، بحسب الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز، ففي نيسان/أبريل الماضي وبالتزامن مع الانتهاء من صياغة مواد القانون، صدر قرار غريب عن مجلس الوزراء بإعادة تشكيل مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهي الهيئة المهيمنة على وسائل الإعلام المملوكة للدولة. وغرابة القرار تعود إلى أن اتحاد الإذاعة والتلفزيون لن يكون له وجود عند إقرار “قانون الإعلام الموحد”، لأن هذا القانون يستبدل الهيئة الوطنية للإعلام بهذا الاتحاد فكيف يمكن للدولة أن تقوم بإنشاء مجلس لإدارة الاتحاد الذي سيزول بالضرورة؟!.
ويرى عبد العزيز أن وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وهي ترسانة ضخمة في مصر، دأبت على العمل كأداة للدعاية للدولة أو لنظام الحكم على مدى العقود الستة الفائتة. وأن مشروع القانون الجديد سيحوّل السيطرة على هذه الآلة الضخمة من السلطة التنفيذية إلى هيئات مستقلة وبالتالي على الدولة أن تعرف أنه بالموافقة على هذا القانون سوف تكون غير قادرة على التحكم في أداء هذه الوسائل بالشكل الذي يمكن أن ينتج نمطًا دعائيًا.
ويشير عبد العزيز إلى أن تنظيم المجال الإعلامي لن يصبح بحوزة السلطة التنفيذية، فمن يعطي التصاريح والتراخيص لن يكون للحكومة أو الحزب الحاكم أو الأجهزة الأمنية ولكن لهيئة مستقلة ستكون ممثلة بالسلطات الدستورية ولكن ستضمن ممثلين عن الجماعة الصحفية والإعلامية والمجتمع المدني وبعض الهيئات الأخرى مثل المجالس القومية واتحادات الثقافة وغيرها. ويرجّح عبد العزيز ألا تستطيع الدولة تقديم مثل هذه “التنازلات”، حين يتم مناقشة القانون في البرلمان بعد أيام قليلة، بل ستمضي في تكريس الأوضاع التي استمرت على مدى ستة عقود.