حكاية بغل أبي سلمان
22 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
فوزات رزق
صديقي أبو شادي مشكى همي. كلما وجدت نفسي في ضائقة لجأت إليه، أفضي له بما يعكر مزاجي، ويجعلني في حالة من عدم الاتزان. فيبادر إلى القول: يا نار كوني بردًا وسلامًا على صديقي مسعود.
كثيرًا ما شكوت له عن متاعبي في العمل، في البيت، مع الجيران، مع بعض الناس الذين تربطني بهم علاقة. وفي كل مرة كان يتحفني بحكاية تنسيني ما أنا فيه من همّ وغمّ. ويغتصب مني ضحكة ما كنت لأجود بها لولا حديثه الطلي.
جاءني اليوم بوجه باش كعادته. فاستقبلته بفتور على غير عادتي؛ لأنني كنت في وضع نفسي لا يسمح لي باستقبال أحد. استغرب أبو شادي موقفي، وسألني:
ـ خير أخي مسعود شو القصة. شايفك ضارب بوز طول فتر.
ولأنني لا أستطيع أن أخفي عن أبي شادي شيئًا؛ حدثته عن الحالة التي وصلنا إليها في البلد؛ من جراء ما يجري كل يوم من مصائب. الأخ في البيت الواحد أصبح عدوًا لأخيه. وسقت له خلافي اليوم مع أخي -من أمي وأبي- الذي وصل إلى مرحلة المقاطعة؛ فقد جاءني اليوم يمتدح حسن زميرة. ويشيد بوقفته المشرفة مع الجيش العربي السوري. وعندما رأى وجهي قد تغير أراد أن يزيد في إغاظتي، فقال: كثر خيروا الرجّال لولاه لكان الإرهابيون يعيثون فسادًا في البلد. وأضاف: لولا سماحة السيد وفخامة الرئيس بوتين لكان البلد بخبر كان.
وأخذ يحدثني -بفرح غامر- عن قصف الطيران الروسي الصديق للمستشفيات في حلب وريفها وعدّ ذلك عملًا بطوليًا. وحينما قلت له: إن هذا عمل إجرامي، استشاط غضبًا، ورد علي قائلًا: أنت المجرم الذي لا يمتلك حسًا وطنيًا. ولم يكتف بذلك بل أقسم أنه لن يدوس بيتي بعد اليوم، ولن يكلمني.
عندما سمع أبو شادي حكايتي ضحك ملء فمه. استغربت موقفه. أنا في حالة غضب وأشكو له ما بيني وبين أخي؛ وهو يقابل ذلك بالضحك كأنه يسخر مني. عندما رآني أبو شادي ممتعضًا من ضحكته، قال: هل سمعت بحكاية بغل أبي سلمان؟.
نسيت ما أنا فيه من هم، وما جرى بيني وبي أخي، وتلهفت لسماع حكايته. قال أبو شادي:
أبو سلمان فلاح من رجال الزمن الأول. دينه ومعبوده الأرض، فلاحة وزراعة وحصيدة وغير ذلك من أعمال. خرج أبو سلمان في الصباح الباكر مع الفجر، يتبعه أولاده الثلاثة إلى الحصيدة. ركب أبو سلمان بغله وسار الأولاد خلفه.
على الطريق تعثر البغل بحجر نتيجة الظلام، فاختل توازن أبي سلمان فوقع على الأرض، وأخذ يتألّم. أثار ألم أبي سلمان ابنه الكبير، فأمسك بحجر وأراد أن يثأر لوالده من البغل. لكن الحجر أخطأ البغل ووقع في رأس أخيه الأوسط. صاح الولد متألمًا، وأخذ يولول. أثار ألم الأخ الأوسط أخاه الصغير. فأمسك بحجر وأراد أن ينتقم لأخيه من البغل، فصدم الحجر رأس الأخ الأكبر.
عند ذلك كفّ الأب عن الأنين وقال لأولاده: والله يا ولاد أنا شايف هالبغل راح يذبحنا ببعضنا.
[sociallocker] [/sociallocker]