عيسى الشعيبي يكتب: ضحية الحرب على الإرهاب


عيسى الشعيبي

بالقدر الذي عانت فيه شعوب هذه المنطقة من ظاهرة الإرهاب، ودفعت جراء ذلك أثماناً باهظة من حياة شبابها، وأمنها وعمرانها واستقرارها، عانت هذه الشعوب بقدر أكبر بكثير، من الحرب الدولية ضد هذا الإرهاب المتستر بالدين، ونزفت على نحو أشد، وتدمرت مقوماتها، بفعل تزاحم أسراب الطائرات وجحافل المليشيات، في السماء وعلى الأرض، تحت ذريعة محاربة هذه الظاهرة في عقر دارها قبل أن تنتشر في كل الأنحاء.
في كلتا الحالتين، أي تفاقم الإرهاب والحرب ضده، كانت الضحية الأولى هي الشعوب العربية، لاسيما في العراق وبلاد الشام، الأمر الذي عزز من نظرية المؤامرة السائدة في الثقافة السياسية العربية، وجعل قطاعات أوسع فأوسع من الرأي العام تتساءل بحرقة، عما إذا كانت ظاهرة الإرهاب من صنع الغرب الذي يسعى إلى توظيفها في استراتيجياته الغامضة، ويجهد نفسه في احتوائها، لا القضاء عليها، لغرض ما في نفس يعقوب.
ومع أن لا أحد في رأسه قليل من العقل، إلا ويتمنى أن يغمض عينيه ويفتحهما حتى يكون الإرهاب قد انتهى من بلادنا ومن الوجود كله، فإن ما تمور به المشاهد الأخيرة من الحرب الجارية ضد هذا الإرهاب، لاسيما في حلب والموصل، وما يحتشد حول هاتين المدينتين التوأمين من حشود ذات عمائم طائفية سوداء، يزيد من الشكوك حول حقيقة ما يدور خلف حرب تستبطن أكثر مما تفصح، من أهداف باتت اليوم أشد وضوحاً مما كانت عليه من قبل.
وكان للمرء أن يخمد ثورة الشك في نفسه، لولا هذه الاصطفافات الهجينة بين شتى الملل والنحل، التي تتقاطر زرافات ووحداناً تحت لواء محاربة الإرهاب، وتبيح لذاتها مقارفة جرائم لا تقل فظاعة عما ارتكبه الإرهابيون ضد النساء والرجال، خصوصاً من جانب “الحشد الشيعي”، الأمر الذي جعل الضحايا يدفعون الثمن مرتين؛ الأولى على يد “داعش”، والثانية على أيدي المليشيات المستجلبة من كل بقاع الأرض، ناهيك عما تفعله أسراب الطائرات.
وعليه، فقد بات الاستنتاج الذي يزداد رسوخاً مع مرور الوقت، أن الحرب ضد الإرهاب حرب مذهبية على سن ورمح، وهي كذلك فعلاً، إلا أن الحياء لدى المراقبين والكتّاب الوطنيين والمثقفين الديمقراطيين، يمنعهم من تسمية الولد باسم أبيه الحقيقي، وهي أن هذه الحرب هي حرب الشيعة ضد السنة، حتى وإن شاركت فيها دول غربية وشرقية، ليس لها ضلع في حرب الثارات الكربلائية التي نشبت بين يزيد بن معاوية والحسين بن علي قبل ألف وأربعمائة عام.
فعندما تعمل طائرات التحالف الأميركي كجناح جوي للمليشيات ذات الولاء والتمويل الإيراني في معركة الموصل، وتفعل القوة الجوية الفضائية الروسية الشيء ذاته، كغطاء للمليشيات التابعة للحرس الثوري في معركة حلب، فإن على المرء أن يعيد طرح السؤال عن مغزى هذه الحرب المنسقة ضد العرب السنة، طالما أن المستهدفين في سورية والعراق هم من لون مذهبي بعينه، حتى إن كانت الذريعة محقة، في وجوب الحرب بلا هوادة ضد ظاهرة الإرهاب.
ومن دون غض النظر عن هويات القتلة والمقتولين في هذه الحرب، فإن مشهد المهجرين من مدنهم وبلداتهم المهدّمة، وهم جميعاً من العرب السنة حصراً، يكفي وحده فقط لمقاربة جوهر هذه الحرب، كون مشهد اللاجئين أكثر بلاغة من كل شرح وتعليل. حيث هناك في العراق نحو أربعة ملايين مشرد، وفي سورية نحو سبعة ملايين مثلهم، باتوا خارج المكان والزمان، في إطار عملية منهجية طويلة المدى، لإعادة هندسة ديمغرافيا المشرق العربي، وفق ما تنطق به دلائل وقرائن تقلع العين.
لقد كان لافتاً العرض العسكري الذي قام به حزب الله في بلدة القصير السورية، التي هُجر سكانها قبل نحو ثلاثة أعوام، وهو حزب مصنف لدى الدول الغربية والعربية كمنظمة إرهابية. حيث جرى العرض من دون أن يُرمى هذا الحزب المتحول من قوة مقاومة إلى قوة احتلال بحجر أو بوردة، ومن غير أن يُسأل عن مصدر مصفحاته الأميركية الصنع، المشابهة لتلك الدروع التي تستخدمها مليشيات الحشد الشعبي في العراق، تحت أعين الأميركيين أنفسهم. وهو لغز قد يحمل لنا فك شيفرته الحمام الزاجل عما قريب.

المصدر: الغد

عيسى الشعيبي يكتب: ضحية الحرب على الإرهاب على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا