“بوتين” ينتحر


كل التقارير السياسية والاقتصادية وحتى تقارير معامل التصنيع العسكري الصادرة عن مراكز الدراسات المحايدة والمحللين السياسيين والاقتصاديين المحايدين التي تتحدث عن الحالة التي وصلت إليها روسيا كانت تنقل صورة واضحة وجلية أن المافيا المالية وأصحاب رؤوس الأموال التي أوصلت الرئيس “فلاديمير بوتين” إلى سدة السلطة قد ضاقت ذرعاً بالويلات والمواقف المحرجة والعقوبات التي تسببت بها قرارات “موسكو” في شبه جزيرة “القرم” و”أوكرايينا” و”سورية”، وترافق ذلك مع توقف رواتب المتقاعدين لعدة أشهر ومشاغبات لجنة أمهات الجنود، وهنّ من قُتل أولادهن الجنود في أوكرايينا أو القرم أو فُقدو خلال المعارك أو ماتوا تحت التعذيب في أقبية مخابرات “بوتين”، الأمر الذي دفع بالكثير من المعارضين الروس للنجاة بأرواحهم عبر الهروب للغرب ومغادرة الأراضي الروسية (المظاهرات ممنوعة بروسيا بأوامر من “بوتين”).

 

أمام هذا الواقع المأساوي كانت خيارات الرئيس الروسي “بوتين” جداً محدودة، وكونه قادم من مؤسسة مخابراتية لا تعرف الاستسلام ولا يهمها حجم الدمار ولا عدد الأموات بل يهمها فقط تحقيق أهدافها، فقد كان قرار الفوهرر “بوتين” باتجاه الهروب نحو الأمام والانصراف لقضايا خارجية تكون “إبر المخدر” للشعب الروسي للتغطية على الوضع الداخلي المتأزم.

عندما تدخل “بوتين” بالشأن الداخلي لأوكرايينا ظن أن مواطنيها ذوي الأصول الروسيّة سيكونون عوناً له في تغيير نظام الحكم وفي العبث بالأمن الداخلي لكنهم خذلوه واختاروا الوقوف إلى جانب البلد الذي عاشوا فيه، وحتى الوعود التي أغدقها على شبه جزيرة القرم لم يستطع “بوتين” تحقيقها، فالجسر الذي وعد بإقامته بين روسيا والقرم عبر مضيق “كيرتش” عجزت ميزانيته وحكومته عن الوفاء بالتزاماتها، وزاد الطين بلة قطع حكومة “أوكرايينا” الماء والكهرباء عن “القرم” مشيرةً إلى أن تلك التأمينات تقع على عاتق البلد المحتل.

“بوتين” يشعر بالخذلان الإيراني أيضاً، فالوعود التي قطعها له قائد “فيلق القدس” الجنرال “قاسم سليماني” الذي حلم بسحق فصائل المعارضة والجيش الحر إذا ما كان هناك غطاء جوي روسي لكن حلمه لم يتحقق. وحتى المناطق التي تتم السيطرة عليها بمساندة روسية وإيرانية ويتم تمكين نظام الأسد منها عبر اتباع الطيران الروسي لتكتيك وسياسة الأرض المحروقة بعد استخدامه لكل الأسلحة التي المكدسة في مستودعات “الاتحاد السوفييتي” سابقاً بما فيها المحرمة دولياً سرعان ما تستعيد المعارضة السورية كل هذه المناطق التي خسرتها مع أول غياب لطيران “بوتين” أو مع تعكر وسوء الأحوال الجوية، والحركة الإسعافية التي قامت بها المخابرات الروسية عبر مكاتب خاصة لم تٌفلح، تلك العملية التي تضمنت تجنيد بعض المرتزقة الروس من العسكريين القدامى والعاطلين عن العمل والزج بهم في جبهات القتال في سورية والذين بلغت أعدادهم زهاء خمسة آلاف مرتزق، وتكفلت المخابرات الروسية بتسديد رواتبهم.

ومع شعور “بوتين” بالرمال المتحركة التي بدأت تغوص تحت أقدامه بعد فخ أمريكي وقع به “الدب الروسي” استمر في هروبه نحو الأمام، فبدلاً من أن يتراجع خطوة للوراء يثبّت بها أقدامه ويستعيد توازنه كي لا يترنح ويسقط، ذهب “الفوهرر” لمزيد من الانغماس بالحرب في سورية ولمزيد من الزج بقوات إضافية وعتاد حربي في ساحات القتال وبناء القواعد الجوية والبحرية، وتمثلت تلك الخطوة بنقل قطعات برية وجوية وبحرية إضافية تكللت آخرها بوصول الطراد الروسي الوحيد الحامل للطائرات “أدميرال كوزينتسوف” وأكثر من (18) قطعة بحرية متنوعة تتالى وصولها إلى السواحل السورية لتشكل المجموعة البحرية الخامسة والتي ضمت خيرة المدمرات والطرادات والسفن الصاروخية والغواصات النووية والديزل التي تم استقدامها من خمسة أساطيل بحرية تمتلكها موسكو كإرث استولت عليه بعد انهيار الاتحاد السوفييتي (أسطول بحر الشمال، أسطول بحر البلطيق، أسطول البحر الأسود، أسطول المحيط الهادي، أسطول بحر قزوين).

 

 

حتى لو خسرت الثورة السورية كل الجغرافيا فستعود ليفجر أبطالها الأرض من تحت أقدام الغزاة، وسيخرجون عليهم من بين أصابعهم، وسيكونون حاضرين في أحلامهم وفي يقظتهم، وستكون مقاومة شعبية لا تهدأ ولا تكل ولا تمل

 

 

خلال كل معارك الشمال وعلى مدار فترة الاحتلال الروسي شكلت “حلب” العقدة و”اللقمة” العسيرة على الهضم على معدة روسيا وإيران، ورغم زج “إيران” بكل أصناف ميليشيات المرتزقة التي استقدمتها فقد عجزت عن ابتلاعها أو ترويضها عبر القصف والقتل والتدمير، وعندما تقدمت “موسكو” لتعلن عن مبادرات وهدن وممرات القتل التي أسمتها “الممرات الآمنة”، أيضاً فشلت في ذلك فكان قرار “بوتين” الانتحار في “حلب”.

انتحار “بوتين” كان عبر قراره الزج بكل ما تملك الآلة العسكرية الروسية من أسلحة، إن كان عبر فوهات المدفعية المتحركة والدبابات (ت-90) التي استقدمها وتموضعت في منطقة “الحاضر” ومطار “كويرس”، أو عبر راجمات الصواريخ المتوسطة وبعيدة المدى من نوع “كاليبر” و”باستيون” التي تم إطلاقها من بوارجه البحرية وغواصاته القابعة مقابل سواحل اللاذقية وطرطوس (أُطلقت بالسابق من البوارج في بحر قزوين)، أو عبر القاذفات الاستراتيجية (تو-95، تو-160) والتي تقلع من مطارات “أوستيا” أو من قاعدة “همدان” الإيرانية التي عادت لتفتح مدرجاتها للقاذفات الاستراتيجية الروسية.

من الواضح أن “بوتين” يجهل طبيعة الشعب السوري، ومن المؤكد أنه لا يفهم طبيعة الصراع بين أهل بلاد الشام ومجوس “طهران”، وأنه لا يعلم أيضاً أن تجرع السم أهون وأسهل على سكان “حلب” من تسليم أعراضهم وديارهم وأرضهم وترابهم المقدس لأقزام “خامنئي” و”حسن نصر الله” ومجرم “القرداحة”، ومن المؤكد أن “بوتين” لا يعرف مدى قدرات أهالي “حلب” بشبابها ورجالها وشيوخها ونسائها وحتى أطفالها من أنهم سيتحولون لألغام موقوتة تنفجر بكل من يدوس لهم على طرف عند الحاجة.

“بوتين” قد يسيطر على “حلب” … لكنه لن يُخمد الثورة.

وقد يخسر الثوار بقية مناطق الغوطة الغربية … لكنهم لن يخسروا عزيمتهم وإرادتهم وتصميمهم.

وحتى لو خسرت الثورة السورية كل الجغرافيا فستعود ليفجر أبطالها الأرض من تحت أقدام الغزاة، وسيخرجون عليهم من بين أصابعهم، وسيكونون حاضرين في أحلامهم وفي يقظتهم، وستكون مقاومة شعبية لا تهدأ ولا تكل ولا تمل.

إنها الحرب المفتوحة على روسيا هكذا قالها رجال سورية الأشاوس مؤخراً، إنها الحرب على كل المواقع الروسية في داخل الأراضي السورية، وحتى قطعها البحرية في عرض المتوسط لن تكون بمنأى عن عناصر الكوماندوس البحري الذي سيكون له القدرة وبطرق شتى على الوصول إلى مواقع تلك السفن إن كان عبر زوارق اقتحامية استشهادية، أو عبر التلغيم تحت الماء، ومن يقصد الهدف لن يعجز الوسيلة.

 

 

 

خلال كل معارك الشمال وعلى مدار فترة الاحتلال الروسي شكلت “حلب” العقدة لروسيا وإيران، ورغم زج “إيران” بكل أصناف ميليشيات المرتزقة التي استقدمتها فقد عجزت عن ابتلاعها أو ترويضها، وعندما تقدمت “موسكو” لتعلن عن مبادرات وهدن وممرات القتل التي أسمتها “الممرات الآمنة”، أيضاً فشلت في ذلك فكان قرار “بوتين” الانتحار في “حلب”

 

 

قرار حسم معركة “حلب” ومحاولة إجهاض الثورة السورية هو قرار انتحار للفوهرر “بوتين”، فمواقف الغرب أصبحت أكثر وضوحاً وأكثر حزماً، ويبدو أن أقدام “بوتين” وقعت بالمصيدة الغربية، ومعها بدأت السياط تنهال على جلده، منظمة “هيومان رايتس ووتش” وجهت ما يكفي من أدلة على جرائم بحق البشرية والإنسانية ترتكبها “موسكو” بحق الشعب السوري وبمشاركة حليفه “الأسد”، الأمم المتحدة حملت النظام وبدعم روسي مسؤولية إفشال إدخال معظم قوافل المساعدات الإنسانية القادمة للمناطق المحاصرة بحلب وغيرها، منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أثبتت وبوقائع ثابتة وأدلة راسخة استخدام حوامات “الأسد للأسلحة الكيميائية وقد ينال “بوتين” جزءاً من المسؤولية القانونية والأخلاقية وحتى العسكرية على تلك الجرائم، المحكمة الجنائية الدولية تحدثت عن جرائم إبادة ومجازر يرتكبها الطيران الروسي وطيران الأسد، وكل تلك الجرائم لا تموت عبر التقادم ولا يفوتها قطار الزمن وهو أمر يعرفه “بوتين”.

“بوتين” قرر الانتحار بعد أن أغلق كل بوابات الخروج من الزنزانة التي سجن نفسه فيها، وبعد أن سد كل طرق العودة وبعد أن قطع كل خيوط التواصل مع الشعب السوري الحر.

“بوتين” قرر الانتحار في “حلب”، فمن يطلق عليه رصاصة الرحمة؟؟؟

المؤشرات تقول أن تلك الطلقة قد تكون من النيران الصديقة !!!!

يا خبر بفلوس بكرة ببلاش.



صدى الشام