on
حلب تحت النار .. تدمير منظم للبنى التحتية لإخضاع المدينة
تتواصل حملة القصف المكثفة التي تشنها روسيا والنظام السوري على الأحياء الشرقية في مدينة حلب في محاولة لإنهاك سكان ومقاتلي المدينة المحاصرة منذ نحو ثلاثة أشهر.
وتترافق عمليات القصف مع محاولات متكررة من جانب قوات النظام والميليشيات الإيرانية لاقتحام بعض أحياء المدينة من الجهات الجنوبية والشرقية والشمالية دون أن تحقق نجاحاً يذكر برغم استخدام قوات النظام غاز الكلور السام أكثر من مرة، ورغم الكثافة النارية الهائلة المستخدمة من جانب القوات المهاجمة في هذه المعارك.
والاستراتيجية التي تعتمدها قوات النظام ورسيا في الحملة الحالية على حلب لا تختلف كثيراً عن أساليبهما السابقة سواء إزاء المدينة أم المناطق الأخرى، حيث يتم استخدام كثافة نارية عالية بهدف إحداث تدمير كبير في البنى التحتية في المدينة وفي الريف أيضاً الذي تعتبره قوات النظام خزاناً بشرياً للمعارضة وبيئة حاضنة لقياداتها ومراكزها الأساسية، إضافة الى إحداث تأثير نفسي على الأهالي خاصة بهدف تأليبهم على المعارضة، ودفعهم لتحميلها مسؤولية هذه الأوضاع، ودفع الجميع بالتالي لمغادرة المدينة بسبب انتفاء سبل العيش فيها، وانعدام الخدمات الأساسية.
وقد وزّعت روسيا وقوات النظام السوري الأدوار بينهما، في إطار الحرب الدامية على المدينة. وفيما تولى النظام دك الأحياء الشرقية المحاصرة من المدينة بالطائرات والمدفعية والصواريخ، ركزت الطائرات الحربية الروسية غاراتها على ريف حلب ومحافظة إدلب، وسط تأكيد مصادر النظام بأن هذا القصف المكثف هو مقدمة لاقتحام المدينة بذريعة “إنقاذ الأهالي” من سيطرة المسلحين الذين يرغمونهم على البقاء في المدينة.
تدمير المشافي والبنى التحتية
وركزت حملة القصف في الأيام الأولى على المشافي والمراكز الطبية الى أن تم إخراجها جميعاً عن الخدمة، ما حرم مئات المصابين جراء القصف من تلقي العلاج. وجاء في بيان مديرية صحة حلب “بسبب هجمات النظام والقصف الروسي الممنهج، الذي استهدف أحياء مدينة حلب الشرقية، فإن جميع المشافي فيها توقفت عن العمل”.
وأكدت المديرية تعمُد روسيا والنظام استهداف البنى التحتية والمنشآت الحيوية للحيلولة دون تلقي المدنيين من نساء وأطفال ومُسنين ورجال المعالجة الطبية.
وقال ناشطون أن مشفى عمر بن عبد العزيز الواقع في حي المعادي بمدينة حلب خرج عن الخدمة بعد استهدافه الجمعة من قبل قوات النظام بقذائف المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، فيما قامت الطائرات الروسية قبل ذلك بتدمير ثلاث مشافٍ، بما فيها مستشفى البيان الذي يعد من أهم المشافي الجراحية في حلب، إضافة إلى مشفى الحكيم (الأطفال التخصصي) ومشفى الزهراء (النسائي)، ومشفى البيان (الجراحي)، ومشفى الدقاق، داخل أحياء حلب الشرقية المحاصرة، إلى جانب مشفى الدقاق ومشفى الأتارب بالريف الحلبي الغربي.
وبعد ذلك ركزت حملة القصف على تدمير ما تبقى من بنى تحتية في المدينة وريفها، وطالت في يومها السادس مراكز الدفاع المدني في حلب وريفها.
وذكرت معطيات محلية أن حملة القصف على حلب حصدت حتى يوم الأحد أرواح أكثر من 367 مدنياً بينما أصيب نحو ألف آخرين إضافة إلى عشرات المفقودين.
وأكدت المعطيات أنه جرى خلال الأسبوع الاول من الحملة استهداف 8 مراكز طبية، وأربع مشافٍ و6 مدارس وجامعة ومخبزين وإخراج 4 مراكز للدفاع المدني عن الخدمة، إضافة إلى تدمير 3 جمعيات إغاثية و3 مراكز خدمية، وأكثر من 500 منزل مأهول.
غاز الكلور
وخلال محاولاتها التقدم في المدينة استخدمت قوات النظام غاز الكلور عدة مرات ما أوقع قتلى وعشرات حالات الاختناق. وقد ألقت مروحية تابعة للنظام براميل متفجرة على حي الصاخور في شرقي المدينة ما تسبب في مقتل ستة مدنيين من عائلة واحدة هم أب وأم واطفالهما الأربعة، ووقوع نحو 25 حالة اختناق، كما تعرض الحي لقصف مدفعي وصاروخي أوقع مزيداً من الإصابات.
وتزامنت معاودة استخدام النظام لأسلحة مزودة بغازات سامة، مع قرار مجلس الأمن الدولي تمديد عمل اللجنة المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، للتحقيق في استخدام هذه الأسلحة في سورية لمدة عام كامل.
ودعا مجلس الأمن إلى ضرورة مساءلة المسؤولين عن أي استخدام للأسلحة الكيماوية من أشخاص أو كيانات أو جماعات أو حكومات، مطالباً الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بتقديم تقرير إلى المجلس كل 60 يوماً، بشأن التقدم المُحرز في تطبيق القرار.
محاولات تقدم
كما يتزامن القصف مع اشتباكات عنيفة بين فصائل المعارضة وقوات النظام التي تحاول اقتحام المدينة من عدة محاور خاصة من الشمال في جبهة العويجة وجبهة الشيخ نجار في الشرق التي أحزرت فيها قوات النظام بعض التقدم، قبل أن تتمكن قوات المعارضة من استرجاع ما خسرته وتكبيد القوات المهاجمة خسائر كبيرة.
وكانت قوات النظام أحرزت مساء السبت تقدماً على حساب فصائل المعارضة في محور الشيخ نجار، وسيطرت على تلة الزهور بشكل كامل، الواقعة بين منطقة الشيخ نجار وأحياء حلب الشرقية، والتي تُطل على منطقتي أرض حمرا ومساكن هنانو في حلب الشرقية.
كما تتواصل الاشتباكات على ثلاثة محاور أخرى من جهة حي الراشدين غربي المدينة حيث تسعى قوات النظام لاقتحامه، ومحور حي الشيخ سعيد من الجهة الجنوبية لحلب، حيث تحاول قوات النظام أيضاً التقدم في الحي، إضافة إلى محور حي بستان الباشا المجاور لمنطقتي الأشرفية والشيخ مقصود، إذ سيطرت قوات النظام قبل يومين على كتل من الأبنية في الحي، وما زالت الاشتباكات مستمرة على أطرافه.
وقالت فصائل المعارضة إنها تصدت لمحاولات التقدم المستمرة من جانب قوات النظام على هذه المحاور وألحقت بها خسائر كبيرة، مشيرة إلى أن المعارك تأخذ شكل الكر والفر ولا يوجد فيها تقدم ثابت لأي طرف. وذكر ناشطون أنّ عناصر من قوات النظام قتلوا خلال معارك على جبهة سوق الجبس غرب مدينة حلب، في حين أعلنت حركة نور الدين الزنكي قتل العديد من قوات النظام في حي الشيخ سعيد جنوب حلب.
من جهتها، قالت مواقع موالية للنظام إن الأخير وحلفاءَه استقدموا تعزيزات عسكرية كبيرة جداً وآليات محملة بصواريخ إلى مدينة حلب للمشاركة في العمليات الجارية حالياً على محاور احياء حلب الشرقية.
تدهور الوضع الإنساني
وعلى الصعيد الإنساني، تعيش مدينة حلب في أسوأ أوضاعها منذ اندلاع الثورة السورية حيث يضاعف القصف اليومي المكثف وتدمير البنى التحتية من محنة الحصار المفروض على المدينة منذ نحو ثلاثة أشهر ما أدى إلى انعدام سبل الحياة تقريباً حيث لا مشاف أو معدات طبية كافية، ولا مواد غذائية، ولا مساعدات.
وبينما حذرت إدارة الدفاع المدني السوري في محافظة حلب، من أن استمرار الحملة الجوية على المدينة وريفها ينذر بكارثة إنسانية كبيرة، قال عاملون في الإنقاذ بمدينة حلب إنهم لا يجدون أكفاناً لستر جثث القتلى الذين يسقطون جراء القصف اليومي المكثف.
من جانبه، حذر رئيس منظمة الدفاع المدني السوري رائد صالح من نفاذ المواد الغذائية والإمدادات الطبية في الجزء الشرقي من حلب بعد عشرين يوماً وربما أقل، الأمر الذي يُعرّض نحو 275 ألف شخص بينهم 100 ألف طفل لمجاعة جماعية.
وقال مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، “يان إيغلاند” إن السكان المحاصرين في الأحياء الشرقية في حلب يواجهون لحظة قاتمة جداً، بسبب غياب الإمدادات الغذائية والطبية في ظل اقتراب فصل الشتاء.
وتتواصل هذه الحرب المفتوحة على المدينة في ظل صمت دولي شبه مطبق قطعته إدانة خجولة من البيت الأبيض الاميركي و”قلق وصدمة” من الأمم المتحدة في حين حذرت منظمات دولية من عواقب تردي الوضع الإنساني، وهو من بين نقاط بحَثها في دمشق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مع وزير خارجية النظام وليد المعلم الذي رفض عقب اللقاء حديث المبعوث الدولي عن إدارة ذاتية ثلاثية في شرقي حلب.
كما تطال عمليات القصف مدينة إدلب وريفها حيث تسعى قوات النظام إلى محاولة فصل حلب عن إدلب ولو نارياً بهدف حرمانها من الإمدادات العسكرية والغذائية القادمة من إدلب.
وفي هذا الإطار، ذكرت صحيفة” إيزفيستيا” الروسية أن حزب الله اللبناني دفع بوحدات عسكرية إضافية مع عتادها الثقيل والخفيف إلى سورية، تمركزت في ضواحي حلب الغربية تمهيدًا للمشاركة في هجوم مرتقب على إدلب.
وفي ريف دمشق، أصدر فصيلا فيلق الرحمن وجيش الإسلام في الغوطة الشرقية بياناً أعلنا فيه عن وضع خطة من قبل الطرفين لحل الخلاف الحاصل بينهما وإنهائه بشكل كامل.
وأكد البيان تحريم الاقتتال الداخلي لأي سبب من الأسباب، والاتفاق على صون الجبهات ووضع كل الإمكانيات لأية جبهة تستدعي الحاجة للدفاع عنها، رد الحقوق من الطرفين خلال سقف زمني، وإقفال هذا الملف بالكامل.
يأتي ذلك في وقت تكثف قوات النظام من قصفها على مدن وبلدات الغوطة الشرقية، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى بالتزامن مع تصدي مقاتلي المعارضة لمحاولات قوات النظام التقدم خاصة على جبهة الميدعاني شرقي دوما.
صدى الشام