on
رواية “ساق البامبو” لـ سعود السنعوسي .. أقليات وصراع البحث عن هوية
رغم وافر التعب والظلم في الرواية إلا أنك تخرج منها بقلب حميمي دافىء، هي رواية تعيد إنتاج القلب على مهل بهدوء وعناية، بالضبط هي رواية تجعل قلبك عالمي الإحساس والتعاطف. تُدخلك عوالم متناقضة ومختلفة شاءت لها الظروف أن تلتقي في شخص واحد هو بطل الرواية. رغم أننا بعد قراءتها نكتشف أن كل شخصية فيها تمثل دور البطولة من وجهة نظر ما أو من واقع ما. عيسى الكويتي من أم فيليبينية جاءت لتعمل كخادمة عند أسرة كويتية أحَبها النجل الوحيد لهذه العائلة “راشد الطارووف” ورغم اختلاف راشد قليلاً من الناحية الفكرية عن باقي أفراد أسرته إلا أن الأهم في الكويت هو الصيت. وليحافظ راشد على صيت عائلته يترك زوجته ووحيده منها “عيسى” ليستمرا في رحلة مضنية هي بالنسبة للأم رحلة البحث عن أسباب الحياة. وبالنسبة لعيسى هي رحلة البحث عن هوية أو انتماء أو دين. إضافة لرحلته الأساسية في الحياة والبحث عن أسباب استمرارها.
لا يعرف “عيسى” بالضبط أهو مسلم أو مسيحي إذ يقول:
في أذني اليمنى صوت الأذان يرتفع، وفي أذني اليسرى قرع أجراس الكنائس. في أنفي رائحة بخور المعابد البوذية تستقر. انصرفتُ عن الأصوات والرائحة، والتفتُّ إلى نبضات قلبي المطمئنة فعرفت أن الله هنا.
وكلما فكر “عيسى” في تفاصيل شقاء حياته سواءً في مانيلا برفقة والدته تذكر أن هناك جنة تدعى الكويت سينتقل ليعيش فيها فيصبر على الشقاء أكثر، إلى أن انتقل إلى الكويت ليعرف أن والده قُتل في الحرب.
يدخل الكويت برفقة صديق قديم للعائلة يدعى غسان ليجد نفسه في عالم غريب ومختلف جداً عن عالمه في الفيليبين. رفضت جدته قدومه إلى بيتها وهو صغير، ورفضته أيضاً وهو كبير. هنا يبرز مؤشر عن حالة الموت الذي تعيشه العادات والتقاليد والقيم في الدول المتخلفة لكنها كانت تُخبىء له في قلبها حباً كبيراً لامتلاكه صوتاً يشبه صوت أبيه، ولأنه الرجل الوحيد الذي يحمل اسم عائلة الطاروف. لكن في الكويت الصيت أهم من المال لذلك وحفاظاً على صيت عائلة الطاروف عامَلتهُ جدته كشاب فيليبيني ورتبت له غرفة في ملحق البيت كالخدم. اكتشف عيسى أن له أختاً من أبيه اسمها “خولة” ليَسعَد الاثنان بهذا الاكتشاف. كانت خولة بمثابة المعجزة التي أنقذت عيسى من رفض جدته له، ويوماً بعد يوم أصبحت جدته ترِق له وتُظهر مودتها أكثر، لكن عيسى كان يشعر بالوحدة بسبب عدم اعتراف العائلة به، فلم يشاركوه بالأعياد ولم يخالطوه ولم يعرف ما دينه بسبب فكرة وصلت إليه بشكل خاطىء عن الإسلام والداعين له.
وأيضاً هو لم يَعتبر الكويت بلده لأنه لم يشعر بجو العائلة والأمان فيها، فعندما فُضحَ أمر العائلة بأن لها ابناً فيليبينياً وانتشر الخبر قرروا طرده من البلاد. بداية لم يقبل “عيسى” الأمر لكنه في النهاية خضع للواقع بسبب ما قالته له عمته عن تأثيره على سمعتها ومقامها عند عائلة زوجها.
رواية “ساق البامبو” هي عبارة عما كتبه “عيسى” عن حياته ورؤيته للحياة في الكويت والفيليبين. بشكل أو بآخر مع رواية ساق البامبو نعيش صراع أقليات وفئات خاصة بالمجتمع قصص صراع البحث عن هوية؛ صراع عمره مئات السنين مازال قائماً؛ مازال “البَدّون” في الكويت والأكراد في بقاع كثيرة من العالم وغيرهم فئات لها أحقيتها بالعيش حياة مستقرة تضمن لهم أمن الاستمرار والبقاء والحياة الكريمة.
رواية تقع في 396 صفحة من تأليف الكاتب سعود السنعوسي حصدت جائزة الدولة التشجيعية في الكويت عام 2012 والجائزة العالمية للرواية العربية عام 2013.
رواية بأسلوب سلس وراقٍ تقدم لقضايا كثيرة جداً وبالرغم من أنها ليست الرواية الأولى التي تعالج قضايا العمالة الأجنبية في الكويت وقضايا “البدّون” ومشكلات الاعتراف بهم أو التعامل معهم إلا أنها وبحق رواية إنسانية من الطراز الرفيع، كلما أنهيت قراءتها مرة جديدة تشعر أن لك قلباً جديداً قلباً أكثر دفئاً وحميمية.
ربما هي الآلام الإنسانية هكذا تعيد صياغة القلب والذات على مهل لتنتجه أكثر رهافة وإنسانية.
عند قراءة رواية ساق البامبو لن تحتاج لدراسة المفردات كجزء محدد من بنية الرواية ولا دراسة الصور والحبكة والحدث، ثمة تكامل سيدهشك كقارىء بداية لا تلبث أن تنساب بيسر وسهولة ضمن تفاصيل الرواية المليئة بالمشاعر المرهفة والآلام العظيمة والظلم الشامل.
صدى الشام