سوريّات يروين “علقم” الاعتقال في سجون الاسد


عاصم الزعبي

منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011 والمرأة السورية تتعرض لأشدّ أنواع انتهاكات حقوق الإنسان شيوعًا، ويعدّ الاعتقال، وفق تقارير محليّة ودوليّة، وما يتبعه من تعذيب وقتل في بعض الأحيان، من أبرز تلك الانتهاكات، فقد كانت مشاركة المرأة في التظاهرات السلمية منذ بدايتها، ومساعدتها في إسعاف الجرحى، وحتى العمل الإعلامي الذي كانت تقوم به، سببًا كافيًا -من وجهة الأجهزة الأمنية التابعة للنظام- لملاحقتها واعتقالها.

يتحمّل نظام الأسد، مسؤولية عدد كبير من الانتهاكات الجسيمة والممنهجة ضد النساء، ويحدث ذلك في ظل إستراتيجية عسكرية وأمنية متعمدة، تستهدف مجتمعات محليّة بأكملها، من خلال الاحتجاز التعسفي، في أوضاع بالغة القسوة، والتعذيب الممنهج المتبع في السجون.

عنف “اللحظة الأولى”

يبدأ العنف منذ اللحظة الأولى لدخول المعتقل إلى مركز الاحتجاز، كما تقول ندى محمد، ناشطة في مجال الإغاثة، وإسعاف الجرحى، التي تعرضت للاعتقال سابقًا ” بمجرد أن أدخلني العناصر إلى غرفة التحقيق، وقبل أن أُسأل أو أُستجوَب عن أي شيء، أمر المحقق السجان بإحضار الدولاب، وهو وسيلة معروفة للتعذيب، ووُضعت في منتصفه، بحيث كانت يداي وساقاي بارزتان منه، لقد كنت مثبتة تمامًا دون القدرة على الحركة، وبدأ السجان بضربي على مختلف أنحاء جسدي؛ حتى غبت عن الوعي، لأستيقظ بعد ذلك والسجان يرشني بالماء”.

إن مجرد عدم الاعتراف بما يريده المحقق، كفيل بنقل التعذيب إلى مستوى أعلى وأشدّ، كما تتابع ندى “لم أعترف بشيء خلال التحقيق، وبسبب ذلك تم اقتادني العناصر إلى غرفة ثانية، وهناك عُذّبت باستخدام الكهرباء؛ حتى أغمي علي، لقد وُصلت الكهرباء إلى أنحاء جسمي المختلفة، لقد تعرضت للتعذيب لأسبوعين متتاليين”.

نساء وفتيات عديدات تعرضن للاعتقال، وقابلت بعضهن، أكدن تعرضهن لأنماط مختلفة من التعذيب، ولكنها أنماط ممنهجة، يتبعها المحققون وعناصر الأمن؛ لإذلال النساء وإهانتهن، ويتعمد قسم من المحققين والعناصر تهديد المعتقلات بالاغتصاب تهديدًا مباشرًا أو غير مباشر، إضافة إلى التحرش، لفظيًا على الأقلّ، باستعمال كلمات فاحشة بحق هؤلاء النساء.

انتهاكات جديدة

باتت المرأة في سورية، ضحية أنماط جديدة من الانتهاكات نشأت بعد الثورة، وخاصة بعد أن دخلت الثورة مرحلة التسليح والعسكرة، وتحولت إلى صدامات مسلحة بين النظام، من جهة، وجماعات المعارضة المسلحة، والتنظيمات الإسلامية، من جهة أخرى.

فقد صارت المرأة السورية عرضة للاختطاف، من أجل أن تكون بمنزلة ورقة للمساومة بين الأطراف؛ من أجل تبادل الأسرى، ومن أجل الابتزاز المادي مقابل إطلاق سراحها، وحتى بعض “فصائل المعارضة” المسلحة استغلّت قضية الاعتقال؛ من أجل دعاية إعلامية لها، لتكون المرأة هي الضحية الوحيدة بين هؤلاء المتصارعين جميعًا، على حساب حريتها وكرامتها الإنسانية.

ياسمينة بنشي، ابنة اللاذقية، ناشطة حقوقية، تعرضت للاعتقال في الفرع 215، التابع للمخابرات العسكرية، وفي سجن عدرا المركزي، في الفترة التي أشيع فيها عن “اختطاف” راهبات معلولا من جبهة النصرة، تقول: ” خلال وجودنا في سجن عدرا، سمعنا عن طريق محطة (شام إف إم) أن جبهة النصرة (فتح الشام حاليًا) اختطفت راهبات معلولا، وأنهم يريدون مبادلتهن بألف معتقلة في سجون النظام، وهنا بدأت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام بحملة اعتقالات عشوائية من الشوارع، تحضيرًا للتبادل، وفي نهاية الأمر، وبسبب سير مفاوضات المبادلة، خرجنا، وكنا 23 معتقلة في ذلك التبادل، 13 من سجن عدرا، و9 من الفروع الأمنية، وأوصلنا إلى منطقة المصنع على الحدود السورية – اللبنانية، والتقينا بالراهبات في ذلك المكان، وخرجت -بعد ذلك- من سورية؛ خوفًا من الاعتقال مرة ثانية”.

شهادات عن الابتزاز

الاختطاف أيضًا كان أسلوبًا متبعًا من بعض ضباط جيش النظام، كما تقول فداء منصور، التي تعرضت للخطف من ضابط في جيش النظام في دمشق، ولم تتعرض لأي ضرب أو تعذيب؛ لأن غايته كانت الابتزاز المادي “اتصل الضابط بأحد أفراد أسرتي، وطلب مباشرة منهم مبلغ 600 ألف ليرة سورية، لقاء إطلاق سراحي، وخُفض المبلغ -لاحقًا- إلى 500 ألف ليرة سورية، وتم الاتفاق، وكان الموعد في إحدى مناطق دمشق، وفعلًا، بعد أن عدّ الضابط المبلغ تركني ورجعت إلى أسرتي”.

أما ريم العلي، خريجة جامعية، كانت معتقلة لدى المخابرات الجوية، فقد تعرضت لنوع آخر من الابتزاز والتهديد المبطن، فتقول: “لقد كنت ضحية لطرفي صراع، النظام من جهة، والمعارضة المسلحة من جهة أخرى، لقد أُفرج عني من المخابرات الجوية، دون أن أُحال إلى القضاء؛ لأنني لم أرتكب أي شيء -في الأصل- يستحق الاعتقال، وعندما عدت إلى منزل أهلي، جاء عناصر من أحد فصائل المعارضة المسلحة، وطلبوا من أهلي القول للناس بأنني أُخرجت من السجن عن طريق مبادلة نفذّها هذا الفصيل، مع أن المبادلة كانت لإخراج شقيق قائد هذا الفصيل، ولم يكتفوا بذلك، بل صرّحوا بذلك على أحد القنوات الفضائيّة، أي أنهم استخدموني لأكون مادة إعلامية ليس أكثر”.

الاعتقال بأنواعه هو العنوان العريض لطريقة من أهم الطرق التي لجأ إليها النظام السوري في قمع المظاهرات التي خرجت ضده، والذي لم يكن في يوم من الأيام مبنيًا على أسس قانونية، بحيث يكون الاعتقال بناءً على جريمة حقيقية مرتكبة.

النظام السوري، ينتهك القانون الدولي الإنساني الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما تُنتهك اتفاقية القضاء على أشكال التمييز كافة ضد المرأة (سيداو).

كما يتجاهل النظام حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص الخاضعين لسيطرته، أو المحتجزين لديه، ولا يمتثل لالتزاماته بموجب القانون الدولي الإنساني.




المصدر