on
على ترامب إخبار الديكتاتور السوري: أنت مطرود
أنس عيسى
سيكون الرئيس المتتخب محقًّا في تفكيك إرث أوباما البائس، طالما أنّه لا يثق ببوتين
وجّه آية الله أحمد خاتمي، خلال صلاة الجمعة، تحذيرًا صارمًا لدونالد ترامب: لا تدس على ذنب الأسد الإيراني. لم يقصد رجل الدين القيام بذلك على طريقة ديفيد أتينبورو، ولكنّه بالأحرى كان يخبر قائد الولايات المتّحدة بألّا يتلاعب بالاتفاق النووي الإيراني- والذي غالبًا ما قام ترامب بوصفه كـ “أسوأ اتّفاق على الإطلاق”- لأنّ طهران جاهزة للتحوّل إلى لعب دور شرير، بل حتّى شريرٍ جدًّا.
حسنًا، كان من الحكمة أن يقوم آية الله بتقوية نفسه؛ فرئاسة ترامب على وشك أن تقلب الشرق الأوسط رأسًا على عقب، حيث سيكون مصير الاتّفاق الذي يكبح برنامج إيران النووي إمّا التمزيق أو التجزيء، وذلك على الرغم من الإشادة به، السنة الماضية، كانتصار لفن الإدارة السياسيّة في الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبّي. إن لم تقبل السلطات الإيرانيّة تقديم المزيد من التنازلات، سيقوم ترامب بوسم إيران بالبلد “المثير للحروب”، وسيقوم بزيادة الضغط عليه. كان ذلك الاتّفاق، بحسب اعتقاده، اتّفاقًا معيبًا ناجم عن رغبة إدارة أوباما اليائسة في ادّعاء ترك إرث إيجابي لسياستها الخارجيّة، ويوضّح كتابه “فن التعامل” ما يعتقده عن هذا النوع من المفاوضات: “إنّ أسوأ ما يمكن فعله في اتّفاق هو الظهور بمظهر اليائس من عقده؛ هذا سيجعل الشخص الآخر يشتمّ رائحة الدم، وعندها ستكون في عداد الموتى.”
كما يقول إنّه قد تمّ خداع الولايات المتّحدة لترفع العقوبات بينما كانت إيران تجهّز نفسها بهدوء للحظة التي سيتمّ فيها رفع القيود التي تضعها الاتّفاقيّة، لتسارع باتّجاه تصنيع القنبلة النوويّة. لقد وقّعت عديد من الأطراف على الاتّفاقيّة، بمن فيهم بريطانيا، وشركاء آخرون في الاتّحاد الأوروبّي وروسيا والصين؛ لذلك لن يكون من السهل إبطالها، ولكنّه إن لم يكن قادرًا إثبات حقيقة خداع إيران، فسيجد طرقًا أخرى للضغط على طهران.
إنّ هذه المقاربة –والتي تتلخّص في إيجاد مكامن الضعف فيها، ومن ثمّ الضغط عليها لكسرها كما نفعل مع محارة عنيدة- تحمل سمة مهنته في التجارة، حيث يحاول ترامب تطبيق التقنيّة نفسها في السلك الدبلوماسي، لكن إيران لا تشكّل إلّا النصف من تلك المقاربة، حيث أنّه من المرجّح أن يتخلّص بشار الأسد، الديكتاتور السوري القاتل، من وضعه كمنبوذ لأنّ ترامب لا يثق في المعارضة السوريّة، وكما تعتبر عمليّة إعادة تأهيل بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي تمّ تحييده في ظلّ إدارة أوباما، في طريقها للحدوث، وكما أنّ رئيس مصر السيسي سيسجّل عودته بعد أنّ تمّ ازدراؤه من فريق أوباما، ولكنّه يعتبر مهمًّا جدًّا في قتال الجماعات الإرهابيّة في سيناء. ولكن من هو أكثر الشركاء المتعاونين في محاربة الإرهاب؟ الرئيس بوتين، فطيّاروه الذين كانوا، بالأمس، على رأس عملهم مرّة أخرى فوق الجزء الشرقي من مدينة حلب، قاصفين لمستشفى وخالطين كالعادة بين الأطفال ذوي السبع سنوات والمتوجّهين إلى طابور الخبز وأولئك المتقاعدين ذوي الشعر الرمادي من جهة، وبين الجهاديّين المشتبه بهم من جهة أخرى. الأمر المشترك بين جميع أولئك اللاعبين، كما تتم رؤيتهم من برج ترامب، هو استعدادهم لمشاركة الولايات المتّحدة في عبئها لمقاتلة الإرهاب.
لم تفشل إدارة أوباما في استخدام كل القدرات الأميركيّة ضدّ الدولة الإسلاميّة وفروع القاعدة فحسب، وإنّما فشلت في حشد الدعم الضروري من الحلفاء المفترضين؛ لذلك فإنّه يتم إعداد سياسة الشرق الأوسط الترامبية، بشكلٍ واسع، لتكون تصحيحيّة لتفكير “الأمل بالتغيير” الخاص بالرئيس المنتهية ولايته.
تمتلك الاستراتيجيّة التي يتمّ حبكها، ثلاثة مكوّنات:
أوّلًا: يجب أن يكون هناك تعاون ملموس مع روسيا، ويجب أن يتم استعمال قوّتها الجويّة بشكل فعّال أكبر في الجهد الكلّي الهادف إلى سحق حصن الدولة الإسلاميّة في الرقّة في سورية. لقد بدأت روسيا في عرض قضيّتها على فريق ترامب: كلّما ضعف الأسد كلّما ازداد نمو إيران كقوّة إقليميّة، ويُعدّ امتدادها واضحًا مسبقًا، وذلك بوجود ضبّاط الحرس الثوري، وبدعمها لميليشيّات حزب الله اللبناني.
ثانيًا: سيحاول نتنياهو –والذي من المنتظر أن يكون في عداد أوّل الزائرين الأجانب للبيت الأبيض بعد الانتهاء من تقلّد الحكم- إقناع الرئيس الجديد بأنّ القضيّة الفلسطينيّة ثانويّة لمشكلة الامتداد العسكري الإيراني. ويبدو أنّ دول الخليج توافق على ذلك الأمر، وهنالك أيضًا مصر، والتي على الرغم من كونها دولة بوليسيّة، ولكنّها قوّة استقرار في الشرق الأوسط.
هل سيؤدّي ذلك إلى تشكيل رؤية منسجمة، أو بالأحرى إلى إعادة التوازن بعيدًا عن إيران؟ سيشكّل ذلك الأمر نهجًا فعّالًا لمجموعة معقّدة من الأزمات المتشابكة، ولكنّه ليس تبسيطيًّا بشكل كامل. لقد قام نهج أوباما، في نهاية الأمر، بجعل جميع الأمور، وإلى حدّ كبير، تسير باتّجاه الأسوأ: فقد فاقم الحروب، وتنازل عن النفوذ الأميركي، كما جعل إسرائيل تشعر بقلّة الأمان، كما أنّه قد تمّت المبالغة في الاتّفاق مع إيران؛ ففي أفضل حالاته كان ذلك الاتّفاق عبارة عن الفرق بين حصول إيران على المواد الانشطارية لصنع قنبلة في غضون عدّة أشهر، وبين جعل تلك المدّة عدّة سنوات، لقد كان من شبه المؤّكد أن يصبح ذلك الاتّفاق ميثاق الغشاشين.
لكنّ الولايات المتّحدة تحتاج إلى أن تعيد بناء الثقة المتبادلة مع شركائها الأمنيّين، ومن غير الواضح فيما إذا كان الرئيس ترامب يمتلك الصبر الكافي لذلك. كما أنّ لاصطفافاته الجديدة أثمان باهظة، وقد يكون فريق ترامب معتمدًا على نأي روسيا بنفسها عن إيران، وهنالك إشارات مسبقة عن كون تلك العلاقة غير مريحة في سورية. وفي المقابل، لن يكتفي بوتين بالحصول على ضمان بقاء الأسد في منصبه فقط (و الذي يعني بدوره تخلّي الولايات المتّحدة عن آمالها في تحويل الثوّار المعتدلين إلى معارضة منسجمة ومتماسكة)، بل إنّه يريد، أيضًا، اعترافًا أوسع بامتلاك روسيا لفضاءات شرعيّة من المصالح في أوكرانيا.
إن المنطقة في حالة تقلّب متواصل، ومن المحق، بكلّ تأكيد، للرئيس المستقبلي أن يلتزم بالخطوط العريضة للسياسة: تقوية الإرادة السياسية لهزيمة الدولة الإسلاميّة في العراق والشام، ووضع نهاية للمغامرة العسكريّة الإيرانيّة. لكن من الخطأ بناء استراتيجيّة على أساس الثقة ببوتين؛ ترامب يفهم لغة الأرقام، وهناك رقم واحد مهم في الشرق الأوسط: ال 400.000 شخص الذين تمّ قتلهم في سورية خلال السنوات الخمس الماضية، وإن كان يودّ أن يكسب التشجيع كرئيس، فما عليه إلّا أن يقاوم إغراءات الكريملين، وأن يخبر دميته الديكتاتور: “بشار الأسد”، أنت مطرود!
اسم المقالة الأصلي | Trump must tell Syria’s dictator: You’re fired |
الكاتب* | روجر بوييس -Roger Boyes |
مكان النشر وتاريخه | The Times 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2016 |
رابط المقالة | http://www.thetimes.co.uk/edition/comment/trump-must-tell-syrias-dictator-youre-fired-df6z55w6h |
المترجم | أنس عيسى |
المصدر