on
عن اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة وواقع السوريات
آلاء عوض
تعرّضت المرأة بسبب جنسها لكثير من الاضطهاد، وكانت هدفًا للجماعات المُتمرّدة الهدّامة، ولقوى الشر والبغي، ومُورس العنف عليها منذ الأزل، فدُفنت حيّة، واستُعبدت، وضُربت، وحرمت من حقوقٍ إنسانية محضة، وعبر العصور، تلوّن هذا العنف، ولبس أثوابًا مختلفة، فكان القوة التدميرية التي تقف في وجه حركة البناء التاريخي، والإنتاج السليم لأُطر الحياة، وفرض قانون الطبيعة (القوي يحكم الضعيف)، سلسلة متوازية من تكريس هذا العنف والتسلّط، وكانت المرأة العنصر الأوهن في هذه المعادلة.
عبر التاريخ، ظهرت حركات عديدة تناقش وضع المرأة وتحاول إيجاد حلول لمشكلاتها التمييزية، ومنها إعلان يوم لمناهضة العنف ضد المرأة، حيث قامت مجموعة من الناشطات النسويّات، بإعلان الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر، من كل عام يومًا للقضاء على العنف ضد المرأة، على خلفية اغتيال الأخوات ميرابال عام 1960، في جمهورية الدومنيكان، حيث قتلن، وهن شقيقات ثلاث، على أيدي مجهولين، وبتوجيه حكومي، في الخامس والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1960، في عهد الدكتاتور رافاييل تروخيلو.
وفي عام 1999، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يقضي باعتماد هذا اليوم لمناهضة كل أنواع العنف ضد النساء، كما دعت مجموعة من الأجهزة الدولية، والمؤسسات غير الحكومية لتنظيم نشاط ترفع من وعي الناس حول حجم المشكلة، والأزمات التي تعاني منها النساء حول العالم، ومنها الاغتصاب والعنف المنزلي وخِتان الإناث.
ولأن هذا اليوم يوم دولي، وذو أهمية بالغة، كان لا بد من تسليط الضوء على واقع المرأة السورية التي كانت -ولا زالت- تتعرض لأعتى درجات العنف، ومن جهات متعددة، وبحسب استطلاع رأي محدود، أجرته (جيرون)، حول معرفة النساء السوريات بهذا اليوم، ومعناه، تبيّن أن قسمًا كبيرًا منهن لسن على دراية به، وغير مُلمّات بأي معلومة عنه، كيوم احتفالي، يقدّس إنسانيتهن ويطالب بفكاكهن من الظلم.
السوريات والعنف
تعتقد سماح هدايا، وهي وزيرة الثقافة السابقة في الحكومة السورية الموقتة، أن العنف ضد المرأة نتيجة تلقائية للأمراض المجتمعية، وقالت لـ (جيرون): “يعاني المجتمع السوري من التأخّر العلمي والمعرفي، وتغيب عنه الديمقراطية، والتعريف الواضح للحقوق والحريات، ولا يحكمه قانون مُنصف حازم، ومأزوم بحب السلطة، وتهيمن على بنيته الفكرية العادات والتقاليد التي تنتقص من شأن المرأة، وتستمدّ بعض الأفكار المغلوطة من الدين، الذي يتذرّع به بعضهم؛ للقول بأن المرأة كائن ناقص، أو يمثل شيئًا من العار والغواية والشر، وبالتالي؛ يكون الحكم على المرأة بأنها كائن قاصر، وغير قادر على تحمّل أعباء الحياة الاقتصادية والسياسية، وهذه العوامل -بالمحصّلة- ستؤدي حتمًا إلى نشأة نوع متطور من العنف، إذن؛ المرأة السورية كانت معنّفة قبل الثورة، وبالطبع ازداد العنف عليها بعد الثورة، وكانت أشكاله أشدّ، ولا سيما أن النظام تعاملَ مع المرأة تعاملًا وحشيًا وغوغائيًا، فراكم من هذا العنف، وتفنن في طرائقه”.
في ظل هذا الواقع الفوضوي، لا تكون هناك حلول جذرية، وإنما بالإمكان وضع خطط، ومقدّمات تمهيدية تربوية، والعمل عليها، بهذا المعنى، قالت هدايا: “لا يمكننا -في الوقت الحالي- خلق جو طبيعي للحدّ من العنف ضد المرأة السورية؛ لأنه -في الأصل- لا يوجد مجتمع آمن وديمقراطي؛ وحتى الحراك الذي تقوم به المنظمات النسوية التي تنشط في الداخل السوري، أو في بعض بلدان الجوار، من ورشات رعاية نفسية، وإعادة تأهيل النساء، هو حراك سطحي ومجزوء وضحل، لأنه لا يمكن القيام بهذا الحراك دون بنية تحتية، وعمل مؤسساتي متكامل، يضع في برامجه منع العنف ضد المرأة، في سلك القضاء، وفي قطاع التعليم، وفي التعاليم الدينية، والأدبيات الثقافية (كالسينما، الروايات والمسرح)، وهذا كله غير موجود، وإن وُجد ففرديًا، وعبر ممارسات صغيرة؛ فالأنظمة الاستبدادية تقتل إنسانية الإنسان، وتستخدم كل آليات الطغيان؛ لكي تخلق المفسدة والعبودية، وهذا حالنا بعد حكم شمولي دام طويلًا، وبالتالي؛ لا نستطيع في أيام، وعبر حالات ضيقة، وبممارسات فردية، ومنظمات عابرة، لها أجندات أخرى، أن نقوم بهذا النشاط قيامًا صحيحًا وبنيويًا”.
ممارسات مغلوطة
في سياق آخر، لا يمكننا إنكار ممارسة الخطأ التي صدرت وتصدر عن بعض النساء السوريات الناشطات والعاملات في الحقل السياسي، والناتجة عن قلة الوعي، وفي هذا المعنى، أكدّت هدايا: “هناك إرث اجتماعي مغلوط في العادات والتقاليد، ناتج عن قراءة غير صحيحة لتاريخنا، وبعض الناشطات النسويات لم يُحسنّ التصرف، فجهرن بعدائهن للدين، أو العكس، دون إدراكهنّ لتبعات هذا الموقف، المجتمع السوري اليوم -بجميع أطيافه- يعاني من مشكلة في الفكر الديني واللا ديني، من يمثل الدين ومن يحاربه؟ وعينا الذاتي بأنفسنا، ووعينا التاريخي ضعيف وهزيل، ولا يحتمل هذا الكم من المُصارحة والمُكاشفة”.
خلاصة القول، العنف ضد المرأة ليس أمرًا عابرًا، هو أزمة إنسانية تُهدّد المجتمعات، وتجعلها آيلة لكل أنواع الانحدار النفسي والخلقي والاجتماعي، ولا يمكننا حصره بالمجتمعات العربية، فالدول الغربية لا تزال -إلى اليوم- تعاني من رواسب هذا العنف، ولم تتخلّص منه تخلصًا كاملًا.
لا توجد حلول ولا مراهم علاجية سحرية للقضاء على العنف ضد المرأة، إنه دورة حياة كاملة، تتطلّب من جميع فئات المجتمع التمهيد لبناء جيل يحترم المرأة، وشيخ لا يُحرّض على ضربها، وكتاب يُذكرّ بنجاحاتها عبر التاريخ، وتطبيق كل هذا مرهون بنضوج فكري وعلمي وديني، ولا ينبغي أن تكون هذه الاحتفالية الضخمة والدولية رمزية وخالية من المغزى، بل ينبغي أن تكون اتجاهًا عامًا، تُسهم فيه جميع المؤسسات الثقافية والسياسية والاجتماعية في إعادة صوغ واقع المرأة وبناء مستقبلها.
المصدر