النظام السوري ينشئ مليشيا بدل جيشه… ويبدأ اقتحام حلب


صعّد النظام السوري مدعوماً بالمليشيات هجومه على القسم المحاصر من حلب الشرقية أمس الثلاثاء، ما ينذر بمخطط جديد لاقتحام المنطقة، التي تضم نحو 350 ألف مدني. ومع اعتماد النظام بشكل كبير على المليشيات في حربه، فإنه اقترب أمس من تصفية جيشه بشكل رسمي، مع إعلانه تأسيس مليشيا تحت مسمّى “الفوج الخامس في الجيش العربي السوري”، وذلك تحت حجة “محاربة الإرهاب”. ومع هذا التصعيد العسكري، تواصل روسيا، تبرير حرب النظام ضد المدنيين، محمّلة المعارضة تارة والمجتمع الدولي تارة أخرى مسؤولية توقّف العملية السياسية، وهو ما كرره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، متهماً المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بـ”تقويض” محادثات السلام. وقال لافروف كما نقلت عنه وكالة الأنباء الروسية، إن “الأمم المتحدة بشخص مبعوثها دي ميستورا تقوّض منذ أكثر من ستة أشهر قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي يطلب تنظيم محادثات سلام شاملة بين الأطراف السورية من دون شروط مسبقة”. وأضاف خلال زيارة إلى مينسك في بيلاروسيا، أن “ليس على الأرجح أمام المعارضين الوطنيين والحكومة السورية من خيار سوى أخذ زمام المبادرة بأنفسهم وتنظيم حوار سوري-سوري”.

في المقابل، نقلت وكالة “نوفوستي” الروسية عن مصدر في الخارجية الروسية أن مساعد المبعوث الأممي الخاص إلى سورية للشؤون الإنسانية، يان إيغلاند، “يشوه الحقائق بقوله إن تنفيذ الخطة الأممية في حلب يعتمد على موسكو ودمشق”، مشدداً على ضرورة “الحصول على موافقة واضحة من قبل المجلس المحلي على التعاون مع الأمم المتحدة في تنفيذ خطتها” قبل توجيه مطالبات للسلطات الروسية والسورية. يأتي ذلك في ما كان رئيس النظام بشار الأسد، يستقبل أمس نائب رئيس الوزراء الروسي دميتري روغوزن، ويشيد بـ”أهمية الدعم الروسي لسورية في مختلف المجالات”.

هذه التصريحات جاءت مع شن قوات النظام السوري مدعومة بمليشيات أجنبية منذ صباح أمس هجوماً هو الأعنف من نوعه على القسم المحاصر من حلب الشرقية بهدف اقتحامه عبر تسعة محاور، وذلك بالتزامن مع تكثيف القصف المدفعي وقصف الطيران الحربي الروسي وطيران النظام على الأحياء المحاصرة. وتمكّنت قوات النظام من التقدّم والسيطرة على عدد من الأبنية في أطراف حي مساكن هنانو شرقي حلب في محاولة لاقتحام المنطقة الشرقية والشمالية من حلب المحاصرة على جبهات كل من مساكن هنانو وعويجة، بالإضافة إلى محاولة اقتحامها من جبهة الشيخ سعيد جنوب المدينة. إلا أن معظم المحاور التي يحاول النظام التقدّم منها لا تزال صامدة على الرغم من ارتفاع وتيرة الاشتباكات مساء أمس.

إعطاء الروس الضوء الأخضر للنظام ومساعدته على اقتحام القسم الشرقي المحاصر من حلب، يثير مخاوف من كوارث غير محسوبة العواقب، على رأسها تقديم غطاء لقوات معظمها من المليشيات لاقتحام منطقة محاصرة تضم أكثر من 350 ألف مدني وما قد يترتب عن هذا الاقتحام من مجازر كارثية في حال نجحت هذه المليشيات بالدخول إلى داخل الأحياء المحاصرة، بالإضافة ما قد يترتب من سيطرة الفصائل ذات التبعية الإيرانية على مدينة مهمة كحلب وتحقيق انتصار فيها. ومع بداية محاولة التقدم باتجاه أحياء حلب الشرقية، كان النظام يعلن عزمه إنشاء مليشيا جديدة تحت مسمّى “الفوج الخامس في الجيش العربي السوري”، وذلك للراغبين في المشاركة بعمليات الاقتحام لـ”إعادة الأمن والاستقرار” إلى كامل الأراضي السورية. وجاء ذلك في ظل وقوع خسائر كبيرة تتعرض لها قوات النظام والمليشيات التابعة لها في المعارك العنيفة مع المعارضة السورية المسلحة، خصوصاً في حلب وريفها. واعترفت إيران أمس بمقتل ألف من مقاتليها في سورية، إذ قال رئيس “مؤسسة الشهيد وشؤون المحاربين القدامى” محمد علي شهيدي محلاتي إن عدد قتلى بلاده في سورية ممن سماهم بـ”مدافعي الحرم”، والمقصود به مرقد السيدة زينب، تجاوز الألف شخص.

أما “القيادة العامة” لجيش النظام فكانت تعلن في بيان نقلته وكالة “سانا”، “تشكيل الفيلق الخامس اقتحام، من المتطوعين للقضاء على الإرهاب إلى جانب باقي تشكيلات قواتنا المسلحة والقوات الرديفة والحليفة لإعادة الأمن والاستقرار إلى كامل أراضي الجمهورية العربية السورية”. ودعت “جميع المواطنين الراغبين بالمشاركة في إنجاز الانتصار النهائي على الإرهاب إلى مراجعة مراكز الاستقبال في المحافظات”. ولفتت إلى أن المتطوعين سيتقاضون رواتب وتعويضات مادية ومزايا ورتباً عسكرية.

ورأى مراقبون أن هذه الخطوة تهيئ لإنشاء مليشيا جديدة تحت مسمى “الجيش العربي السوري”، وتسميته فيلقاً نوع من التضخيم، لأن الفيلق جيش مكون من ألوية متكاملة كالمشاة والمدرعات وغيرها من الاختصاصات، ولا تقتصر على اختصاص الاقتحام.
وفي التطورات الميدانية، أكّد المتحدث باسم الدفاع المدني في حلب إبراهيم أبو الليث، لـ”العربي الجديد”، أن وتيرة القصف الروسي ارتفعت يوم أمس وشملت معظم مناطق حلب الشرقية، حيث وقع قتلى وجرحى، لكن لم ترد حصيلة مؤكدة.

وقال المحلل العسكري العميد أحمد رحال في حديث لـ”العربي الجديد”، إن تقدّم النظام ضمن مناطق حلب الشرقية المحاصرة هو أمر متوقع في ظل الإمدادات الكبيرة التي استقدمها النظام، وفي ظل تغوّل الطيران الروسي وطيران النظام، وفي ظل رجم الصواريخ، الأمر الذي أنهك الحاضنة الشعبية في حلب من جراء هذا القصف، إلا أن هذا لا يعني أن يستقر الوضع فحرب المدن هي دائماً مقبرة الجيوش. وأوضح رحال أن النظام يتحدث عن تحرك عبر تسعة محاور، وهو يعتمد على الحرب الإعلامية أكثر من الحرب العسكرية على الأرض، مشيراً إلى أن النظام يحاول توجيه ضربات قاسية للمدنيين كي يرعب الناس لأنه يدرك أن عملية دخول حلب عملية صعبة وأن قناصاً واحداً يمكن أن يوقف رتلاً كاملاً. وأشار إلى أن الأهم من هذا كله أن روسيا الآن أمام اختبار صعب بسماحها تسليم مدينة حلب للمليشيات، لأن الذي يقاتل هناك هي فصائل حزب الله اللبناني، والنجباء العراقية وفيلق القدس والفاطميون والحرس الثوري وغيرهم، مضيفاً: “إذا فرضنا أنه تمت السيطرة على المدينة، فلا ضمانات على السيطرة الكاملة على الأحياء، كما أنه ما من ضمانات لعدم حدوث مذبحة بحق 350 ألف مدني يقطنون في القسم المحاصر، لذلك هناك الكثير من الحسابات التي على الروس أخذها بعين الاعتبار قبل السماح بسيطرة النظام على مدينة حلب”. وأوضح رحال أن فصائل المعارضة لا تمتلك حالياً سوى المقاومة والدفاع، فهي بلا تسليح كونها محاصرة وهناك حزام يفصلها عن إيصال أي دعم خارجي، كما أن المعارضة السياسية لا تمتلك وسائل سياسية حقيقية لأن المناشدات والمطالبات لا تجدي نفعاً.

وبالتزامن مع محاولة اقتحام القسم الشرقي من حلب، كثّف طيران النظام والطيران الروسي من غاراتهما على قرى وبلدات محافظة إدلب والجزء الخاضع لسيطرة المعارضة من ريف حماة، إذ ارتكب الطيران الروسي مجزرة أودت بحياة تسعة مدنيين بالإضافة إلى عشرات الجرحى في مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي. كما أفاد الناشط جابر أبو محمد من ريف إدلب لـ”العربي الجديد”، عن مقتل مدنيين اثنين وجرح خمسة آخرين إثر استهداف الطيران الحربي الروسي بغارات عدة الأحياء السكنية في مدينة بنش في ريف إدلب الشرقي.
وفي الشأن ذاته، قال مصدر في الدفاع المدني في إدلب لـ”العربي الجديد”، إن الطيران الحربي الروسي شنّ غارتين مستهدفاً الأحياء السكنية في مدينة معرة مصرين في ريف إدلب، ما أدى إلى إصابة خمسة مدنيين بينهم نساء وأطفال، بالتزامن مع غارات بالقنابل الفراغية على بلدتي الهبيط والشيخ مصطفى في ريف إدلب الجنوبي ونتج عنها إصابة شاب وطفلتين. كما جددت قوات النظام ظهر أمس استهداف حي الوعر المحاصر في مدينة حمص بالأسطوانات المتفجرة وقذائف المدفعية، موقعة جرحى وأضراراً مادية.

وفي ريف حلب الشمالي، قالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، إنّ اشتباكات عنيفة وقعت منذ صباح أمس في شرق مدينة الباب وغرب مدينة منبج بين الجيش السوري الحر و”قوات سورية الديمقراطية”. وتركزت المعارك في محاور الشعيب وحمران، من دون أن ترد أنباء عن نتائج تلك الاشتباكات. وفي محافظة الرقة تجددت المعارك بين “قوات سورية الديمقراطية” ومقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في محيط قرية تل السمن في ريف الرقة الشمالي، حيث يشن التنظيم هجوماً معاكساً في محاولة لاستعادة السيطرة على القرية.
من جهة أخرى، ذكر قائد عسكري في فرقة السلطان مراد لـ”العربي الجديد”، أن الجيش السوري الحر استعاد السيطرة على بلدة قباسين في شمال شرق مدينة الباب بريف حلب الشرقي بعد معارك عنيفة مع تنظيم “داعش”.

فيما ذكر مصدر عسكري لـ”العربي الجديد” أنّ الطيران الحربي التركي استهدف مواقع لتنظيم “داعش” في المنطقة الصناعية في مدينة الباب بريف حلب الشرقي ومنطقة السرايا ومناطق أخرى في محيط المدينة من الجهة الشمالية. وفي سياق متّصل، أعلنت رئاسة هيئة الأركان التركية، أن وحدات الجيش استهدفت 93 موقعاً لتنظيم “داعش” في شمالي سورية، ما أدى إلى تدمير مخابئ، ومواقع دفاعية ومراكز قيادة وأسلحة وعربات تابعة للتنظيم، وذلك في إطار عملياتها العسكرية الداعمة للجيش الحر.

تركيا التي تسعى لتحرير مدينة الباب من “داعش”، ستتجه لاحقاً إلى مدينة منبج الواقعة تحت سيطرة قوات “الاتحاد الديمقراطي”، كما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له أمس. وقال أردوغان إن غرفة عمليات “درع الفرات” التي تدعمها القوات التركية في شمال حلب ستتجه بعد الانتهاء من السيطرة على مدينة الباب إلى مدينة منبج، مشدداً على أن أنقرة لن تمتنع عن فعل أي شيء لتحقيق أمنها في مواجهة التهديدات الإرهابية القادمة من كل من سورية والعراق. جاء ذلك في ما كان القضاء التركي، يصدر قراراً بإلقاء القبض على 48 من قيادات حزب “العمال الكردستاني” وجناحه السوري حزب “الاتحاد الديمقراطي”، من بينهم رئيس “الاتحاد” صالح مسلّم.



صدى الشام