بعد أن أصبح كالوباء..الفساد في مؤسسات النظام يتمتع بامتيازات
24 نوفمبر، 2016
عندما تتبع “دورة الحياة” في مؤسسات حكومة النظام فإن أول سؤال يخطر ببالك هو: هل تعلّم النظام شيئاً من السنوات الماضية؟ هل أدرك ضرورة التغيير في إدارته لمؤسساته – ولو بحدوده الدنيا- أقلُهُ ذراً للرماد في عيون مؤيديه، أم أنه ما زال يتعامل مع الأمر بنفس الأسلوب المتراوح بين الإنكار والإجراءات الشكلية؟ الإجابة يحملها واقع يزداد تردياً ليثبت أن الفساد ليس مرضاً مكتسباً يصيب جسد النظام بل هو جزء من بنيته.
اعتراف من رأس الهرم لدى حكومة نظام الأسد ممثلاً بـ عماد خميس بوجود فساد..طبعاً هذا الاعتراف ليس بجديد فهو امتداد لتصريحات حكومية سابقة، ولكنه يعتبر مؤشراً على أن الفساد يتوسع ويتمدد ويتجذر أكثر رغم آلاف الوعود السابقة بمكافحته والحد منه.
تصريحات رنانة يطلقها المسؤولون والوزراء كل يوم عن مكافحة الفساد وتشكيل لجان لضبط الإنفاق والهدر كما هو حال عدد من الوزارات بدءاً من المالية التي شابها قضايا فساد ضخمة وبمليارات الليرات وصولاً إلى وزارة العدل فالصناعة فوزارة الاقتصاد التي أكدت أن الفساد يشكل 30% من تكاليف الإنتاج المحلي.. وطبعاً لم يأتِ التحرك الحكومي هنا من فراغ، بل جاء بناء على آلاف التقارير التي تتحدث بشكل يومي عن فساد يشوب أروقة مؤسسات هذه الوزارات ومفاصل عملها.
رئيس حكومة النظام السابق وائل الحلقي ذكر في أحد التصريحات أن عدد ملفات الفساد بلغ 1237 ملفاً لا تقتصر فقط على الفساد المالي وإنما مختلف أشكال الفساد..طبعاً هذا الرقم يُعبر عن الفساد المكشوف، “وما خفي كان أعظم” فلا يزال الفساد يسري في معظم المفاصل والدوائر بل وبات محمياً من بعض المتنفذين وفوق القانون أيضاً، وإليكم بعض هذه الوقائع.
قصص وروايات ومافيات
من أهم مظاهر الفساد التي شهدتها المفاصل الحكومية مؤخراً الإقالات التي طالت عدد كبيراً من المدراء المركزيين والمسؤولين الفرعيين في المحافظات، فهذه الإقالات لا تعبر عن كون هؤلاء فاسدين بحكمهم، ولكنها فتحت المقايضات والمزادات لاستلام هذه المناصب الشاغرة، وهو ما حدث في حماة وتحديداً مع إقالة رئيس شعبة تموين الغاب، حيث أكد مصدر خاص لـ”صدى الشام” أنه وبعد إعفاء رئيس الشعبة المذكور حدثت فوضى كبيرة في المحافظة سببها التنافس على المنصب الشاغر، فقد بدأ التنافس من قبل معاونيه الثلاثة والمشهورين بـ”مافيات الكازيات والمخابز” ووصل المزاد على المنصب إلى 25 مليون ليرة، والأغرب من ذلك أن إقالة رئيس الشعبة جاء على خلفية تقارير مأجورة، حيث أكد المصدر، أنه وبعد أن قام رئيس شعبة التموين المقال بتنظيم ضبط بحق أحد مافيات الوقود في المنطقة توعد صاحب المحطة بإقالة رئيس الشعبة وقال أمام الحاضرين: “يا أنا يا رئيس شعبة التموين حتى لو كلفني ذلك 5 ملايين ليرة”، وفعلاً نال ما طلب وأقيل رئيس الشعبة وبدأت المقايضات والمزادات على هذا المنصب..وتم تكليف شخص مقرب من أصحاب محطات الوقود والمخابز.
المصدر أكد أيضاً أن هناك شخص يدعى “ر .ع” وهو عضو في المكتب التنفيذي بمحافظة حماة، يعتبر من أشد الفاسدين في تلك المنطقة، حيث قام ببيع أراضي الدولة إلى التجار بسعر 200 ألف ليرة للمتر المربع، في حين أن تخمينها لم يتجاوز 5 آلاف ليرة، وتم سجن بعض المتعاونين معه إلا أن هذا العضو لم تطلهُ المحاسبة، كما قام بتسهيل إصدار تراخيص محطات وقود غير مطابقة للشروط مقابل 700 ألف ليرة رشوة له فقط، كمحطة وقود “نبع الطيب” والتي تم إنشاؤها في الحراج، كما ساهم بإنجاح 12 اسماً في إحدى مسابقات مركز بحوث الغاب، مقابل 200 ألف ليرة لكل اسم وعندما اختلف “ر.ع” مع عضو بمجلس المحافظة “ع.ر” انتشرت الفضيحة وكشف الأمر…بالمختصر يمكن أن نسميه بالعراب.
“شيخ” يترأس شبكة فساد
في حماة أيضاً قصص غريبة عن الفساد، ثفقد ذكر مصدر آخر لـ”صدى الشام” أن رجل دين كان من المقربين جداً إلى المحافظ الذي أقيل مؤخراً، وكان “الشيخ” يشكل “مفتاحاً للمحافظ” لعقد صفقات شملت تعيينات إدارية وسمسرة لرُخص محطات الوقود والمخابز وبيع سيارات الزفت مقابل أرقام ضخمة جداً، أي أننا أمام شبكة ضخمة يترأسها هذا الشيخ.
وذكر المصدر أنه منذ ثلاث سنوات كان المبلغ المدفوع للحصول على رخصة محطة وقود لهذا الشيخ هو مليون ونصف المليون ليرة، في المقابل رصد المحافظ المُقال مبلغ 215 مليون ليرة لتعبيد الطريق التي تصل إلى قرية هذا الشيخ والتي لا يتجاوز عدد منازلها 18 منزل فقط، مع الإشارة إلى أن الطريق معبد سابقاً.
الفساد أصبح محمياً
أحد الباحثين في الشؤون الإدارية أكد لـ”صدى الشام” أن الحروب تشكل بيئة حاضنة وخصبة لانتشار الفساد ورعاية الفاسدين، وهذا ما حدث في سورية، حيث إن الفساد بات محمياً وفوق القانون، ولا يمكن إيقافه في ظل غياب صوت القانون وعلو صوت الرصاص، مشيراً إلى أن ما يؤكد هذا الأمر أن الفساد يحدث أمام أعين الجميع وفي وضح النهار، ودون أي خوف، بل وقد يكون بتوجيه من أحد المسؤولين الفاسدين.
وحدد الباحث أسباب الفساد المنتشر في أروقة مؤسسات النظام، والتي تتمثل بانخفاض الأجور والرواتب مقابل تضخم المتطلبات المعيشية وارتفاع الأسعار، متسائلاً:” من أين يأتي الموظف بالمال لكي يدفع أجرة منزله البالغة 20 ألف ليرة فيما راتبه لا يصل لـ 25 ألف ليرة؟، وكيف له أن يؤمن متطلبات معيشته وأسرته من طعام وكساء وأطباء ودواء؟..إذاً فهو مضطر إما للعمل بدوام ثانٍ أو أن يكون فاسداً، ويتقاضى الرشاوى، وبالطبع يتوقف ذلك على طبيعة وظيفته، فمعظم الموظفين والعاملين سواء في القطاعين العام والخاص حالياً هم تحت خط الفقر..فماذا تنتظر من جائع ومحتاج؟”.
وأشار الباحث إلى أن من أسباب انتشار الفساد قصور القوانين الناظمة للعمل، كما هو الحال بالنسبة لقانون العقود 51، فضلاً عن أن القوانين التي تنظم عمليات التجارة والجمارك يمكن الالتفاف عليها ودفع مبالغ طائلة للقائمين على تنفيذها من أجل إدخال بضائع إلى الأسواق السورية بجودة أقل وبرسوم زهيدة، وأيضاً احتكار ثلة من التجار لاستيراد المواد الأساسية الغذائية من سكر وسمون زيوت وأرز.
ومن الأسباب كذلك غياب القانون كما ذكرنا وحالة الفوضى التي تعيشها العديد من المحافظات السورية حالياً، وتحكّم من بيده السلاح بالقرارات. وهذا أثّر كثيراً على معظم المواطنين وأصبحت مظاهر كـ “التعفيش” معتادة حتى أنها طالت المنازل والمؤسسات والمناطق الصناعية.
ونوه الباحث أن إحصاءات قضائية تؤكد ارتفاعاً ملحوظاً في مؤشر الدعاوى المتعلقة بالجرائم الاقتصادية الخاصة بسرقة المال العام أو اختلاسه أو إلحاق الضرر به من ألف دعوى إلى نحو ألفين في البلاد، إضافة إلى الصرافة غير المشروعة.
واستغرب الباحث من تصريح رئيس حكومة النظام الذي قال فيه بإن بعض الوزراء طالبوه برفع مبالغ التعويضات لهم لكي يستطيعوا مواجهة ارتفاع الأسعار وتأمين المتطلبات المعيشية، متسائلاً:” إذا كان الوزراء يعانون من ضعف راتبهم الذي يصل إلى أكثر من 100 ألف ليرة، فبماذا يطالب الموظف العادي، أو العاطل عن العمل؟”.
القانون يطبق على الفقراء فقط
واستطرد الباحث قائلاً: نستغرب اكتفاء الجهات الحكومية بإعفاء الفاسد ومصادرة أملاكه دون إحالته للقضاء، فمن البديهي أن الفاسد لن يسجل أملاكه باسمه، أو بأسماء أحد أفراد أسرته، أي لن يخسر شيئاً ولو حجزوا على جميع أملاكه التي ربما لن تتعدى منزلاً وسيارة فقط، في حين أن بقية ثروته باتت في الخارج وبأسماء أقاربه، وهذا ما حدث مع مدير الجمارك السابق، وأيضاً مع مدراء المالية في دمشق وريفها، وبعض المدراء المركزيين في وزارة المالية نتيجة الكشف عن قضايا فساد بالتكاليف الضريبية الخاصة بأحد الفنادق المشهورة في دمشق، و”طيّ” هذه التكاليف مقابل مبالغ ضخمة. هؤلاء الفاسدين قاموا بتحصيل مليارات الليرات وخرجوا من الوظيفة العامة بإقالة فقط، دون محاسبة..فلماذا يحدث ذلك في حين نجد أن وزير التجارة الداخلية أحال مراقبي محطة “حاميش” في دمشق إلى القضاء نتيجة التقاعس فقط! صغار الموظفين يُحالون إلى القضاء ورؤوس الفساد يُكتفى بإقالتهم فقط دون محاسبتهم…ربما بات القانون يطبق على الفقراء فقط وهذا ما يجب أن نتداركه بحيث يصبح القانون الكلمة الفصل”.
يشار إلى أن سورية غابت عن تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر، خلال العام الحالي، ولكنها صنّفت ضمن الدول الأكثر فساداً على الصعيد العربي والعالمي، حيث احتلت المرتبة 159 عالمياً والخامسة عربياً، حسب تقرير المنظمة نفسها خلال العام الماضي، الذي أكد أن الفساد اتخذ أشكالاً متعددة في ظل “الحرب” الدائرة في البلاد وضعف الرقابة وانعدام الشفافية في الأجهزة الحكومية.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]