دكّة العبيد


سوزان علي

مئات من المقالات تتهافت على تغطية خبرٍ واحدٍ، يُطالعنا خلفاؤه كل يومٍ بقانون جديد، وحلةٍ غريبة. كتب عديدة تصدر، وستصدر، في سنواتٍ وسنواتٍ لاحقة، كُرّست لتحليل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الدمويّ في أهم محظوراته وموانعه، وأكثرها خطورة (المرأة). لم يكفها أنّ التاريخ كان ضدّها منذ ولادته؛ حتى يومنا هذا؛ بل جاء ليعيد نضالها الطويل ضد الاستبداد والعنف والظلم إلى نقطة الصفر، أو دونها.

شهود عيان يروون قصص بيع النساء في الساحات، لقاءات مع مغتصبات نجحن بالهروب من سكاكين رُفعت فوق أجسادهن، صور مفجعة يظهر فيها رجال التنظيم وهم يرجمون امرأةً بالحجارة حتى الموت، بذريعة أنها زانية، حوار مع إحدى النساء التي أقنعها داعشيٌّ بأنها “ستنال الإسلام إن ضاجعت إحدى عشر مجاهدًا في صفوف التنظيم”.

فوق ما كان يسمّى قديما بـ “دكّة العبيد”، تقف اليوم نسوةٌ من أعمار مختلفة، يرتعشن في انتظار لاحمٍ جديدٍ، يفحص وينبش الجثة الحيّة أمامه، أسنانهنّ وحدها، قد تغير عملية البيع كلها، وكقطعةٍ ثياب بالية، يجري لمسها، طيّها، فحصها من الداخل… لن يتردد الزبون في السؤال عن عمر إحداهن؛ إذ إن الطفلة التي يتراوح عمرها بين الثامنة والخامس عشرة هي الأغلى ثمنًا، وهي غالبًا ما تكون من نصيب الأمير القاتل.

في هذه الغابة الموحشة، الذي يقتل أكثر، هو من سينال الفتاة الأحلى والأصغر سنًا؛ كي ينسى جرائمه قدر ما استطاع، ويتابع قتله فوق جسدها الغض.

أما المرأة في عمر الأربعين -مثلاً- ستكون من نصيب المتقاعس عن القتل؛ كي لا ينسى شحذ رمحه وحقده جيدًا في المرة المقبلة.

أجسادٌ رَبط (داعش) حقيقة وجودها، بعدد الرؤوس المقطوعة يوميًا.

سوقُ نخاسة حقيقي، يقامُ بالقرب منّا، يرفده سوقٌ آخر يشبهه كثيرًا، لكن الفرق -هنا- أنه سوق ملابس نسائية، وليس نساء! ملابس يبتعنها وعيونهنّ مغمضة، لسن بحاجة لفحص شيء؛ لأن اللون واحد والقَصة واحدة، فقد قرر (داعش) منع بيع المزخرف والشفاف والمثير من ملابس النساء الضيقة. منعت حتى بيع الجينز، وحرّمت على الرجال العمل في تلك المحالّ، كما ألغت عرض الملابس النسائية على واجهة المحالّ، نعم… وما الحاجة إلى دميةٍ تعرض صيحات ألف سنة مرت؟! القديمُ لا يصلح عرضه على الجديد؛ حتى لو كان دميةً، ما دام على الطرف الآخر سوقٌ طويلة ليس من الدمى، إنهنّ بشر من لحم ودم، يستطيع الزبون أن ينتقي إحداهن، ويلمس جلدهن، له أن يروز نهودهن، ويقيس جسده فوق أجسادهن الطرية، بل وحتى يفاوض البائع حول السعر.

إغراء المرأة لمبايعة (داعش) دخل في أوائل برامج التنظيم، جذب المرأة غير المتعلمة، وكان الشرط الأول هو التشيؤ، كوني أي شيء ضد نفسك ضد جسدك، ولتطيعي زوجك؛ حتى لو طلب منك تفخيخ جسدك، والقيام بعملية انتحارية… هذا هو ما سُنّ كقانون حقيقي فيما بعد.

المتخيل في كل عقل داعشيّ، نراه يملأ المدن التي احتلوها، معلقًا كإعلانات في الشوارع، مطليًّا بسواد قلوبهم، وموقعًا من الخليفة القائم على شؤون الرعية.

ليس هناك من متخيل أكبر وأعمق وأكثر في أحلام داعشي من المرأة، يحبونها من بين كل الغنائم، ويخافونها من فرط ضعفهم، في ساحات الشوارع يجولون، مطلقين صيحاتهم، مرددين قوانينهم، يحيطون الفتنة بالمتخيل الساخن عنها، ربما كانوا يخافون من عودة المجتمع أموميًّا، كما كان.

من تلك الممنوعات التي تفضح صخور عقلهم: منشورٌ عن شروط شكل الحجاب؛ إذ عليه أن يحجب أكبر قدر ممكن حجبه من الضوء والهواء، أن يكون فضفاضًا طويلًا غير مطرز بالنقوش والزخارف، ومنعًا للفتنة، يجب الابتعاد عن وضع العطور أو البَخور فوقه.

أكثر القوانين في دولتهم المزعومة، تلك، كانت تحيط بكل ما يتعلق بالمرأة؛ إذ منع (داعش) التسوق من دون محرم؛ حتى في شهر رمضان منعت النسوة من الخروج، قبل أن يحين وقت الفطور؛ أي قبل المغرب، مخافة إفساد صيام المجاهدين.

بالقرب منا يحدث كل هذا، ونحن جالسين في البلاد التي يسميها (داعش) اليوم “بلاد الكفر”، حيث يحرم زيارة هذه البلاد على النساء، باستثناء حالات المرض، ويسمح للمرأة التي تبلغ الخمسين بالسفر خارج الولاية من دون محرم، لكن ضمن أراضي الفتوحات الواهية.

هذه القائمة بالممنوعات جاءت بتوقيع ناظر ما يسمى فقهيًّا بـ “الحسبة” في مدينة الرقة السورية، المدعو “أبو طلحة الكويتي”.

روى لي صديقي في مدينة تدمر، كيف تذرّع بأن أمه، التي انهارت عند دخول (داعش) مدينتهم، مريضةٌ، وفي حال خطِرة، وهي بحاجة إلى أن تُسعف -مباشرة- إلى دمشق، كي يسمح لها (داعش) بالخروج من تدمر إلى بلاد الكفر.

سؤال وجواب في السبي والرقاب

إنه اسم الكتيب الخاص الذي يتألف من خمس أوراق، فُردت لشرح أصول عملية السبي وشروطها، من وجهة النظر المقدسة داعشيًّا.

مجموعة من الأسئلة والأجوبة، السؤال بلون الدم، والجواب جاء زهريًا، بلون دم الضحيّة الفاتر الخائف البريء، كان السؤال الثامن ضمن الكتيّب:

-إذا اشترك اثنان أو أكثر في شراء السبيّة؛ فهل تحلّ لكل واحد منهم؟

وهذا هو السؤال التاسع وجوابه الأسود:

هل يجوز وطء الأَمة التي لم تبلغ الحلم؟

الجواب: يجوز وطء الأَمَة التي لم تبلغ الحلم، إن كانت صالحة للوطء، أما إذا كانت غير صالحة للوطء، فيكتفى بالاستمتاع بها…

هذه الأخبار ليست في الجريدة، بين السطور والفواصل، نحن –أيضًا- لسنا في الحبشة، ولا في قصر سلطانٍ عثمانيٍّ، لسنا في سفينة قرب البحر الأحمر، تتجه إلى أميركا منذ قرون طويلة، تحمل الرقيق إلى تجارّه. كل ما يحدث هو بالقرب منا، وتحت هذه السماء الرمادية.




المصدر