اللاعبون بالنار.. سيحرقون أنفسهم ويحرقون الثورة
25 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
لم تتعرض الثورة السورية لاختبار أقسى من الذي تتعرض له اليوم مع صدور دعوات مجنونة وفتاوى شاذة تدعو إلى التغلب، بمعنى أن يَفرض فصيلٌ على فصائل أخرى الاتحادَ به والاندماجَ معه والذوبانَ فيه بقوة السلاح. أو بعبارة أدق: فتاوى ودعوات تبيح ابتلاع القوي للضعيف، ولو بسفك الدم الحرام، بحجة نبذ الفرقة وجمع الصفوف.
أصحاب هذه الدعوات والفتاوى يلعبون بالنار، وهي ستحرقهم وستحرق معهم الثورة كلها لا قدر الله. إنهم يظنون أن التوحيد بالقوة من شأنه أن يحل مشكلة الثورة ويُخرجها من حالة العجز والاستعصاء التي آلَتْ إليها، ويجهلون (أو يتجاهلون) أنه ليس حلاً لمشكلة قديمة بل هو توليد لمشكلة جديدة، وأنه سيُنتج مشكلات أكثر من أي مشكلة حالية، أكثر وأكبر وأخطر بما لا يُقاس.
* * *
المشكلة الأولى هي إضعاف الجبهات والتسبب في سقوطها بيد العدو، لأن المرابطين سيتركون رباطهم وينشغلون بالدفاع عن أنفسهم ضد بغي إخوانهم، وسوف يفقدون في المعركة العبثية مع البغاة جزءاً كبيراً من قوتهم وعتادهم فتنشأ ثغرات سيستغلها العدو لا محالة.
المشكلة الثانية هي الدماء التي ستُسفَك بغير حق، فلا يمكن أن يفرض أحدٌ على غيره حلاً بالقوة دون أن يدافع الطرف الآخر عن نفسه. ولا عبرةَ بما يروّجه بعض دعاة التغلب من أن الفصيل القوي لن يستعمل القوة إلا للتخويف، أي أنه سيقول: “لا تخافوا إذا هاجمناكم، فإننا نطلق النار في الهواء فحسب”. ما شاء الله! إذا كان إطلاق النار في الهواء وإذا استعمل المهاجمون أسلحة وهمية خُلَّبية فهل سينسحب أمامهم المدافعون ويسلّمون الأسلحة والمقرّات؟ مُحال، بل سيهجم البغاة بالسلاح، وسوف ينشأ اقتتال ويسقط ضحايا من الطرفين.
المشكلة الثالثة أن اعتداء أي فصيل على غيره سيقضي على الثقة بين الفصائل، وسوف تؤول هذه المحاولات الطائشة إلى إخفاق مؤلم، فلا هي ستنتج وحدة حقيقية، ولا هي ستسمح باستمرار التنسيق والتعاون العسكري الذي كان شائعاً بين الفصائل قبل وقوع كارثة البغي والتغلّب.
* * *
لقد ارتكب أحد فصائل حلب جريمة عظيمة بحق الثورة عندما هاجم فصيلاً آخر فقضى على قوته الفاعلة وحرم جبهات المدينة المتداعية من رباط مقاتليه، ثم ارتكب ما يُسمَى “القضاء الشرعي” جريمة أكبر وجنى على الإسلام جناية لا تُغتفَر عندما سوّغ ذلك العدوان باسم الدين! واللهُ يعلم أن الدين من هذا الافتراء براء، والله يعلم أن البغاة المتغلّبين يدمرون الثورة خدمة لأهوائهم ورغباتهم، والله يعلم أن الذين يبرّرون الظلم والبغي باسم القضاء الشرعي وتحت مظلة الدين ليسوا سوى منافقين يستغلون الدين ويسيئون إلى الدين باسم الدين.