رندة قسيس .. رؤية محشوة بالشمع
25 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
عبد الرزاق دياب
أيها السياف خذ عنقي، وامنحني فقط لذة السكين، واترك لي على حافتها بقايا دم وطني، بعثرته المقامات والثرثرات.
هي حال أغلب السوريين الذين بدؤوا يستشعرون غياب الرؤية والإحباط في كل النتاج البديل الذي ولد في السنوات الخمس الأخيرة، وطرح نفسه كبديل لقيادة دفة البلاد المكوية بجمر الحرب والموت.
بالأمس كان على رندة قسيس أن تهز رأسها دلالة فهم المرحلة العصية، وأن تتحدث عن الدور الأمريكي القادم مع (ترامب)، وأنه البراجماتي الذي يؤمن بالمصالح، وعلينا أن نفهم ذلك، ونتصالح معه، وأن هذا القادم الجديد هو من سيفرض الحل على جماعات التكفير التي تقطع الرؤوس في أطمة.
وفي هذه الحلقة بالذات من الاتجاه المعاكس كان فيصل القاسم مطواعًا لينًا وناعمًا، وغابت من قاموسه مفردات الاتهام والخيانة والسباب، كان رقيقًا أكثر مما يحب، وهذا ما أعطى القادمة من جلسة مع ابن ترامب قوة السطو على الوقت فتقاسمته فقط مع نصر الحريري. بعد العادة أن يأكل القاسم لوحده نصف الوقت فينقلب من محاور إلى ضيف.
بالمقابل لم يخرج الضيف الثاني من إطار مداخلاته المعتادة، وللمناسبة أيضًا كان لطيفًا مع بعض الغمز الناعم (من حضن الإدارة الأمريكية والروسية)، ولكنه كان محاورًا ثابتًا في نقل وجهة نظر الائتلاف وعموم المعارضة التي ترى في التحول السياسي حلًا مع الدفع باتجاه حل عسكري متوازن على الأرض.
بين ما سيفعله ترامب وما فعله أوباما دار المحاوران في محاولة لإثبات جدارة القادم الجديد بالحل حتى لو ارتد على المعارضة، والسبب وضوح القادم بغض النظر عن تحالفاته الاستراتيجية مع الروس وكراهيته المعلنة للمسلمين، وأما (قسيس) فتقف بعيدًا عن كل ما يحصل فهي العلمانية التي تعمل وحدها من أجل تغيير النظام بنسف بنيته، ولكن دون وجود إرهاب خبأ السلاح في مشافي حلب الشرقية (كما ادعت).
في كل ما حصل في الحلقة لم يكن السوريون ينتظرون حلًا من كلا المتحاورين، ولم يكونوا على أمل أن ينطق أحدهم بمفتاح الأمل، وقد خرجت تعليقاتهم لتلعن قسيس وتسبها، والبعض أثنى على جمالها الذي أعاد ترويض برنامج اعتمد على إثارة المتخاصمين لدرجة الضرب، وحولته إلى جلسة هادئة ربما كان جمالها كلمة سر خفية أعادت حماسة الصياح إلى دندنة سياسية لا تثير جمهورًا كان يمني النفس بحلقة ذكورية فاضحة.
تبدو الأطراف السورية المعارضة كمن فقد عقله أحيانًا كما طروحات منصات القاهرة و(حميمم) في كونها حذفت سنوات من تضحيات السوريين وموتهم، وأخرى ما زالت تقف عند الخطوط الأولى التي تناساها العالم، ولم يعد يعترف بها إلا لأنها لا تعدو أن تكون من ذكريات العالم عن شعب تعرض لأسوأ عذابات التاريخ.
على الأرض ثمة جيوش متعددة، وفصائل بمسميات لم تخرج من القاموس السوري، وتشابك في مصالح الدول الفاعلة، وناطقون في كل الأطراف باسمها، وتبعيات ملونة بكل أطياف الممولين، ولكن لا يوجد إجماع مشترك من كل من يرددون الحلول على مفردة وطنية دون نظرات الريبة وحتى التخوين.
أسوأ ما يعانيه السوري اليوم هو فقدان البوصلة، فالوطن بات بعيدًا حتى لمن يعيشون على أرضه، وأبعد بكثير عند أولئك الذين يتمترسون وراء مؤسسات جديدة لها رعاتها الإقليميون، ولا يجرؤون على تركها خشية إملاق أو موت عرضي.
رندة قسيس تقشر القضية بالشوكة والسكين وبهدوء ليلة محشوة بالشمع، ونصر الحريري يراها من تحت سقف هدمته طائرة على رؤوس أصحابه. هي معركة غير متكافئة من حيث المكان والمصير.
“الترا صوت”