“كلام في الوجع” .. فنانة ترثي ابنها الشهيد: أنا الأم الحزينة … أنا مريم أم المسيح السوري


كومنت: الفنانة التشكيلية عتاب حريب

علقوه مصلوباً على رافعة طوال يومين وعذبوه اشد عذاب، جلدوه حتى سمعت مدينة الميادين السورية صوت وجعه وصراخ عذابه، وكأنه المسيح الذي صرخ بوجه يهود فلسطين، ومن ثم قطعوا رأسه أمام جمهور كبير.
مازن الذي رفض أن يبايع تنظيم داعش، كان معارضاً لنظام الاسد وناشطاً ثورياً بين صفوف مئات الشباب السوريين، مازن الذي صلبوا قلبي معه رحل دون أن يسمع رجائي له بالرحيل من المدينة والابتعاد عنهم فهو ليس بقادر على مقاومتهم ولا يمتلك اجرامهم، فباسم الدين صلبوه، وباسم الدين أيضاً قتلوه بدم بارد، صلبوه وصلبوا معه كل ذكرياتي وانا اشاهده يكبر يوماً بعد يوم.
رحلت من دمشق بعد أن خنق نظام الاســـد كل منافذ الحياة أمامي وتوجهت الى بيروت ومنها الى امريكا، نظام كنت احارب فساده قبل الثورة وبعدها، لم يترك لي فرصة لكي ابقى في دمشق لحظة واحدة، فخرجت منها وطلبت من مازن يخرج جواز سفر من دائرة الجوازات بدمشق ومن ثم اللحاق بي، لكن الميادين تلك المدينة التي ذهب اليها في مراهقته وعاد اليها يعمل بشركة نفطها الذي حرم منه اهل الميادين ،،،،، الميادين كانت اقوى من جواز السفر ومن اي بلاد اخرى، عاد اليها رغم رجائي له بالبقاء بدمشق وأن يترك وظيفته ويخرج من جحيم تلك البلاد الملعونة بشياطينها الجدد الملثمين.
كم صعب على ام أن تتلقى خبر مقتل ولدها على صفحات الفيس بوك، وان تشاهد صوره على صفحات الاخبار وهي تحلل مقتله وكيف قتل وعذب، وتشاهد التعليقات الحزينة منها وتلك التي تشمت بموت الاخرين، وتقف عاجزة عن ضمه لصدرها قبل ان يدفن تحت التراب، بل حتى ان تمسح له الدماء عن وجهه وتودع تفاصيل ما تبقى من ذكريات.
دعاة الدين الجديد داعش اتهموا ولدي انه متعامل مع النظام السوري، بالاضافة انه انتقدهم بصفحته على الفيس بوك، تصوروا هذا الهراء هذا الرجل كان ثائراً ضد النظام يعدم لانه متعامل معه بل ويضاف على ذلك انه انتقد دعاة الدين الجديد، ورسمهم باستهزاء وسخر منهم ،،،فعذب كما المسيح عذب بل واكثر ومن ثم نفذ به ما لم تنفذه البشرية من عشرات العقود الا وهو قطع الرأس.
في سورية لم يبقى لي سوى تمارا وراما الجزء المتبقي منه، وبعض من ياسمين دمشق زرعته في حديقتي حيث اعيش، لم يترك لي نظام الاســـــد من رائحة دمشق سوى الياسمين الاسود ، ولم تترك داعش لي من ولدي سوى دموع وقلب مكسور وابنتيه الصغيرتين، اسعى الى جلبهم الي هنا لاشم بهم رائحة ولدي تماماً كما اشم من الياسمين رائحة دمشق.
تمارا الصغيرة عندما دخلت داعش الى الميادين قالت لي عبر السكايب:” عندما تأتين الينا يجب أن تضعي الخمار فهؤلاء فرضوا على كل النسوة أن يضعوه والا فسوف تجلدين”، تخيلوا طفلةً تفتح عيونها على هكذا فرمانات ،، تعيش في هكذا اجواء حمقاء كالذين فرضوها عليهم، تخيلوا عذاب قلبي وانا اسمعها وهي تطلب مني ان آتي اليها وانا عاجزة عن ذلك حينها.
حزينة انا وثكلى، انا الفنانة السورية التي رسمت لوحات على جدران سوريا وحارات دمشق وتاريخها، اعيش اليوم الم فراق كل شي، حتى من رؤية جسد ولدي قبل دفنه وكأنه قدر كتب عل وعلى اغلب امهات سورية، قدر ان نلبس السواد على ابنائنا وان نشاهد ونسمع ونقرأ خبر موت فلذات اكبادنا على الشاشة الزرقاء ونحن على قيد الحياة.
مازن تركت لي عذابا في الجزء المتبقي من عمرك ورحلت، متل ماكنت تترك الجزء الاخير، من قطعة الشوكولاه ،،من صندويشة الفلافل ومتل ماكنت تترك القطعة الاخيرة من الكعكة اللي كنت تحبها مع الشاي، متل ماكنت تترك الرشفة الاخيرة من كأس الشاي، متل ماكنت تترك اللقمة الاخيرة في صحن طعامك، كنت دائما اقول لك لماذا تترك النهايات فهي اطيب شي وانت تضحك، وبعناد لم تغير عاداتك، وتركت لي مرارة في القضمة الاخيرة.والربع الاخير من عمرك
في هذه الصورة حضنت مازن وهو صغير والفرح يغمرني وهو يكبر بين ذراعي، ولم أتوقع يوماً أن ذراعي التي حضنته في هذه الصورة قد يأتي يوم وتعجز عن ضمه وشم رائحته قبل أن يدفن تحت التراب ويدفن معه قلبي.

“فيس بوك”