جرائم الشرف… الظلم المستمر


عاصم الزعبي

جرائم الشرف، هي جرائم قتل تُرتكب من أحد أفراد أسرة ما من الذكور، بحق إمرأة أو فتاة، من الأسرة نفسها، لأسباب تتعلق بإرتكابها عملًا ما، يخل بالأخلاق، كالزنا أو إقامة علاقات غير شرعية، وأحيانًا لمجرد الشبهة؛ من أجل المحافظة على الشرف بالطريقة المسماة غسل العار.
لم يرد في قانون العقوبات السوري ما يسمى بجرائم الشرف، بل سميت بجرائم الاعتداء على العرض، ونُصّ عليها في المواد 489 – 507، وقد راعى المشرّع السوري عند تنظيمه لأحكام هذه الجرائم أن يكفل الحق للمجتمع في صيانة العرض، ومصدر أهمية هذا الحق أنه تجسيد قانوني لشعور طبيعي موجود لدى كل فرد، وهو الشعور بالحياء.
وقد عدّ القانون جرائم الشرف جرائم قتل وإيذاء، ولكن بدافع شريف، ونص بالمعاقبة عليها في المواد 533 – 534 – 540 وما بعدها بدلالة المادة 192 من قانون العقوبات العام.
كما أعطى أعذارًا مُخفّفة للقتل في جريمة الزنا، المنصوص عنها، والمعاقب عليها في المادة 473، وما بعدها من قانون العقوبات.
وقد بُررت أنواع التخفيف جميعها، وأُعفي من العقوبة -في بعض الأحيان- بما أُطلق عليه الدافع الشريف، والذي عرّفه الاجتهاد القضائي بأنه “عاطفة نفسية جامحة، تسوق الفاعل إلى إرتكاب جريمته تحت تأثير فكرة مقدسة لديه، قوامها غسل العار الذي ألحقته الضحية به وبعائلته”.
وقد أشار المشرع إلى ذلك في المادة 192 من قانون العقوبات، حيث لم يترك للقاضي أن يقدّر وفق قناعته، إذا ما كان هذا الدافع موجودًا أم لا، بل نصّ على عدّه سببًا مخففًا متى توافرت أسبابه.
في بداية عام 2011، صدر المرسوم التشريعي رقم 1، والذي عُدّل بموجبه تعديل بعض المواد في قانون العقوبات الخاصة بجرائم الشرف، حيث استُبدلت المادة 548، بمادة أخرى، نصّت على رفع عقوبة مرتكبي جرائم الشرف الحبس من سنتين كحد أقصى، إلى سبع سنوات.
ولكن هذا التعديل، في ذلك الوقت، لم يمسّ نص المادة الأساسي، والذي يمنح الرجال حق القتل بشكل أوبآخر، بدلًا من إلغاء المادة إلغاءً نهائيًا، أو تشديد العقوبة لدرجة تجعل من يريد ارتكاب هذه الجريمة يتردد كثيرًا قبل إقدامه عليها، ولم يتمكن المشرّع بذلك من حماية المرأة من هذه الجريمة.
جرائم الشرف بعد الثورة السورية
ليس هناك -حتى اليوم- في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، أي سلطة قضائية حقيقية، أوجهاز للشرطة يستطيع ضبط الاوضاع الأمنية، ومكافحة الجرائم الآخذة في الإزدياد يومًا بعد يوم؛ حيث تسيطر فصائل مختلفة على هذه المناطق، وتعمل إما وفق المفهوم المناطقي، أو وفق مفهوم مرجعي ديني، كما هو الحال في مناطق سيطرة تنظيم “داعش”.
فوضى القانون في تلك المناطق، والأوضاع السياسية والإقتصادية، وعدم وجود رؤية قانونية وقانون حقيقي مطبق، زاد من نسبة الجرائم عامة، وجرائم الشرف خاصة، حيث باتت اليوم ترتكب لمجرد الشبهة، كما حادثة ماري، منذ شهرين في إحدى المناطق، والتي كانت متزوجة حديثًا، وبعد مدة قام أحد الجيران بإخبار أهلها عن تردّد أحد الأشخاص إلى منزل ماري في أثناء غياب زوجها، فقام أخوها على الفور بقتلها بإستعمال بندقيته، وقد وجدت في جثتها 30 رصاصة، ليتبين للأهل فيما بعد أن الكلام الذي سمعوه كان عبارة عن كذب، لتكون ماري ضحية عادات وتقاليد بالية، عُمل بها في ظل عدم وجود أي قانون يحمي المرأة في هذه الحالات .
لا يقل الأمر سوءً في المناطق التي يسيطر عليها “تنظيم داعش”، لكن في تلك المناطق ينفذ التنظيم هذا النوع من الجرائم باسم تطبيق حدّ الرجم، أمام حشود من سكان تلك المناطق، فقد سُجلت حالات عدة لارتكاب جريمة الرجم، كان من أبرزها، حادثة رجم شمسة العبدلله/ من مدينة الطبقة، حيث اتُهمت بإرتكاب جرم الزنا زورًا، من عناصر التنظيم، الذين كانوا بلاحقون أفرادًا من المعارضة المسلحة، والذين لجؤوا إلى منزل شمسة، التي رفضت تسليمهم للتنظيم، فاتهمت بهذا الفعل، وصدر حينها بيان عن “داعش” يقول بإعترافها ارتكاب فعل الزنا لأكثر من مرة، وجُلبت -لاحقًا- السيدة إلى ساحة السوق الشعبي، حيث رُجمت من عناصر التنظيم الذين نفذوا ما عدّوه حكمًا شرعيًا .
تشكل أمور عديدة، على رأسها العوامل الإقتصادية، والتعليم، والقوانين، والأعراف والتقاليد التي تحكم المجتمع، عوامل أساسية تؤثر في تدني، أو زيادة نسبة جرائم الشرف، التي لا تزال حاضرة بقوة منذ عقود طويلة في مجتمعاتنا.




المصدر