حرّيات المرأة السورية بعد الثورة… الواقع والمُرتجى


آلاء عوض

فرض الواقع التبعي والإطار المجتمعي على المرأة السورية أسلوب حياة، كان بعيدًا كل البعد عن المنهج الاختباري، القائم على الملاحظة والتجربة، ومن ثم الاختيار؛ فكانت الأفكار والقيم والحريات الشخصية، ومنها طريقة اللباس والعلاقات، والزواج، واختيار التخصصات الدراسية، كلها معلّبة وجاهزة، وغير قابلة للنقاش، ولم تُتح للمرأة فرصة حقيقية لتطوّر مكتسباتها، أو لتوسّع أفقها الفكري التحليلي والبحثي، ومن ثم الانتقائي.
أتاحت التبدلات البنيوية التي طرأت على المجتمع السوري، ومركزها الأسرة، إبان الثورة فرصة جديدة للنساء؛ ليلتحقن بركاب النشاط المجتمعي، الذي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالأعمال التطوعية والإغاثية؛ ما مكّنهن من حجة مقنعة للخروج من المنزل، كذلك الأمر بالنسبة للسوريات الموجودات في دول الجوار، حيث تحرّرت بعض الأسر من القيود المجتمعية المتعلقة بالمحيط، ودفعت الأوضاع الاقتصادية السيئة، بعضها الآخر، إلى السماح بعمل الفتيات.
ظهر مع هذا التبدل نوع جديد من الحريّات، وبرزت مكتسبات عديدة لدى المرأة، ساعداها في الانفتاح على الآخر، كما أسهم الاهتمام المنظماتي حديث العهد بالشأن النسائي في تطوير واقع حالها، ولا سيما أن هذه المنظمات أجنبية، وهامش الحريات في برامجها جيد ومعقول.
وقالت الاختصاصية الاجتماعية رفاه. ع، لـ (جيرون) إن “المرأة السورية كانت تنتظر ولو بادرة أمل صغيرة؛ لتغيّر النمط الذي أُرغمت عليه. وإن كانت تبدي في الظاهر “قناعتها” التامة به، إلا أنها في عقلها الباطن تبحث عن البديل، وتبدّت هذه الحالة -بوضوح- بظاهرة خلع الحجاب التي انتشرت أخيرًا بين شابات سوريات، وخصوصًا في دول الجوار والدول الغربية، وترافق خلع الحجاب مع نضوج فكري، واندفاع علمي وعملي، وازداد عمل المرأة، وأصبحت مدركة لأهمية تحررها الفكري والعاطفي، وأنه أساس لبناء حياة سليمة وأسرة متماسكة”.
في حين تعتقد الناشطة النسوية، غادة جمعة، أن الأمور لم تتحسّن كثيرًا، ولم يتغيّر واقع المرأة من ناحية الحريّات، وعن ذلك قالت لـ (جيرون): “ارتفعت نسبة الجهل والتخلف، ولا سيما بعد ظهور فئات متعصّبة، أسهمت في إحياء فكر ديني متزمّت، وهذا بالضرورة انعكس سلبًا على المرأة؛ وحتى في بلدان الجوار لا تزال المرأة مهضومة الحريات والحقوق؛ بسبب تبعيّتها للرجل، وضعف قدرتها على مجاراته بالعلم، الذي -إلى اليوم- لم يُعطَ الأولوية في النشاط النسوي، فكل الفاعليات المدنية تأتي تمكينًا اقتصاديًا ومهنيًا، وليس علميًا”.
من جهة ثانية، أكدت جمعة أن ما يزيد واقع المرأة السورية سوءً “ارتفاع نسب العنوسة؛ بسبب استشهاد عدد أكبر من الرجال، مقارنة بالنساء، واضطرارهم للسفر إلى البلدان المجاورة، يضاف إليه ضيق الحال؛ بسبب انعدام فرص العمل، وتفشي الغلاء، وهذا بمجموعه يؤدي إلى العزوف عن الزواج، وبقاء المرأة بلا شريك سيؤثر في نفسيتها سلبًا، ولن تستطيع أن تصمد أمام موجات العنف المجتمعي الذكوري، وربما ستضطر للزواج من رجل متزوج، والإطاحة بكل القيم التي نادت بها من عدم قبولها بتعدد الزوجات”.
وترى جمعة أن العنف ضد المرأة غير المتزوجة ما زال مسيطرًا على المجتمع السوري من الذكور في العائلة، والمرأة السورية لاتزال بعيدة عن حرّياتها عامةً، ولا تتمتع بجرأة التعبير واختيار الشريك، ولا تمتلك القوة لتحمي نفسها من الظلم، لذلك؛ نراها ترضخ لأحكام المجتمع بدافع الخوف، وأكبر دليل على ذلك هو ارتفاع نسبة زواج القاصرات”.
لا توجد إحصاءات دقيقة ترصد حريّات المرأة السورية قبل الثورة وبعدها، لكن مما لا شكّ فيه أن المرأة السورية لا تزال مقيّد،ة وليست مخيّرة، وغير قادرة على التعبير عن مشاعرها وقرارتها، ويسهم تواضعها المعرفي والعلمي في تكريس حالة الخضوع لـ “اللوثة المجتمعية” التي تنظر إلى المرأة بوصفها مصدر ضعف لا العكس.
تعتقد الاختصاصية الاجتماعية أن هناك عملية بناء تخضع لها المرأة؛ لتصل إلى مرحلة القوة المُبتغاة، وهذه ليست وليدة قرارات، وإنما عبارة عن تراكم خبرات ومعارف وتجارب، ونحن “اليوم في طور التجربة التي من الممكن أن تفضي في المستقبل إلى صوغ جديد لواقع المرأة، تفرضه بقوة العلم والمعرفة والنجاح في العمل، والحراك النسوي السوري الحاصل حاليًا هو مقدمة لمزيد من التحوّلات”.




المصدر