موسكو وواشنطن تتفقان في الهدف وتختلفان في التكتيك


جلال زين الدين

لم يعد ثمة مجال للشك في أنّ الروس والأميركان متفقان على الخطوط العريضة لما ستفضي إليه الأمور في سورية، وإن اختلفت الوسائل والممارسات على الأرض. فجميع ما جرى ويجري على الأرض السورية يثبت أنّ الخلاف بين الجانبين تكتيكي، وعلى الأمور الصغيرة دون الهدف الأخير.
فالروس والأميركان يضعان أمن إسرائيل في المقدمة، ويرفضان مجيء أي سلطة حاكمة تهدد الأمن الإسرائيلي، وزيارات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المتتالية إلى موسكو، وحجم التنسيق العسكري بين الروس والإسرائيليين، لا يترك مجالاً للشك في هذا الخصوص.
اتفاق الجانبين: الروسي والأميركي، على رفض أي حكومة إسلامية، سواء أكانت معتدلة أم متشددة، وعليه تولّى الأميركان محاربة المتطرفين “الدواعش”، فيما أُسندت مهمة القضاء على الإسلاميين المعتدلين للروس، من خلال قضم مناطق المعارضة المعتدلة، وضرب الحاضنة الشعبية، فضلًا عن اغتيال القيادات والشخصيات المؤثرة كزهران علوش.
اتفاق الجانبين على دور ما للأكراد في سورية المستقبل، يختلف عن دورهم بوصفهم مكوّنًا طبيعيًا في النسيج السوري الوطني؛ دور يجعل من الأكراد مسمار جحا بيد الغرب؛ لفرض رؤيتهم على سورية من جهة، ولاستخدامهم ورقة ضغط على تركيا وقت ما يشاؤون، وبالطريقة التي يريدون؛ وهذا ما يفسر دعم الجانبين: الأميركي والروسي للمكوّن الكردي، ممثلًا بـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” دون سواه، ويكشف هذا الدعم المشترك كثيرًا من الخفايا، فالأميركان دعموا الأكراد في مواجهة “داعش”، فيما دعم الروس الأكراد في مواجهةِ المعارضة الوطنية المسلّحة، لا الإسلامية.
اتفاق الجانبين: الأميركي والروسي على استمرار الصراع دون غالب أو مغلوب، ريثما تنضج الطبخة السياسية في معاييرها الدقيقة، وهذا ما يفسّر إحجام الولايات المتحدة -حتى الآن- عن تقديم سلاح نوعي يغيّر من موازين المعادلة العسكريّة على الأرض، وإحجام روسيا -في المقابل- عن الاستمرار في خيارها العسكري بعيدًا، بما يحقق نصرًا كاسحًا للنظام.
كما لا يختلف العسكريون في أنّ ما حققه النظام من تقدّم عسكريّ كبير على الأرض، إنما هو تقدم وهميّ غير حقيقيّ؛ لأنه تقدّم روسي، فتغيير الخارطة العسكرية هدَفه التمهيد لفرضِ الرؤية الروسية – الأميركية، لا ترسيخ حكم الأسد، ولا يمكن فرض هذه الرؤية في ظل تقدّم عسكري للثوار، فيما يمكن فرضه على النظام، ولو استعاد السيطرة على 90 بالمئة من الأرض السورية، فروسيا سيطرت على المؤسستين: الأمنية والعسكرية معًا، وانتقاد رئيس جهاز المخابرات الجوية، جميل الحسن، عن تعاطي بشّار الأسد مع الثوّار يؤشر إلى تغيرات عميقة طرأت على مفاصل القرار الأمني والعسكري في سورية.
ولعبت الدول الإقليمية دورًا سلبيًا في الثورة السورية؛ إذ وقعت في شراك القوى الدولية، فبقيت أسيرة الفيتو الدولي، ولا سيما الأميركي؛ إذ أحجمت -في وقت كانت تستطيع فيه الحسم- عن حسم الموقف لصالح الثورة السورية عام 2013، قبل أن تتشابك الخيوط بهذا الشكل، ويُعيد الإيرانيون والروس التوازن للنظام.
وأدركت تركيا -متأخرًا- حجم اللعبة الدولية، فأعادت علاقتها السياسية مع إسرائيل، القاسم المشترك الأول بين الروس والأميركان، وتصالحت مع الروس؛ لمنع وصل “الكانتونات” الكردية ببعضها، في الحد الأدنى، وتخوض مفاوضات عسيرة وشاقة مع الولايات المتحدة؛ لمنع دولة كردية، واقتصار الأمر على حكم ذاتي، يشبه -إلى حدٍّ ما- إقليم كردستان في شمالي العراق. والإدراك التركي المتأخر هدفه الأمن القومي التركي، دون النظر إلى مستقبل السوريين.
وليس بوسع الثوار السوريين سوى الاستمرار في المقاومة، أو الرضا بالحد الأدنى القائم على رحيل الأسد، وزوال هيمنة الطائفة على سورية، مع بقاء الدولة العميقة الفاسدة من جهة، والرضا بالدور الكردي الجديد من جهة ثانية.
يسعى الأميركان والروس لهذا السيناريو الذي يطيح -في النهاية- بالأسد، ويحقق أمن إسرائيل، ويرسم خارطة سياسية جديدة لسورية، تساعدهما في تحكّم جديد بالمنطقة، وستكشف الأيام مدى نجاحهما أو فشلهما، فالثورات الشعبية لا تتقيد بالقوانين المنطقية، وتمتلك القدرة على قلب الموازين دائمًا.




المصدر