تركيا بين آسيا وأوروبا.. والسوريون بلا قارّة ولا سمة دخول


جيرون

يأتي تصويت البرلمان الأوروبي -بأغلبية كبيرة-على تجميد المفاوضات تجميدًا موقّتًا، بين دول الاتحاد وتركيا، بشأن انضمامها إلى الاتحاد، كخطوة متقدمة في زيادة حدة التوتر السياسي بينهما، حيث طالب البرلمان الأوروبي، في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، بتجميد تلك المفاوضات. وعلى الرغم من أن القرار في ذلك يعود للمفوضية الأوروبية وليس للبرلمان، فمن المرجّح أن يكون له أثر سلبي على العلاقات بين تركيا ودول الاتحاد.

شهدت العلاقات التركية – الأوروبية، خلال السنوات الماضية، حالات مدّ وجزر، وخاصة في موضوع المفاوضات المتعلقة بانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وبدا واضحًا أن موجات اللاجئين السوريين نحو تركيا، ثم نحو أوروبا، قد فتحت هذا الملف بطريقة جديدة، فبات موضوعًا ضاغطًا على أكثر من صعيد، ليتوصل الجانبان -في آذار/ مارس الماضي- إلى اتفاق يسمح للاتحاد الأوروبي بإعادة اللاجئين، الذين يدخلون إليه بطريقة غير شرعية إلى تركيا، واستبدالهم بلاجئين من خلال برنامج الأمم المتحدة، وفي المقابل، يُعفى المواطنون الأتراك من سمة دخولهم دول الاتحاد، وكان من المفترض أن يبدأ ذلك في تموز/ يوليو الماضي، ولكن الاتحاد الأوروبي عدّ أن الجانب التركي لم يلتزم ببنود الاتفاقية، بينما تُصر أنقرة على أن دول الاتحاد هي التي تماطل؛ لتتهرب من الاتفاق. وجاءت محاولة الانقلاب الفاشلة التي حدثت في تركيا في تموز/ يوليو الماضي، لتعيد خلط الأوراق من جديد.

نفور لا تقارب

تقدّمت تركيا بطلب انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي عام 1987، وانطلقت المفاوضات بينهما لأجل ذلك في عام 2005، وعدّلت تركيا كثيرًا من قوانينها؛ لتتماشى مع القوانين الأوروبية، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة، وجد الأوروبيون مادة جديدة للتحدث بها، فبعد اتهام أنقرة لدول الاتحاد بالتباطؤ في إدانة محاولة الانقلاب الفاشلة، بدأت المجموعة الأوروبية تُشير -من ناحيتها- إلى أن السلطات التركية تخالف القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان، وأنها تنفذ اعتقالات غير مقبولة للاتحاد، وأخذت العلاقات بين الجانبين، تتجه نحو النفور وليس التقارب.

من الملاحظ أن تركيا، وبعد العلاقة التي توترت مع موسكو، في إثر إسقاط سلاح الجو التركي طائرة روسية، تمكنت من إحياء تلك العلاقة، ودعّمتها بتفاهمات اقتصادية مختلفة، ولعل موسكو تحتاجها كذلك؛ بسبب العقوبات الاقتصادية الأوروبية المفروضة عليها، ولكن الأمر الذي يمكن النظر إليه -أخيرًا- هو ما قاله الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، من أن تركيا ترغب بالانضمام إلى منظمة شنغهاي التي تقودها روسيا والصين، وتضم -أيضًا- كازاخستان وأوزباكستان وطاجيكستان وقيرغيزيا، وكانت قد تأسست عام 2001، لـ “تعزيز سياسة حُسن الجوار”، فيما يراها بعضهم حلفًا عسكريًا ناشئًا، ويطمح لأن يكون في مواجهة حلف شمال الأطلسي، وبعد تصريح أردوغان، نقلت وكالات الأنباء عن وزارة الخارجية الصينية ترحيبها بذلك، وقال كنغ شوانغ، المتحدث باسم الخارجية: “إن الصين تعلّق أهمية كبرى على رغبة تركيا في تعزيز هذا التعاون”، وأضاف شوانغ: “نحن مستعدون مع باقي الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون، ووفقًا لقانونها الداخلي، أن ندرس -بجديّة- هذا الأمر، على قاعدة توافق الآراء في المشاورات”. وتُعدّ تركيا شريكًا مُحاورًا، بحسب نظام المنظمة، إضافة إلى بيلاروسيا وسيريلانكا، بينما توجد كل من باكستان والهند وإيران وأفغانستان ومنغوليا بصفة مراقب.

قلق “الناتو”

أعضاء حلف شمال الأطلسي سينظرون إلى هذه المسألة من زاوية أخرى، فيها كثير من القلق؛ كون تركيا عضو في هذا الحلف، ولكن خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية، تعرّض أمن تركيا الداخلي لكثير من التهديدات والتحديات، ولم تجد من أعضاء الحلف دعمًا كافيًا، ولم تؤخذ مواقفها من النظام السوري، وتحذيراتها من تنامي إرهابه بالمنطقة بجدّية لدى أعضاء الحلف، لتأتي المحاولة الانقلابية وتزيد من هذه الفجوة مع الغرب بسبب مواقفه السلبية، يُضاف إليها مواقف بعض الدول الأوروبية وأميركا من حزب العمال الكردستاني، وكذلك من قوات (حماية الشعب) الكردية التي عمادها (حزب الاتحاد الديموقراطي) الكردي، والتي تُعتبر مكوّنًا أساسيًا لـ (قوات سورية الديموقراطية) التي تدعمها أميركا، بينما تركيا تنظر بعين الريبة إلى تلك التنظيمات، وتعدها تنظيمات إرهابية، تزعزع أمن المنطقة، وخاصة تركيا.

يشكّل تصويت البرلمان الأوروبي على تجميد المفاوضات مع تركيا حول انضمامها للاتحاد، عائقًا معنويًا بين دول الاتحاد وتركيا، وهو ما أشار إليه أردوغان الأسبوع الماضي بقوله: إن بلاده لا تحتاج للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي “بأي ثمن، يجب أن تشعر تركيا بالارتياح. قلت للرئيس الروسي بوتين ولرئيس كازخستان، نزارباييف، لم لا تنضم تركيا إلى منظمة “شنغهاي” للتعاون، أعتقد لو ان تركيا انضمّت للمنظمة؛ فستتمكن من التصرف براحة أكبر”.

ربما ستنظر -حاليًا- تركيا إلى جدوى اتفاقية اللاجئين التي أبرمتها مع دول الاتحاد الأوروبي، وينظر السوريون إلى هذا الأمر بكثير من الترقب، فقد تقطّعت السبل بأُسَرهم، وبهم، في أنحاء المعمورة، وكانت تركيا لهم مكانًا آمنًا وطيّبًا لتلتقي فيه الأُسر، ولو لأيام مع بعضها بعضًا، بعد تشتتها، بينما بعد الاتفاق المذكور، انعكس الأمر عليهم انعكاسًا مؤلمًا وكبيرًا، فبات حصول السوري على سمة دخول تركية بالنسبة للسوري، شبه مستحيل، وفي أوضاع إنسانية صعبة جدًا ومعقّدة، فالسوريون  دفعوا ثمن تلك الاتفاقية بشكل مجحف، إنسانيًا، فهل ستفتح السنة الجديدة أبوابًا جديدة لاتفاقات إقليمية، يستفيد منها السوريون، أم ستكون اتفاقات تزيد على حصارهم في هذا الوضع الذي أصبحت دولتهم فيه فاشلة، ولم تعد تستطيع صيانة كرامتهم وحمايتهم؛ حتى ضمن أبسط معايير الحقوق التي يجب أن تمنح للبشر، ليأتي ترقبهم خشية أن تظهر اتفاقات دولية تلتهم ما بقي لهم من آمال لها طابع إنساني وحقوقي، قبل أي شيء آخر.




المصدر