ورقة أوروبية للحل السياسي في سوريا


اقترحت وثيقة رسمية أوروبية، أعدتها مسؤولة الشؤون الخارجية الأوروبية فيدريكا موغيريني، أربعة عناصر للحل السياسي في سوريا ترتكز على نظام مساءلة سياسية، لامركزية أو تفويض سلطات، مصالحة، وإعادة الإعمار.

وجاء في الوثيقة التي نقلتها صحيفة "الحياة" أن موغيريني سألت: "هل يمكن لضمانات أو حصص مناسبة المساعدة في ضمان تمثيل النساء والأقليات في المجتمع السوري، مثل الأكراد والعلويين والمسيحيين؟".

وتهدف الورقة إلى "فهم مشترك بين اللاعبين الإقليميين الرئيسيين للحل النهائي بعد الصراع وإعادة إعمار البلاد بحيث يتم تحديد الأرضية المشتركة ومناقشة الأفكار البنّاءة التي بإمكانها خلق حوافز للأطراف المعنية".

وانطلقت الوثيقة من طرح خمسة أسئلة تتعلق بكيفية الحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها وضمان الحفاظ على المؤسسات الحكومية بما فيها القوات العسكرية والأمنية مع إصلاحها في شكل كامل، وبحيث تعمل تحت قيادة مدنية يختارها الشعب السوري وتكون مسؤولة أمامه، إضافة إلى ضمان شعور جميع المجموعات بالحماية وتنسيق جهود إعادة الإعمار بمجرد بدء انتقال سياسي شامل ومصداقية وكيفية ضمان أن لا تصبح سوريا "ملاذًا خصبًا للإرهاب".

وتضمنت الورقة الأهداف التي يجب العمل على تحقيقها، وهي أن يكون "الانتقال والمفاوضات بقيادة سورية في إطار قرار مجلس الأمن 2254" وصولًا إلى نتائج مثل أن تكون "سوريا واحدة بلدًا موحّدًا ويتمتع بسلامة الأراضي لكافة المواطنين السوريين" وتشكيل "حكومة شرعية وخاضعة للمساءلة ونظام سياسي تعددي، مع احترام سيادة القانون والحقوق الفردية بناء على المواطنة المتساوية وبلد متعدّد ثقافيًّا تشعر فيه كافة المجموعات العِرقية والدينية أن هوياتها محمية، وأن لديها فرصًا متساوية في الوصول للحكم"، إضافة إلى "دولة فعالة ذات مؤسسات عاملة، تركّز على أمن وخدمة المواطن، وذات جيش وطني واحد، وشرطة وقوات أمنية خاضعة للمساءلة ونظام سياسي مستقر واقتصاد قوي، يوفّر التعليم والصحة المناسبين لشعبه إضافة لكونه جذابًا للاستثمار الأجنبي".

وتعتبر الورقة أن "التحدي في سورية هو بناء نظام سياسي تتمكن فيه مختلف مناطق البلاد والجماعات من العيش في سوريا بسلام ضمن إطار سياسي واحد" وهو "تحدٍّ أكبر بعد التصدعات التي خلفها الصراع الأهلي طويل الأمد".

وأشارت إلى أن "دستور عام 1973 يعطي سلطات واسعة للرئيس، وسلطات محدودة فقط واجتماعات قليلة لمجلس الشعب في سورية، ويمكن للرئيس الحد من تلك السلطات أيضًا، إن الحزب الواحد، يشغل غالبية المقاعد في مجلس الشعب، وتقدم الانتخابات خيارات محدودة للناخبين، ويقوم الرئيس بإدارة كل من الحكومة والحزب، ويحتفظ بسيطرة كاملة على الأمن القومي" واعتبرت أن "الدستور المعدّل في عام 2012 المفضّل لدى الحكومة، جلب نوعًا من الانفتاح والتحديث للدولة السورية" وأفادت الوثيقة أن أغلب المعارضة تفضّل العودة لدستور عام 1950، الذي تم اعتماده في مرحلة الاستقلال ويضم أحكامًا مرتبطة بحقوق الإنسان ونظامًا حكوميًّا برلمانيًّا في مجمله، والذي يمكن أن يشجّع أكبر عدد من اللاجئين على العودة". 

وتساءلت الورقة هل يمكن لشكل من أشكال اللامركزية الإدارية للمحافظات، والمجالس المحلية أن يضمن وحدة البلاد، والحفاظ على الخدمات المقدّمة حاليًّا، بينما يتم تجنُّب خطر تقسيم سوريا.

واعتبرت موغريني في ورقتها أن هذا النوع من اللامركزية بإمكانه أن يشمل: الإدارة وخدمات الشرطة (بحيث يسهل من إعادة دمج "الميليشيات المحلية")، الخدمات الصحية، والتعليم (وجود منهج تعليمي وطني، ولكن ربما يتم توفير خيار التعليم باللغات المختلفة: الكردية الآرامية، إلخ) والثقافة، ثم طرحت أسئلة مثل: "هل يعتبر هذا النوع من لامركزية الدولة في سوريا أمرًا مرغوبًا به؟ كيف يمكن تجنُّب الوقوع في التقسيم أو تشجيع الانفصال؟ ما هي مسؤوليات الدولة التي بالإمكان إسنادها على أساس لامركزي: الصحة، التعليم، الثقافة، الاستثمار، المواصلات، الشرطة، وغيرها".

وبالنسبة إلى "المُصالَحة"، العنصر الثالث في "سوريا المستقبل"، اعتبرت الورقة الأوروبية "إعادة بناء الثقة بين مختلف الجماعات في سوريا مهمة كبرى، ولكنها ضرورية حتى تبقى البلاد موحدة، ويكون النظام السياسي التمثيلي مقبولًا من قِبل الجميع" وسألت عن "بدء العمل على المصالحة على المستوى المحلي، من خلال نشاطات المجالس المحلية، ومجموعات المجتمع المدني والديني، والآليات التقليدية لحل النزاع لدى مختلف الجماعات".

وتناول العنصر الرابع إعادة إعمار سوريا "بمجرد بدء تنفيذ الانتقال السياسي؛ إذ من المستبعد أن يقدم أي من مستثمري القطاع الخاص أو المؤسسات الدولية المساعدة قبل ذلك" وأضافت: "آفاق إعادة الإعمار تشكّل حافزًا هامًّا للتوصُّل لاتفاقية سلام، ولا بد من البدء بالتخطيط منذ الآن للتمكُّن من التنفيذ السريع، كما يتطلب ذلك إشراك الجماعات السورية، باعتبار أن إعادة الإعمار من الأسفل للأعلى ستكون أساسية للنجاح ولتفادي الفساد وعدم الكفاءة، وسيكون الاتحاد الأوروبي مستعدًّا لتقديم مساهمته لكل من الاستقرار السريع في مرحلة ما بعد الصراع وإعادة إعمار على المدى الطويل في مرحلة ما بعد الصراع في سوريا، لدعم عمل المؤسسات السورية". 

وكان رئيس الائتلاف الوطني السوري أنس العبدة التقى موغريني في بروكسل في 18 من الشهر الجاري، ويعتقد أنها سلمت وفد المعارضة السورية نسخة من هذه الورقة التي نوقشت أيضًا خلال جولة المسؤولة الأوروبية في الشرق الأوسط ضِمن "مقاربة إقليمية لحل القضية السورية".