أنا نهبت البلد


مصطفى علوش – ميكروسيريا

كنتُ أبحث عن بداية مشوقة تجعل القارئ يتابع مادتي حتى النهاية، فلم أجد أفضل من أن أحدثكم عن سرَ شخصي حفظته سنوات طويلة، ومفاده أنني أنا شخصياً من نهب البلد وسرقه، ولكن كيف؟

قبل الجواب عن هذا السؤال سأحدثكم عن مدير الناحية الذي سرق لي بدونات المازوت الجديدة، ولكنه للأمانة باعني في شتاء العام قبل الماضي المازوت بسعره الرسمي، والحقيقة أنه لم يلوث يديه بالمازوت إنما ترك لعناصر الشرطة هذا الأمر وللزبائن الكرام وعندما راجعته بالأمر قال لي (شايف والله نسيت خبّرك أخوي استعار منك بدونات المازوت).

كان شتاء ذلك العام قاسي ومرعب، وكنت أهجس كما بقية السوريين الصامدين بالغاز والمازوت والراتب، ولأنني أعمل في صحافة البغال، عفواُ صحافة النظام، كنتُ أعرّف عن نفسي أمام أي مسؤول حتى ولو كان عريف بالجيش بأنني صحفي، ومدير الناحية للأمانة رجل طيب، خلوق، خريج حقوق، ولكنه مدير ناحية واكتشفت أن مازوت الناحية كله عنده أي في المخفر، وحدث أنه ساعدني مرة في تأمين جرة غاز لبيتي وعندما انتهت قلت سأعود إليه من أجل جرّة أخرى، حيث كان تأمين جرة غاز يحتاج إلى بارودة روسية وألف طلقة خارقة حارقة، وأنا مو خرج الحرب والمعارك الكبرى.

دخلت إلى مكتبه فوجدت فيه عدد من قيادات البعث المحلية واللجان الشعبية و شخصيات البلد الأمنية أي المخبرين، سلّمت عليه وجلستُ، فشعرتُ أنه خاف مني، فسألني: خير شوفي يا أستاذ؟

قصده بالأستاذ أنا طبعاُ قلت له جئت أسلم عليك وإذا كان بالإمكان تحكي لي مع أبو فلان بياع الغاز من أجل تأمين جرة غاز، فضحك وقال: والله فزعتني اعتقدت أن هناك أمراً آخر، (اكتشفت أن هذا الاجتماع التاريخي الدوري مخصص من أجل توزيع المازوت المخصص للناحية لهذه الشخصيات التاريخية)، هنا قال لي: إذا عندك بدونات فارغة ممكن نبيعك خمسين ليتر مازوت،  خلال دقائق تحولت لعدَاء رياضي و جلبت له (بدونان) وحق النفط السوري كانوا جديدين،أعطيت البدونات للشرطي في المخفر فعرفت أن المخفر صار عبارة عن محطة لبيع المحروقات، في اليوم التالي أخذت الخمسين ليتر ولكنهما معبأين ببدونين للشرطة، فرغتهما في خزات المازوت الفارغ و أعدتهما للمحطة، عفواً للمخفر.

طبعاً يومها كان يمكن لي أن أنشر هذه الفضائح الصغيرة في جريدة تشرين التي تقودها المقاتلة رغداء مارديني ولكن كان عليَ فقط أن أجعل مدير الناحية شخصية تركية والشخصيات الأمنيةالتي كانت تجلس معه شخصيات قطرية أو اسرائيلية، وكان متاح لي ذلك ولكني فضّلت  (الطفيش) من البلد لأنشر هذا الأمر هنا  في موقع ميكروسيريا.

في أول المقال قلت لكم سأحكي لكم كيف نهبت البلد وأنني أنا سبب كل الفساد السوري، والآن آن الأوان، فعندما كنت أخدم في جيش أبو مخطة خدمتي الإجبارية وضعتني (واسطتي) في موقع (رقيب مجند مدير مكتب العميد) ويومها كان تحت ايد العميد سبع عساكر حولهم لخدم لسيادته منهم عسكري من الحجر الأسود كان يشتغل بتهريب الكاسات والفناجين، وآن أوان تسريحه، طلبتُ منه أن يبيعني طقم فناجين 12 فنجان قهوة، في هذه الأثناء سيادة العسكري أخذ إجازة التسريح من العميد وغاب ليعود في يوم التسريح ومعه ستة فناجين فقط وسعرهم كان 75 ليرة سورية، وحاولت جاهداً إعطاؤه حقهم فرفض بطريقة عربية عسكرية رسمية فشعرت بالامتنان منه، وبلعت ريقي باعتبار ذلك رشوة، في البيت اكتشفت المقلب حيث كان كل فنجان شكل، وصحن كل فنجان مختلف عن الآخر، يعني الفناجين بيشبهوا طبيخ الشحادين.

طبعاً في تلك الأيام كانت محاربة الفساد على أشدّها وأنا خفت على هذه القضية الهائلة من الإنفضاح فسكت كل هذه السنوات، وها أنا أعترف بأني أنا سبب الفساد السوري برمته، وأحمد الله أنني الآن في ألمانيا وإلا لكانت عدالة الفساد السوري، عفواً القضاء السوري، قد لاحقتني بتهمة الرشوة.

حالياً أبحث عن مصالحة وطنية مع النظام بحيث أدفع للخزينة العامة ثمن ستة فناجين قهوة ولكن بالمقابل أطلب من النظام أن يحصل لي من  مدير الناحية ثمن بدونات المازوت الفارغة أو يعيد لي بدوناتي، بذلك تكون سوريا قد صارت نظيفة وخالية من المرتشين “أنا ومدير الناحية”.