إيران “الثورة”… إرهاب الفكر والسياسة
28 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
حسام عبد الرزاق
تشكل إيران “الثورة”، بما تمثّله من ثقل سياسي وجيو سياسي واقتصادي وثقافي وعسكري، خطرًا يتعدى جوارها العربي إلى المنطقة برمَّتها.
الخطر الذي تمثله هذه الدولة الكِسرويَّةُ، المستترة بلبوس الدين ورجالاته، ينطلق من دستورها، فبعد قيام “الثورة الخمينية” المذهبية المنغلقة عام 1979، اتخذّت من المذهب الشيعي، والذي هو اجتهاد الفقيه وفهمه للنص الديني، دينًا للدولة؛ حيث جاء في المادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني ما بعد “الثورة الخمينية” أن: “الدّين الرسمي لإيران هو الإسلام، والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة تبقى إلى الأبد، وغير قابلة للتغيير”؛ بل إن دستور الجمهورية الإيرانية يشدد على أن هذا المذهب هو أساس التشريعات في الجمهورية الناشئة ما بعد الثورة؛ حيث جاء في المادة الثانية من الدستور الإيراني: “يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس الإيمان بالإمامة، والقيادة المستمرة، والاجتهاد المستمر من قبل الفقهاء جامعي الشروط”، ولا شكَّ في أن هذه الشروط لا يمكن أن تجتمع -في حال من الأحوال- في غير فقهاء مذهب الدولة، المعتمد كدينٍ رسميٍّ لها، دون غيرهم من فقهاء المذاهب الإسلامية الأخرى.
السابقة الايرانية
إن هذا النص القاضي بجعل مذهبٍ معيَّن من المذاهب دينًا رسميًا للدولة، لم تُسبق إليه إيران الخمينية قطُّ؛ إذ لم ينصَّ دستور أي دولة من الدول العربية، أو غير العربية المحيطة بإيران؛ فضلاً عن غيرها من الحكومات والبلدان، على أنّ دين الدولة فيها مذهب أو فهم أو اجتهاد معيَّن، فمثلًا لم ينص دستور الدولة في الباكستان، الملاصقة لإيران حدودًا، والتي يتعبَّد أغلب سكانها بالمذهب الحنفي، وهو أحد المذاهب الفقهية المتَّبعة عند أهل السُّنَّة، على أن المذهب الحنفي هو دين الدولة الرسمي، وكذلك لن تجد نصًا دستوريًا في دولة من الدول العربية، كالكويت مثلًا، والتي يتعبَّد غالبية مواطنيها بالمذهب المالكي، ينصُّ على أن دين الدولة هو مذهب الإمام مالك بن أنس، فهذه السابقة الفارسية الإقصائية للآخر لن تجدها إلا في إيران ما بعد “ثورة الخميني”.
إن هذه النصوصَ الدستورية والقانونية الجائرة أدت إلى إبعاد كلِّ من لم يتبنَ فكر الدولة ومذهبها الرسمي، وهؤلاء الذين يشكّلون نحو 35 بالمئة من مجموع السكان العامِّ محرومون من حقوقهم السياسية والثقافية، في ظل التوجُّهِ الخميني الفارسي الذي قَنَّنَ عدم الاعتراف بالآخر في نصٍّ دستوري، لا يجوز المساس به أبدًا، لذلك؛ تجد في إيران “الديمقراطية ” أن المسلمين السُّنَّة -مثلًا- لا يمثلهم تحت قبة البرلمان الإيراني- الذي يدَّعي ساستُهُ منذ قيام الثورة الخمينية أنهم يسعون للدفاع عن الإسلام بمذاهبه كافة– أكثر من 18 نائبًا من أصل (290) نائبًا، وهو عدد نواب مجلس الشورى الإيراني الذي يسيطر عليه المحافظون والمتشددون والمعمَّمون ذوو الفكر الإقصائي الظلامي؛ علمًا أن نسبة المسلمين الذين لا يدينون بمذهب الدولة الرسمي يبلغ نحو 25 بالمئة من مجمل السكان، وكذلك بقية الأقليات من المسيحيين واليهود والمندائيين والزردشتيين، والذين يمثّلون ما يقارب 10 بالمئة من التعداد السكاني، لا يمثلهم في مجلس الشورى أكثر من 5 نواب ، مع أن في ذلك مناقضة صريحةً لنصِّ المادة 19 من دستور الجمهورية، والتي تنصُّ على “أن أفراد الشعب الإيراني- من أي قومية أو قبيلة كانوا- يتمتعون بالمساواة في الحقوق، ولا يعتبر اللون أو العنصر أو اللغة أو ما شابه ذلك سببًا للتفاضل”.
تفتيت الداخل
إن هذه الأفكار المسمومة والمشوَّهة، التي امتلأ بها الفكر الإيراني ما بعد “الثورة الخمينية”، فضلًا عن كونه عاملًا في تفتيت الداخل الإيراني، من جهة عدم الاعتراف بالآخر، وإن كان ينتمي إلى الدِّين ذاته؛ إلا أنه لا ينتمي إلى فهم النصِّ على طريقة المذهب الرسمي للدولة– ذاتُ أثرٍ سلبيٍّ جدًّا على علاقات إيران بجوارها عمومًا، والعربيِّ منه على وجه الخصوص.
لقد أضحت إيران الخميني اليوم، ومن خلال هذا الفكر السلبي الذي زخر به دستورها وقوانينها السيادية، دولةً معاديةً لكلِّ من لم ينتهج نهجها، أو يخضع لسياساتها، أو يتبنى فكرها.
فمنذ قيام “الثورة الخمينية” في إيران وحكوماتُها المتعاقبة تسعى إلى ما يسمى بـ “تصدير الثورة” إلى البلدان المجاورة، فقد ورد في مقدمة الدستور الإيراني: “لقد أتمَّ مجلس الخبراء المؤلف من ممثلي الشعب تدوين هذا الدستور في مستهلِّ القرن الخامس عشر لهجرة الرسول الأكرم، على أمل أن يكون هذا القرنُ قرنَ تحقق الحكومة العالمية للمستضعفين وهزيمة المستكبرين كافَّةً”، وما هذا النصُّ الدستوري إلا دليلٌ واضح، لا يحتاج إلى تأويل أو تفسير، على أن نهج إيران الخمينية في مرحلة ما بعد الثورة هو تصدير مبادئ هذه الثورة؛ لإقامة “الحكومة العالمية”– كما سمَّاها منظرو المنهج الثوري الخميني في دستورهم– وهذا يعني السعيَ إلى هزيمة “المستكبرين” في نظر الجمهورية الخمينية الناشئة ، ولا شكَّ في أن من أوائل هؤلاء المستكبرين في الأرض هي الحكومات العربية المجاورة، التي حاولت إيران -منذ تفجُّر ثورتها إلى اليوم، استعداءَهَا من خلال تدخلاتها التي لا تقف عند حدٍّ في شؤونها الداخلية، وذلك؛ بالسعي إلى استمالة بعض أصحاب النفوس الضعيفة، ودعمهم لإنشاء “كنتوناتٍ” موازيةٍ للحكومات القائمة، أو “لوبيات” تسعى إلى تحريك دفَّة المجتمع نحو التفكك والانهيار؛ لتُرسَم المنطقة على المقاس الفارسي الخميني، وبالتالي؛ تقوم “الحكومة العالمية” التي ينشدها الخمينيُّ وأتباعه.
“ظُلمات المدنية”
إن أول من جعل الإرهاب وتصديرَهُ قانونًا ملزمًا للحكومة والدولة والمجتمع، من خلال دستور وضعه عدد من معمَّمي الفرس، ذوي الاتجاه الواحد والنمط الفكري المشوَّه، هي إيران ما بعد ثورة أصحاب العمائم والقلوب السوداء، وذلك عبر نصوصٍ تُلغي وجود الآخر، وإن جَمَعهم معه دينٌ واحد؛ فضلاً عن أولئك المخالفين في العقيدة والمنهج والتفكير، وتكريس هذا الفكر الإقصائي والتوسعي، والذي يَعُدُّ العالَم بلا الولي الفقيه وفكره “النَّيِّر” كالبهائم التي ترتع ولا راعي لها، ولذلك؛ كان لا بُدَّ من “تصدير الثورة” لانتشال الناس من “ظلمات المدنيَّةِ” إلى نور ولاية الفقيه المعمَّم، ولأجل تنفيذ هذه الأجندة الخمينية، يُهمَّش الملايين من الإيرانيين، ويُقتل الآلاف في بلاد العرب بأيدي عملاء إيران في المنطقة العربية، الذين يحاولون استنساخ الثورة الخمينية في بلادنا.
إن إيران -اليوم- هي الدَّاء العضال الذي يجب أن يُوجد له الدواء النافع الناجع، قبل أن يتمكَّن من جسد العالَم، وعلى شعوب الأرض -قاطبة- أن تقف صفًّا واحدًا في وجه هذا الفكر الظلامي الإقصائي المعادي للإنسانية جمعاء.
وإذا كان قَدَرُنَا نحن -العربَ- أن نكون في صف المواجهة الأول؛ للدفاع عن الإنسان، أيًّا كان معتقده وتوجهه ضدَّ هذا الفكر المخيف الداعم للإرهاب العالمي، فعلينا أن نكون على قدر المهمة، وبحجم المواجهة، وإلا سنكون أوَّلَ من يندم على التفريط والتخاذل، ومن ورائنا العالمُ كلُّه.
[sociallocker] [/sociallocker]