تطابق آلية العقلين: الإسلامي والعلماني في سورية


مضر الدبس

منعًا لأي التباس قد ينتج بسبب هذا العنوان الذي يمكن أن يُحمَّل بعدًا يفيد تطابق تيارين معروفَين –ومُعرَّفين- بتنافرهما وتناقض نتاجهما الفكري، لا بد من أن نبدأ بتثبيت النقاط المنهجية التالية:

أولًا: إن موضوع المعرفة غير آلياتها، ومن الممكن أن نستخدم الآليات العقلية نفسها في السير في مقاربة موضوعات معرفية مختلفة أو متناقضة. سنتعامل -هنا- مع آلية العقل والتفكير الإسلامي والعلماني في سورية، أو لنقل مع توصيف لملاحظة تفيد بتطابق المنهجية، وطريقة بناء الاستنتاجات والمواقف عند الإسلاميين، وعند العلمانيين السوريين.

ثانيًا: إن آلية العقلين: الإسلامي والعلماني في سورية (يمكن عدّ سورية -هنا- أنموذجًا للمنطقة بأسرها)، وملاحظة تطابق الآليتين ومحاولة نقدهما، هو ما سيكون موضوع هذا المقال. ولن يكون الإسلام والإسلاميون، أو العلمانية والعلمانيون موضوع طرحنا أو مقاربتنا.

ثالثًا: الإسلام والعلمانية، بوصفهما فضاءً فكريًا يحملان آلياتهما العقلية من داخلهما، وليست هذه الآليات ما سيكون موضع طرحنا، وإنما نتناول تلك الآلية المشتركة التي تفرض نفسها على التيارين بعد ان أنجزت -هي ذاتها- عملية إتمام تحويلهما إلى أيديولوجيات سياسية دوغمائية.

رابعًا: يستهدف هذا الطرح توصيف ظاهرة، وملاحظة أبرز سماتها باختصار، ويعترف بعدم شموليته؛ فلا يدّعي الجزم، ولا يقبل بالتعميم. وبالتأكيد، لا تشمل الأحكام كل الذين يسمون أنفسهم علمانيين، ولا كل الذين يسمون أنفسهم إسلاميين. ولكن يندرج الكلام في توصيف ظاهرة تشمل جزءًا منهم. ولا يمكن أن نتجاهل وجود فكر علماني وفكر إسلامي ناضج، يعي ذاته والآخر، ومتصالح مع نفسه ومع محيطه.

خامسًا: يقول كانط في كتابه “نقد العقل المحض”: “إذا اتفق أن وجدت كلمة واحدة، لا غير، لتعبر عن مفهوم معين، وكانت ملائمة جدًا في معناها المتعارف عليه بدقة لهذا المفهوم الذي من المهم جدًا ان يُميَّز عن مفاهيم أخرى قريبة منه، فمن المستحسن ألا نسرف في استخدام هذه الكلمة، وألًا نستخدمها مرادفة لمجرد التنويع،[…]، بل علينا أن نحافظ بعناية على مدلولها الخاص؛ لأنه، خلافًا لذلك، يحدث بسهولة في حال لم تعد العبارة تشغل انتباه القارئ بشكل خاص أن تضيع بين كمية من الألفاظ الأخرى ذات المعنى المختلف جدًا عنها، وتضيع أيضًا الفكرة التي بإمكان تلك الكلمة أن تؤديها وحدها.” وهذا -في الحقيقة- ما حصل لكلمة “العلمانية” في سورية والمنطقة عامةً؛ وقد ساهم الإسلام في أغلب دلالاته الفكرية والاجتماعية والسياسية في هذا الانفلات الدلالي لكلمة العلمانية. وذلك يمكن أن نلاحظ: كما أنه لا يوجد إسلام واحد بل “إسلامات”، لا نجد علمانية واحدة بل “علمانيات”. ويمكن أن نلاحظ حجم الابتذال في استخدام هذا المصطلح (بل المصطلحين كليهما).

بعد هذا التثبيت المنهجي، يمكن أن نلاحظ تطابق آلية العقلين: الإسلامي والعلماني في سورية، كما يلي:

أخيرًا، ربما يكون من أخطر ما تؤدي إليه هذه الآلية المشتركة في التفكير هو إنتاج التصنيف الهوياتي أو الانتمائي؛ بحيث يتعمق الفرز (هم ونحن)، ثم يتطور إلى نزاع وحروب لا لشيء جوهري، بل إن سببًا كـ “ناقة البسوس” قد يكون كافيًا لفوضى عارمة، أو حربٍ طاحنة لا يخسر فيها إلا الإنسان. فضلًا عن تحويل الأنظار عن هدف السوريين الأساسي في الحرية والكرامة، وإسقاط الاستبداد والتسلط والطغمة الحاكمة.




المصدر