‘توماس دوفليشي دولانوفيي*: نحو محور مستقبلي يجمع إسرائيل وإيران وتركيا’
28 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
هديل مرعي الحسين
يعتقد المؤرخ توماس دوفليشي دولانوفيي أن القضاء على الدولة الإسلامية يمر عبر حلف مع الدولة الإيرانية التي تحارب قواتها الخاصة وميليشياتها داعش في الشرق الأوسط.
نظرة شاملة نحو عالم تعاد هيكلته
- أوروبا وفرنسا تواجهان موجات من المهاجرين القادمين من أفريقيا والشرق الأوسط، كما كتبت في كتابك (الهجرات الكبرى لا تهدم إلا المدن الميتة) الصادر عن دار LAUBE عام 2016. الحضارة الفارسية نجت وعاشت على الرغم من مرور ألف عام من الهجرات، فهل سيستطيع بلدنا أن ينجح في هذا التحدي؟
- تبدو فرنسا متعبة وكأنها في آخر أنفاس السباق بسبب هذه الهجرات، علمًا أن الثقافات القوية هي وحدها القادرة على دمج المهاجرين إليها.
في الغرب بشكل عام، يظهر أن غياب الوعي الحقيقي بالذات، وغياب الوعي بالهوية، وغياب أهلية الناس لتمثيل ثقافتهم، يجعل من اندماج الأقليات أمرًا صعبًا، ويجبر هذه الأقليات على أن تبذل جهدًا استثنائيًا، حتى يتم دمجها في المجتمع، فينجح بعضهم في الاندماج على الرغم من هذا المحيط والمناخ الصعب العدائي.
ان مؤشرات ثقافتنا المختلفة من (الإبداع، نوعية الانتاج الفني، القدرة على التجديد وعلى تجاوز المصاعب، ثقتنا بأنفسنا) كلها مؤشرات غير ملائمة، وليست إيجابية.
سأضرب مثالًا: نعرف من التجربة أن تدريس المواد الفنية مثل الرسم والمسرح، هي مواد جوهرية في المساعدة على تكوين نخبة خلاقة، وقادرة على التجديد والابتكار، فهذه المواد لم تعد موجودة في مناهج مدارسنا الكبرى التي تتوجه نحو تدريس تقني، ما يجعلنا ندخل في نظام مجمّد، يقوده أناس لا يمتلكون بُعد النظر، يعدّون العلوم الإنسانية موادّ من دون أهمية.
- إن الصورة التي ترسمها عن مجتمعنا مروّعة، فهل يستطيع هذا النظام الميت أن يولد من رماده؟
- نعم، ولكن هذا يوجب تغييرًا في الطبقات الحاكمة، ولمواجهة هذه الفوضى، لابدّ من صعود النخب الحية الشجاعة، المسلحة بنظرة جديدة وخيال واسع. ولابد من وصول هذه النخب اليوم إلى جهاز الحكم والسلطة. نخب مكوّنة من حرفيين، ومفكّرين مستقلين، وأرباب عمل مؤسسات صغرى ومتوسطة، ومزارعين، مواطنين من المهاجرين قد يستطيعون أن يخلقوا مجتمعًا جديدًا.
والتاريخ علّمنا أن النخب غير الخلاقة وغير القادرة على التجديد، تستطيع أن تحظى بتأجيل سقوطها، ولكن انهيارها سيكون مسألة وقت فقط.
منذ ذلك الوقت كان هناك مهاجرون سوريون
- وكأننا عدنا الى عهد انهيار الإمبراطورية الرومانية القديمة، لقد كتبت مرة إن الشعوب تواجه الهجرات بالعداء، بينما تباركها النخب الراغبة في تطويل عمر سلطتها. فهل يعيد التاريخ نفسه؟
- بالفعل؛ ففي القرن الثاني قبل الميلاد، اعتمد أصحاب الثروات الكبرى الرومانية على العبيد والمحررين من المهاجرين اليونانيين خصوصًا، وكذلك المهاجرين السوريين (منذ ذلك الوقت كان هناك مهاجرون سوريون) على حساب الرومانيين الأصليين الفقراء.
- ولكن ما مصلحة نخبنا التكنوقراطية في جلب هذا العدد من المهاجرين؟
- إن هذه النخب تعرف جيدًا أن دول أوروبا في حاجة إلى إصلاحات اقتصادية جذرية، حتى تستطيع مواجهة التنافس الدولي والقوى المنبعثة اقتصاديا مثل الصين والهند. إن أوروبّا التي أصابتها الشيخوخة في حاجة إلى إصلاحات إسعافية، وتعلم النخب أن هذه الإصلاحات ستواجَه برفض شعبي، وتعتقد أن فتح الحدود للمهاجرين سيسمح لها أن تقوم بإصلاحاتها، على الرغم من هذا الرفض الشعبي. إنّ تفرقَ بعض المجموعات الإثنية التي تعيش في أوروبا عن بعضها الآخر، سيمنع وحدتها لمواجهة هذه الإصلاحات والتغييرات.
الحرب المضحكة
- بعد هجوم (باتكلان)، نادى فرانسوا هولاند، ومانويل ڤالس بالوحدة الوطنية حول محاربة الإرهاب، ثم عزّزا قواتهما، وضرباتهما للدولة الإسلامية في سوريا والعراق، فما رأيك في هذه الإستراتيجية؟
- في مواجهة الدولة الإسلامية؛ فإن الغرب يقوم بما سيسميه المؤرخون بعد عشرين عامًا (الحرب المضحكة)، صحيح أن الحرب دقت أجراسها، لكن الأميركان أعطوا أوامرهم الواضحة: ممنوع تفجير الشاحنات الناقلة للبترول التابعة للدولة الإسلامية، والتي تنتقل بين آبار نفط الدولة وتركيا، بحجة أن سائقي هذه الشاحنات من المدنيين، وليسوا من أتباع داعش.
إن كانت داعش موجودة اليوم في سورية والعراق، فذلك لأن القوى الدولية والمحليّة في المنطقة تجد مصلحتها في وجود داعش هناك. وعلى الرغم من ذلك، فإن وضع داعش سيتعقد، فالأراضي التي يسيطر عليها تضيق، ومشروعها بربط ليبيا ببوكوحرام باء بالفشل، بفضل جهد الجيش الفرنسي، ولكن علم داعش سيبقى مرفوعًا ولو رمزًا؛ فقوة داعش الأساسية تكمن في استمرار قدرتها على تنظيم تفجيرات مذهلة في أوروبا. وعلى الرغم من أن هذه التفجيرات لا تخلف عددًا كبيرًا جدًّا من الضحايا كما يحصل في الحروب، لكن صداها النفسيّ مهمّ جدًّا.
- حتى نربح الحرب النفسية، لا بدّ لنا من التعاون مع قوى مسلحة تحارب معنا داعش، لماذا تدافعون وتصرون على إستراتيجية (الورقة الشيعية) والتعاون مع الشيعة وحدهم مع إقصاء الآخرين؟
- إن كنا نريد أن نخوض حربًا، فلا بدّ لنا أن نختار صفوفنا وحلفاءنا، وخصوصًا إن كنا نريد أن نحارب بهم من دون الاضطرار إلى إرسال جنودنا إلى أرض المعركة. من بين القوى الثلاث المحلية المتنافسة في المنطقة هناك (إيران- تركيا- السعودية)، وحدها إيران قادت حربًا فعلية وحقيقية ضد داعش في سورية والعراق. أما تركيا والسعودية فقد تركتا داعش تكبر وتتطور لأسباب داخلية، ثم عادتا إلى محاربتها، عندما صارت تهدد أمنهما، وتهدد بتفجيرات على أراضيهما. استيقظ الأميركان وفهموا ذلك، لكنّ الفرنسيين حتى الآن يميلون إلى اختيار القوى السنية في المنطقة.
الشرخ الثقافي والديني بين العرب والفرس كبير
- هل توافق على أن إيران والأحزاب الشيعية العراقية التابعة لإيران، تتحمّل المسؤولية الثقيلة في تهميش السنة في العراق، ما ساعد في تقوية داعش؟
في الأشهر الأخيرة تفاقم النزاع بين العراقيين. أعرف أن الجرائم التي يرتكبها الشيعة ليست أقل وحشية وفظاعة من تلك التي يرتكبها السنة، ولكن ما يهمنا نحن في الأمر هو أن النظام السوري وإيران هما وحدهما من يقاتل داعش. وفي رأيي، أنّ الغرب أهمل -جيوبولتيكيًا- إيران التي تمثّل للعالم الإسلامي ما مثّلته اليونان للإمبراطورية الرومانية. إن بلاد الفرس أعطت أهم رجال العلم والمفكرين ورجال الأدب الإسلامي، فمن الخطأ اهمال أقدم وأهم دولة إسلامية في الشرق الأوسط، والدولة الوحيدة التي قد تكون الثقل الذي يوازن سياسيًا ودينيًا وثقافيًا ثقل داعش.
- أعتقد أن الطريقة المناسبة لإفشال داعش تكمن في مصالحة بين القوى السنية والشيعية في المنطقة، فهل تعتقد أن لقاء بين الرياض وطهران ممكن؟
- يبدو لي أن هذا التوافق واللقاء صعبان، فإن الشرخ الثقافي والديني بين العرب والفرس كبير، وكذلك بين السنة والشيعة، ولو أن هناك بعض نقاط التقارب؛ فبعض القبائل العراقية الموجودة في العراق قبل الإسلام نفسه تنقسم الآن إلى سنة وشيعة. أما من وجهة نظر استراتيجية فإن قطر -مثلًا- تتقاسم مع إيران ثروة غازية مهمة، وهي تلعب دور الوسيط الدبلوماسي بين القوى السنية والشيعية في المنطقة، وكذلك تفعل سلطنة عمان. وعلى المدى الطويل، لابد لنا أن نعتمد على تحالفات غير عربية، هي بمنزلة جزر سلام يمكن لها أن تتحالف معنا، وهي تركيا وإسرائيل المهددة دائمًا، ولكنها لاتزال حية، وإيران هذا البلد الضخم الذي يسير بثقة نحو مستقبله.
ليس بين إيران وإسرائيل خصومة حقيقيّة
- لكن إيران وتركيا تتواجهان في سوريا بميليشيات تتقاتل في ما بينها. وإيران، على الرغم من اعتدالها النسبي في قضية برنامجها النووي، إلا أنّها لم تتخلَّ حتى الآن علنًا عن موقفها من الدولة الصهيونية.
- دعنا لا نلتفت إلى هذا الزبد الظاهر للعيان؛ فإيران وتركيا مثلًا، وعلى الرغم من خلافهما الجيوبوليتيكي الحالي، فإن تعاونهما الاقتصادي تضاعف في السنين العشر الأخيرة. وإن التقارب التركي مع روسيا سيسمح لروسيا بتقريب الخصوم السياسيين في المنطقة.
أما بين اسرائيل وإيران فليس هناك خصومة حقيقية، إنما هي منافسة، والمنافسة ليست تكنولوجية وعسكرية كما يقال كثيرًا، ولكنها منافسة ثقافية. إيران كما هي إسرائيل، هما قوتان خلاقّتان استطاعتا غزو العالم بقدرتهما على التجديد، وبمواهبهما الشعرية. والإسرائيليون يعرفون أن الإيرانيين ذوو خيال واسع، وهم أقل قابلية للسيطرة عليهم من السعوديين مثلًا؛ لذلك، فإنّ خيار التقارب بين إسرائيل وإيران هو الخيار الأنسب. فاليهود والفرس لم يتوقّفوا عن التعاون معًا على مرّ التاريخ الطويل.
11- يا لهُ من تفاؤل، وبما أننا نتخيل المستقبل؛ فلو وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فهل ترى انسحاب أميركا من الشرق الأوسط ممكنًا؟
- إن السياسة الخارجية الأميركية انهارت تحت ثقل تناقضاتها، فأميركا عاشت فترة طويلة بوهم أن قوتها المالية تعفيها من التفكير. غير أن الذكاء السياسي في المنطقة يعمل ويتطور، وهو في طور تحضير انتقام رهيب من أميركا وسياستها. والتقارب التركي الروسي هذا الصيف شاهدٌ على هذا الانتقام. ولكن، مهما كان موقف أميركا المقبل من العالم العربي الإسلامي؛ فإن الدول التي حطّمتها السياسة الأميركية كليًّا صار من الصعب إعادة بنائها. ومن دون التعاون مع تركيا واسرائيل وإيران؛ فمن الصعب الوصول إلى السلام في الشرق الأوسط. وهذه المغامرات العسكرية الأخيرة، تعطي هذا الغرب الانطباع الواهم أنه قوة لا يمكن أن تُمَسّ.
هذا الوهم بالنصر وهم خاطئ؛ ففي الواقع إن التوسع العسكري للحضارات هو المؤشر الأول على ضعفها، فإن غزو الإسكندر المقدوني لإمبراطورية فارس، بدا ذا أثر كبير، ولكنه كان فاتحة موت المدن اليونانية.
*مؤرخ وأكاديمي فرنسي، مختص بالشؤون الإيرانية، له (الدولة الإسلامية وتشريح الخليفة الجديد) 2014، و(الهجرات الكبرى لا تهدم إلا المدن الميتة) 2016.
اسم المقالة الأصلي Vers un futur axe Israël-Iran-Turquie? الكاتب* Daoud Boughezala- داود بو غزالة مكان النشر وتاريخه CAUSEUR
أيلول- 2016 رابط المقالة http://www.causeur.fr/daech-islam-israel-iran-turquie-39921.html المترجم هديل مرعي
[sociallocker] [/sociallocker]