علم النفس اللّوني والربيع السوري “المُبرّقع”
28 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
عادل رشيد
يرغب بعضهم، من متابعي حركة تطوّر ومسيرة الربيع العربي، عدّ الربيع منطلِقًا من “الثورة الخضراء” في إيران عام 2009، والحقيقة أن هذه الرغبة لا تشكل قضية خلافية قط؛ إذا عدَدْنا أن الربيع العربي انطلق من تونس الخضراء؛ وبدايته في الحالتين كلتيهما، كانت خضراء.
إذا كانت رمزية المفهوم السياسي الثوري لمصطلح “الربيع” تعني التغيير والتجدد والبعث والنهضة، فإن هذا المفهوم يتسق تمامًا، ويحاكي منطق الطبيعة، وحقيقة أن الدلالة الأولى والأهم، لفصل الربيع هي تعدد الألوان وتنوعها، وعلى رأسها الأخضر.
ربما ليس مصادفة -قطُّ- أن بدأ الربيع السوري من حوران الأبية؛ مهد الثورة ومهد الأهزوجة الشعبية الملونة “طير أخضر طير “مُبرقع”… بالليل يا عيني بالليل”، والتي حملت كلمات مطلعها ألوانًا بالغة في دقة تطابقها -دلاليًا- مع الواقع السوري الراهن؛ الأخضر، “المُبرقع”، الأسود.
أتت الخطوة اللاحقة في مصير ربيعنا السوري “المُبرقع”، مع قرار هيئة الألوان المتحدة، بتعيين السيد “الأخضر” موفدًا دوليًا خاصًا إلى سورية، في أيلول/ سبتمبر 2012، وذلك خلفًا لسلفه “الأسود”، بينما كان الأصفر القلق أمينًا عامًا لهيئة الألوان المتحدة منذ 2007، وجددت له ألوان الطيف الدولي كافة مهماته الرئاسية، بعد انتهاء صلاحيته في 2011، حتى 2016، ما يعني أن هذا الأصفر قد أرخى سدوله القلقة على أخضرنا، بكل أنواع الهموم؛ لنبتلي بالأحمر الذي صبغنا.
تجدر الإشارة -هنا- إلى أن الأحمر كان دائمًا حاضرًا، وبقوة، منذ بداية الأخضر، ولمّا يزل حتى الآن. في هذا التوقيت، كان النزاع قد بلغ أشدّه حول راية الدولة، فانقسمت الجماهير بين الأحمر والأخضر. ويجب التنويه في هذا السياق، إلى أن الأطباء المختصّين في طبّ العيون يؤكدون أنّ المرضى المصابين بعمى الألوان، باستطاعتهم أن يميّزوا بين لونين فقط، هما الأخضر، والأحمر، مع وجود بعض التشويش في نقائهما.
يشير علم النفس اللوني، أو علم “سيكولوجيا” الألوان، إلى تأثير اللون على المشاعر والسلوك البشري، ويؤكد هذا العلم الجديد نسبيًا، أن لدينا أربعة ألوان نفسية أساسية، وهي، الأحمر، الأزرق، الأصفر، الأخضر. الأحمر يرتبط بالجسم، والأزرق يرتبط بالعقل، بينما الأصفر يرتبط بالعواطف، والأخضر يعبّر عن التوازن بين تلك الألوان الثلاثة.
وفي محاولة بسيطة لمطابقة واقعية هذه الألوان على واقعنا السوري الراهن -دلاليًا- نخلص إلى حقيقة أنه واقع “مُبرقع” تمامًا؛ فالأجساد الممزقة حمراء فعلًا، مثالنا أجساد ضحايانا، ووجوه أصحاب العقول النيّرة وحكماؤنا زرقاء، ولله الحمد (مع اختلاف شدة الزُرقة باختلاف حجم المخ، أو كثافة اللّحية وطلاقة اللسان)، مثالنا في هذا، سياسييّنا ومشايخنا وبعض مثقفينا، ليأتي الأصفر العاطفي، وهل هناك أكثر اصفرارًا وأِشد قلقًا وأحرّ عاطفة من رئيس هيئة الأمم الملونة؟! أما الأخضر -في هذا المقام- والذي يعبّر -بحسب علم النفس اللوني- عن التوازن بين تلك الألوان الثلاثة، متوسطًا ألوان الطيف، فلا أظنّه ينطبق -بتاتًا- على السيد الأخضر الإبراهيمي، خصوصًا أنه قد فشل في تحقيق هذا التوازن. أعتقد أن الأخضر الذي وازن معادلة الأجساد الحمراء الممزقة، مع الأشخاص الزرق العقلاء، مع الهيئات الصفراء القلقة، إنما هو الدولار الأميركي، بلونه الأخضر المتّقد.
استطرادًا في الحديث عن اللون الأخضر، بوصفه سيد الألوان في أي ربيع، لقد صَنّف الباحثون في علم الألوان كلّ لونٍ بحسب طول موجته، وبحسب طاقته وأشعّته المنبعثة منه؛ فاتّصف من يحبّ هذا اللون بأنّه الأكثر محبّة، وهو حاضر لخدمة البشر، ويفضّل الهدوء، ويتّصف -أيضًا- بأنّه لطيف الطباع والمعشر، ويحبّ التميّز، إضافة إلى أنّ صفة التسامح هي الغالبة على طباعه، وهو إنسان حليم، وليس صعبًا على أحدٍ أن يثق به. ربّما يعود هذا الأمر إلى الطريقة البسيطة التي يتعامل بها مع الناس، ولابتعاده –أيضًا- عن الغموض؛ فهو شخص واضح. يبدو أنه -من هذه النقطة تمامًا ومن هذا المنطلق بالذات- جاء استخدام وتوظيف باص النقل الداخلي الأخضر الطويل في ترحيل البشر وتهجيرهم عن ديارهم! فللون الأخضر تأثيره الفعّال على حالات الغضب والتعب أو الأرق، إنه يعطي الشعور بالراحة، ويسهم في تخفيف ضغط الدم. ومن هذا التفصيل نتلمّس محبّة ولطف وتميّز وتسامح وحُلم ووضوح مُرسل الباص الأخضر.
أما في ما يتعلق بالأبيض، وبحسب علم النفس اللوني طبعًا، فهو الخليط الجامع الحاوي لكل هذه الألوان مجتمعة. وإذا ما أمعنّا النظر في مقابلة اللون الأبيض ودلالته وتوقيعه على الحال السوري، نرى –فعليًا- أن بوتين الأبيض الملحوظ، قد وضع كل تلك الألوان في “الخلاط”؛ فخفقها وابتلع جميعها؛ حتى أسودها طبعًا! هنا، يعيدنا اللون الأسود إلى الأهزوجة الشعبية الحورانية، في جزئها الذي يقول: “بالليل يا عيني بالليل”؛ لنلاحظ أن أربعة عناصر سوداء كالليل، طرأت على الواقع السوري في ربيعه “المبرقع”: السيد كوفي، المستر أوباما، داعش وأخواتها، والبرميل. لا أعتقد من الضروري -هنا- العودة إلى علم النفس اللوني؛ للدلالة على البعد النفسي للأسود، فهو أوضح من أن يُحلَّل ويدلل عليه، لكن من الضروري -ربما- العودة والوقوف، وتحليل ومعرفة كيف طار الأخضر، وبقي “المبرقع”؟ ولماذا لم “يهدّي” الأخضر فوق أزرع؟! … بالليل يا عيني بالليل…
[sociallocker] [/sociallocker]