استحقاقات فلسطينية لا بد منها!


علي الكردي

يأتي “اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني” في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر، مع وجود استحقاقات صعبة، تواجه العمل الوطني الفلسطيني، فهل يتضامن أصحاب البيت (السلطة والفصائل) مع شعبهم؛ لمواجهة تلك الاستحقاقات، قبل انتظار تضامن الآخرين معهم؟!

الاستحقاقات

إنهاء الانقسام الداخلي بين الضفة وغزة، هو أول تلك الاستحقاقات؛ إذ على الرغم من كل المؤتمرات والمناشدات خلال السنوات العشر الماضية؛ من أجل المصالحة الوطنية، وإعادة اللحمة، فقد تكرّس الانقسام، وتعمقت تداعياته السلبية، مع تشديد الحصار على غزة، وقضم المستوطنات لأراضي الضفة الغربية، وجمود العملية السياسية، وتبخُّر فكرة حلّ الدولتين التي باتت في مهبّ الريح، إضافةً إلى تزايد الفجوة بين الجماهير الفلسطينية من جهة، وكل من السلطتين في غزة والضفة الغربية من جهة أخرى، بالتالي؛ انحسار النضال الجماهيري الفلسطيني ضد الاحتلال إلى أدنى مستوياته، مع شيوع حالة من الخذلان، واليأس من أداء السلطة الفلسطينية، وفصائل العمل الوطني والإسلامي، ولا سيما مع تزايد الفقر والبطالة، والصعوبات المعاشية… في مقابل ارتفاع وتائر الفساد والقمع والتهميش الذي تمارسه السلطتان؛ كي تُحافظ كلٌّ منهما على دائرة نفوذها!

تزداد –للأسف– الصورة قتامةً، إذا أضفنا إلى ما سبق تداعيات الوضع العربي المتردي على القضية الفلسطينية في ظل سياسة المحاور والاستقطابات ذات المرجعيات المتناقضة.

أعلنت مصر -خلال الأيام القليلة الماضية- عزمها استضافة جلسات جديدة للحوار الوطني الفلسطيني الشامل؛ بهدف البحث عن مخارج لمسألة الانقسام، وتحقيق المصالحة الوطنية.

بطبيعة الحال، تأتي المبادرة المصرية انطلاقًا من تخوفات النظام المصري ممّا يجري في غزة من تطورات، وصلت “طراطيشها” إلى سيناء، مع تفاقم النشاط المعادي للحكومة المركزية المصرية، بالتالي؛ فإن مصر معنية بالمحافظة على أمنها القومي، والمبادرة لا تخرج عن هذا السياق، لكن السؤال هل تنجح المبادرة المصرية الجديدة في إيجاد حلّ للانقسام، أم ستكون كمثيلاتها من المبادرات السابقة؟!

هناك في الحقيقة، أكثر من علامة استفهام حول المبادرة. أولًا، لماذا وجهت الحكومة المصرية الدعوة إلى رمضان شلّح، زعيم حركة الجهاد الإسلامي، وليس إلى “حماس” مباشرةً، علمًا بأن الدعوة موجهة إلى كل فصائل العمل الوطني والإسلامي. هل توجيه الدعوة عن طريق شلّح هو لإرضاء محور دمشق – طهران؟ بالتالي؛ ما تأثير المحاور الإقليمية على الفصائل الفلسطينية، ومرجعياتها الموزعة على تلك المحاور، التي باتت تتبلور على مستوى الشرق الأوسط ككل؟!

كيف يمكن للنظام المصري تجاوز حساسية العلاقة مع حماس، على خلفية صراعه مع الأخوان المسلمين الذي طال العلاقة مع غزة في السنوات التي تلت سقوط مرسي؟! لا شك في أن الوضعية برمتها بالغة التعقيد . إذ ثمة فتور في العلاقة –على الجهة الآخرى- بين النظام المصري والسلطة الفلسطينية، على خلفية احتضان مصر لمحمد دحلان وتياره المنافس لتيار رئيس السلطة الفلسطينية (أبو مازن). بالتالي؛ إذا كانت حركة فتح على أبواب عقد مؤتمرها السابع خلال أيام في ظل تحديات صعبة ومعقدة، وفي ظل محدودية الخيارات السياسية، فإن مخرجات هذا المؤتمر المحتملة لن ترتقي –على الأغلب– إلى مستوى التغيير والتجديد، أو إلى مستوى ضخ دماء جديدة للنهوض بالمسؤولية الوطنية المرجوّة، بل إن حركة “فتح” مهدّدة بتشققات جديدة، قد تعمّق الخلافات والانقسامات الداخلية، بدلًا من النهوض بالمشروع الوطني المعوّل عليه.

أساسًا، كيف يمكن التعويل على مؤتمر تقلصت عضويته إلى ما يقرب من نصف أعداد أعضاء المؤتمر السادس؟! ألا يؤشر ذلك على تراجع حركة فتح وحجم تأثيرها، كذلك، كيف يمكن لهذا المؤتمر أن يُعقد في أراضي السلطة الفلسطينية أصلًا، في الوقت الذي يحتاج أعضاؤه إلى موافقات من الاحتلال، ومن حركة حماس؛ كي يلتحقوا بالمؤتمر؟!

في ظل أوضاع كهذه، كيف تمكن المراهنة على استقلالية القرار، بل عن أي استقلالية يمكن الحديث مع واقع بائس كهذا؟!

بكل الأحوال، يدرك الفلسطينيون -بجميع فصائلهم- الثقل الجغرافي والتاريخي لمصر، وتأثيرها في الوضع الفلسطيني، لذلك؛ على الرغم من كل التناقضات، يمكن لمؤتمر المصالحة أن يُعقد في القاهرة؛ لأن حماس معنية بفتح معبر “رفح”؛ للتخفيف من الحصار على قطاع غزة. في المقابل، مصر معنية بمعالجة انفلات الأوضاع الأمنية في سيناء، وتدرك أن المفتاح في غزة، أي: ثمة مصلحة متبادلة للطرفين في تخفيف التوتر بينهما، لكن ليس من المؤكد أن يصل المؤتمر إلى حلّ جميع الخلافات المستعصية، خاصة أن دول الإقليم، وتحديدًا إسرائيل، ليس لها مصلحة في المصالحة الفلسطينية، وستظل تلعب على تسعير التناقضات الداخلية الفلسطينية، التي تعاني أساسًا من علاقات غير سوية بين فتح والسلطة من جهة، وبين شركائها في منظمة التحرير من جهة أخرى، إضافةً إلى خلافها العميق مع الحركات الإسلامية الفلسطينية.

تراهن السلطة الفلسطينية على الذهاب إلى مؤتمر المصالحة الوطنية في القاهرة، بعد عقد فتح مؤتمرها السابع، وبالتالي؛ تجديد شرعيتها (الديمقراطية)، اللهم إذا لم يُعقد مؤتمر سابع مواز، يكرّس الانقسام الفتحاوي، الذي بشرّ به النائب، أشرف جمعة، المحسوب على النائب دحلان؛ ما يعني تصعيد الصراع الداخلي والتشققات بوتائر أصعب مما كانت عليه.

ثمة استحقاقات أخرى يفرضها تصاعد نزعة اليمين العنصري المتطرف للحكومة الإسرائيلية، التي تجد في انتخاب “ترامب”، وصعود اليمين المتطرف في العالم فرصتها لممارسة مزيد من مخططاتها، والضرب بعرض الحائط بجميع ما يمس حقوق الفلسطينيين، ولعل الهدف الأعمق، والأبعد من وراء قانون حظر الآذان الأخير، المستفز لمشاعر المسلمين، هو حرف الصراع عن كونه صراعًا وطنيًا ضد الاحتلال، إلى صراع ديني، بما ينسجم مع الصراعات المذهبية والدينية المستعرة في أرجاء المنطقة؛ ما يصب -في نهاية المطاف- في صالح مطالبتها الاعتراف بيهودية الدولة.

 فلسطينيو الشتات

أخيرًا، ماذا عن الاستحقاقات الخاصة، بوضع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، ولبنان خاصة؟ من المفارقة أن يكون أول إنجاز للرئيس اللبناني الجديد هو بناء جدار عازل حول مخيم عين الحلوة، بذريعة مراقبة الإرهابيين. لكأن قدر الفلسطينيين هو: الجدران والغيتوات والمعازل. هذا مؤشر آخر للضعف والانقسام الداخلي الذي جعل اللاجئين الفلسطينيين مطيةً للقاصي والداني. الطامة الكبرى هي وضع اللاجئين الفلسطينيين في سورية، بعد تدمير مخيماتهم، ومأساة مخيم اليرموك، الذي باتت داعش تسيطر على معظمه، فيما تحاصر قوات النظام، وميليشياته محيطه، بعد تهجير معظم سكانه.

ثمة رائحة كريهة تفوح من الطريقة التي يُتعامل مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، وتقرير مصيرهم. أحد أهدافها دفن حق العودة إلى الأبد. هناك أطراف متعددة -على ما يبدو- متواطئة مع النظام للوصول إلى هذه النتيجة؛ ما يؤكد ذلك، هو إغلاق أبواب دول الجوار في وجه اللاجئين الفلسطينيين السوريين الهاربين من الموت، لدفعهم دفعًا باتجاه المنافي البعيدة، ويندرج في هذا السياق الموقف المشين للسلطة الفلسطينية من قضية اللاجئين الفلسطينيين في سورية، وصمتها المريب عما حلَ بهم بعد تهجير أكثر من ثلاثمئة ألف منهم، من أصل حوالي خمسمئة ألف إلى المنافي البعيدة.

المطلوب -إذن- التعويل على الذات أولًا، للنهوض بالمشروع الوطني، ومواجهة تلك الاستحقاقات. بعد ذلك؛ لا بأس من أي جرعات تضامنية إضافية، تكون بمنزلة زيت على زيتون، كما يُقال!




المصدر