on
المبادرة الأوروبية “مستقبل سورية” مراهقة سياسية
جيرون
لم تؤكد، أو تنفي، مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، ما تناقلته وسائل الإعلام عن مسودة وثيقة أوربية أعدتها مبادرةً للحل في سورية، تتضمن شكل “سورية المستقبل”، والخطوات المرتبطة بذلك.
تُشير الوثيقة التي تداولتها–في الآونة الأخيرة- بعض الصحف والمواقع العربية، إلى ضرورة العمل على بعض الأهداف، وهي “كيفية المحافظة على وحدة سورية وسيادتها”، وكذلك “المحافظة على المؤسسات الحكومية، بما فيها القوات العسكرية والأمنية، مع إصلاحها إصلاحًا كاملًا، ويكون عملها تحت إدارة مدنية”، مع “ضمان شعور جميع المجموعات بالحماية”، ثم “تنسيق جهد إعادة الإعمار ما إن يبدأ انتقال سياسي شامل”، وضمان “ألا تصبح سورية ملاذًا خصبًا للإرهاب”. يستند الانتقال السياسي إلى مفاوضات على قرار مجلس الأمن 2254، لأجل أن تكون “سورية لجميع السوريين، مع وحدة وسلامة أراضيها”، وإنشاء حكومة “تخضع للمساءلة ضمن إطار نظام سياسي تعددي”، بحيث “يتمتع المواطنون بحقوق متساوية”، مع سيادة “القانون والحقوق واحترامهما”، و”يجب” أن تشعر مكونات الشعب السوري كافة، العرقيّة والدينية أن هوياتها محميّة، ولها الفرصة نفسها بالوصول إلى الحكم، في ظل نظام سياسي مُستقر واقتصاد قوي، جاذب للاستثمار الأجنبي، ويؤمن فرص التعليم والصحة والخدمات الأخرى.
ترى الوثيقة أن الوضع النهائي يجب أن يتضمن “نظامًا سياسيًا يخضع للمساءلة، ولا مركزية إدارية، ومصالحة وطنية، وإعادة إعمار”، وهي تتساءل عن كيفية بناء نظام سياسي تنفيذي، مع نظام رقابة برلمانية، تُفسح المجال لمشاركة جيّدة من السوريين في العملية السياسية، وإن كان ذلك يحتاج لضمانات بإيجاد حصص لمكوّنات المجتمع السوري، “النساء والأقليات”، مُشيرة إلى رغبة العديد من قوى المعارضة بالعودة لدستور 1950.
ذكرت الوثيقة أن “اللامركزية الإدارية للمحافظات ومجالسها المحلية”، هي متمم “للنظام البرلماني، يُساعد في الحفاظ على وحدة سورية”، عادّةً أن ما يجري حاليًا قوّض السلطة المركزية، وأوجد مناطق تتمتع بحكم وإدارة ذاتية، تساهم بتقديم خدمات أساسية للمواطنين، ورأت أنه من خلال اللامركزية، سيجري “استيعاب الميليشيات المحلية، ضمن خدمات الأمن الداخلي”، كذلك إدارة مسألة التعليم والصحة والثقافة، لتدعيم تلك “الخطوات بعملية إعادة الثقة بين المكونات السورية المختلفة، عن طريق مصالحة وطنية شاملة”.
لفتت الوثيقة إلى أن مرحلة إعادة الإعمار مرتبطة بمرحلة الانتقال السياسي، وهي الحافز لذلك الاتفاق، ويجب المباشرة بالتخطيط لتلك المرحلة، وبآلية تبدأ من الأسفل للأعلى؛ لتفادي الفساد، وأكدت على أن الاتحاد الأوروبي سيساهم مساهمة فاعلة؛ للوصول إلى الاستقرار السريع من خلال دعم المؤسسات السورية.
طرحت فيديريكا موغيريني في قمة الاتحاد الأوروبي، تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خطّة تستند إلى فتح حوار مع القوى الإقليمية كافة، السعودية وإيران وتركيا، وأطراف أخرى لديها مصلحة ونفوذ داخل سورية، من أجل التمهيد لانتقال سياسي، والدفع نحو المصالحة وإعادة الإعمار، وحفظ مقوّمات الدولة، وعدم تجزئتها من خلال صيغة لامركزية الإدارة.
والتقت موغريني قبيل القمة الأوروبية بعض قادة المعارضة لترى رؤيتهم حول مستقبل سورية، منهم رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، أنس العبدة، ورئيس “هيئة التنسيق الوطنية السورية”، حسن عبد العظيم، ويحيى القضماني، ممثلًا عن “الهيئة العليا للمفاوضات”.
تتقاطع المسوّدة مع مخرجات مؤتمر فيينا، تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، الذي نصّ على “وحدة سورية واستقلالها، وعلمانية الدولة، والإبقاء على المؤسسات الحكومية، وصيانة حقوق السوريين كافة، بحسب قومياتهم وعقائدهم، وتقديم المساعدات الفورية، وضمان وصولها إلى الأماكن كافة، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وإطلاق مفاوضات بين الحكومة والمعارضة؛ للوصول إلى حكومة ذات صدقية وصلاحيات كاملة، وتعديل الدستور، وإجراء انتخابات بإدارة دولية”.
تأتي المسودة الأوروبية الآن، في وقت تراجع فيه الاهتمام الدولي بما يجري للشعب السوري، من تنكيل النظام الروسي به، مقابل الاهتمام بمحاربة تنظيم الدولة (داعش)، حيث استطاعت القوى الداعمة للنظام تعويم تلك الفكرة، مع تردّد، وعدم جديّة، مجموعة أصدقاء الشعب السوري.
فمنذ تشكيل مجموعة أصدقاء الشعب السوري، بدا أن المجتمع الدولي يسعى لتمييع الحل السياسي، وتحويل الثورة ومطالب الشعب السوري بالحرية، إلى مسألة إنسانية، تتعلق بالإغاثة والمساعدات، والقفز على المسميّات والتوصيفات التي ضمنها القانون الدولي، لأجل تعويم النظام السوري إلى أطول فترة ممكنة، ومن هنا نفهم -أيضًا- ما تكلم به المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان ديميستورا، في الفترة الأخيرة، بأن بشار الأسد لن يوافق على التنازل عن السلطة، ولا حتى تقاسمها مع حكومة وبرلمان، وكأن ديميستورا يُشير إلى أن سقف أمنيات السوريين يجب ألّا يتجاوز ظل بشار الأسد، وللأسف، أن تأتي -الآن- التسريبات عن مسودة مشروع أوروبي، بلا أدوات أو آلية أو حِرَفية، لتدلّ على أن الأوروبيين قد تراجعوا -سياسيًا- إلى حالة المراهقة، كما يمكن عدّهم أشبه بناشطي المجتمع المدني، مع فارق أن الناشطين يديرون مؤسسات خيرية أو تثقيفية، تفدم خدماتها المباشرة لمحتاجيها، وما هذه المسودة التي تناقلها الإعلام سوى مشروع هواة، أو لنيل تمويل لأجل إقامة معرض أو ندوة، بينما التاريخ يسجل في صفحاته صمود وكبرياء شعب، أمام أعتى آلة حرب تقف أمامها ثورة مفصلية في تاريخ الشرق الأوسط، وربما العالم.
المصدر