المشهد الفلسطيني البائس والمتردي


خالد أبو عيسى

29 تشرين الثاني/ نوفمبر، هو اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرار برقم (40 – 32 ب) في 2 كانون الأول/ ديسمبر عام 1977، وبناء عليه أصبح العالم يحتفل بهذا اليوم من كل عام؛ تضامنًا مع الشعب الفلسطيني.

يُقيم المؤمنون بعدالة القضية الفلسطينية -في هذا اليوم من كل عام- الفاعليات التضامنية والمهرجانات السياسية والندوات الثقافية، يستذكرون فيها مأساة الشعب الفلسطيني التي بدأت خيوطها تتأسس على يد وزير الخارجية البريطانية، آرثر جيمس بلفور، الذي وعد اليهود بوطن قومي لهم في فلسطين، برسالة وجهها إلى اللورد ليونيل وولتر دي روتشيلد، في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، أي قبل الاحتلال البريطاني لفلسطين بشهر، وتحقق هذا الوعد في أيار/ مايو 1948، وكانت بداية استفحال المأساة الفلسطينية؛ التي أصبح يُطلق عليها -منذ ذلك اليوم- نكبة فلسطين، حين احتلت العصابات الصهيونية معظم الأراضي الفلسطينية، بإشراف الانتداب البريطاني ورعايته، وشرّدت أكثر من 900 ألف فلسطيني خارج بلاده، واستكملت احتلالها لفلسطين في حزيران/ يونيو 1967.

على الرغم من كل ما يفعله ناشطو العالم في يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني من كل عام، إلا أن مأساته لا تزال حاضرة إلى أيامنا هذه، لكن بأبعاد كارثية أسوأ مما كانت عليه، فالأمم المتحدة، ومنذ أن طُرحت القضية الفلسطينية في أروقتها وأجندتها، لم تتمكن من أن تفعل لهم أي شيء يذكر، في ما يتعلق بحل قضيتهم، أو حتى بداية انفراج يمكن أن يلوح في الأفق، فلم يحصل الشعب الفلسطيني على أي من حقوقه التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، في إنهاء الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة، وحق العودة للفلسطينيين الذين شُرّدوا من أراضيهم عام 1948، وتقرير المصير.

تأتي الذكرى 39 ليوم التضامن -هذا العام 2016- والمشهد الفلسطيني يمر في حالة تراجع وانكفاء غير مسبوقة على مستوى الخطاب السياسي الرسمي الفلسطيني والعربي والدولي، ويبدو فيه أن حل الدولة الفلسطينية بات شبه مستحيل، يصعب تحقيقه في ظل التعنت الإسرائيلي تجاه ذلك، وصعود اليمين في أميركا، الداعم المطلق لليمين العنصري الإسرائيلي، بزعامة بنيامين نتنياهو، وتعاظم العنصرية في دول أوروبا، وما يحصل في الدول العربية من ثورات الربيع العربي الساعية للتغيير الاجتماعي فيها، وقيام قوى مضادة لها بحرق الحجر والشجر وكل معالم البشر؛ من أجل الحفاظ على كراسي الاستبداد، إضافة إلى خيبة الأمل التي أصابت الفلسطينيين بعد سقوط قناع (المقاومة والممانعة) عن وجه بعض الأنظمة التي كانت تدعي تحرير فلسطين، واكتشاف أن ذلك الشعار لم يكن يُستخدم من تلك الحكومات إلا كورقة تُبرّر فيها قتل شعبها، مستغلة تعاطف شعوبها مع القضية الفلسطينية. تكاد تلك الأمور مجتمعة أن تُبدّد الحلم الفلسطيني للاجئين بحق العودة وتقرير المصير، والعيش على أرضهم، وتأمين الحياة المستقرة لهم، أسوة بشعوب العالم.

يضاف إلى ما تقدّم، ما يعانيه الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر من ويلات، في ما يتعلق بقضايا الوطن والأرض والهوية، بسبب الهجمة الشرسة التي يمارسها اليمين الصهيوني المتطرف في إسرائيل، في سعيه إلى يهودية الدولة، وبالتالي؛ إلغاء أي اعتراف بالحق التاريخي للفلسطينيين بفلسطين.

في ما يتعلق بالأوضاع داخل أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، وقطاع غزة، يُعاني الفلسطينيون فيها أوضاعًا معيشية سيئة جدًا؛ نتيجة استفحال فساد رموز السلطة، وتعاظم الانقسام داخل صفوف معظم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، ويحدث هذا في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي، واستمراره في بناء المستوطنات الإسرائيلية على حساب الأراضي الفلسطينية، وخصوصًا في القدس الشرقية، وإقامة الحواجز بين مناطق ومدن وقرى الضفة الغربية، دون أي اكتراث بكل المقررات الدولية التي تقر بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، والتي أصبحت مجرد سراب بعيد المنال، ولهذا يواجه الفلسطينيون حصارًا جائرًا وقمعًا تمارسه السلطات الإسرائيلية عليهم، ما أدى إلى ابتعادهم عن الأحاديث السياسية التي كانت بمنزلة خبزهم اليومي، فهي لم تعد تعني لهم شيئًا أمام ما يعانونه من أجل الحصول على قوتهم اليومي، ومواجهة الأوضاع الاقتصادية المرتدية، وانشغالهم بالتفكير في كيفية عبورهم الحواجز، وخاصة معبر غزة على الحدود المصرية، الذي لا يُفتح من السلطات المصرية إلا في المناسبات.

سيكون يوم التضامن العالمي -هذا العام- يومًا باهتًا وليس استثنائيًا، كما جرت عليه العادة، إذا لم يؤخذ بعين الحسبان مصير الشعب الفلسطيني الذي بدأ يفقد ثقته بكل شيء، السلطة والمقاومة والأنظمة العربية المترهلة، والمجتمع الدولي الذي يتراجع أمام صعود نزعات التعصب.




المصدر