د. عبد الحميد الأنصاري يكتب: الخوف من الحرية والخوف عليها


د. عبد الحميد الأنصاري

إذا كانت مجتمعاتنا تخشى الحرية، توهما أو مظنة فتنة وفساد وانحراف ومروق وعصيان وانفلات، فإن مجتمعات أوروبا وأميركا تعيش اليوم حالة معاكسة هي «الخوف على الحرية»، إثر صعود نجم الأحزاب القومية اليمينية الشعبوية المعادية للقيم الليبرالية، ووصول رموزها إلى السلطة.

عقدت مجلة عالم الفكر الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت، ندوة فكرية متخصصة حول “حرية الفكر” حضرها نخبة من المتخصصين، شملت محاورها: مفهوم الحرية وأهميتها، الفكر العربي المعاصر، العلاقة بين الفكر والحرية، معوقات الفكر الحر، رؤية مستقبلية لحرية الفكر، وأدار الندوة بأريحية واقتدار المؤرخ الكويتي المعروف الدكتور عبد المالك التميمي، مستشار التحرير.

جاء عقد هذه الندوة في هذا الوقت الذي تشهد فيه مجتمعاتنا وأوروبا وأميركا نوعاً من التضييق على الحريات الفكرية متمثلة بأبرز تجلياتها: حريات الرأي، الحريات الفكرية من أهم الحريات للإنسان، وهي عزيزة عليه، لا يستغني عنها، فالإنسان ينشد العدالة وحرية الرأي والعقيدة والعبادة، ويحس لحرمانه منها بمرارة تفوق ما يقاسيه من أي مشقة أخرى، فالإنسان لا يعيش بالخبز وحده.

كما أن الحريات الفكرية ضرورة أساسية لإصلاح أجهزة الحكم، وتصحيح أخطائها، ومنع انحرافاتها، وتحجيم الفساد الإداري، وضمان استقلال القضاء، واستقرار الحكم، وازدهار العلم والمعرفة والفن، ورقي المجتمع في كل مجالاته، لكن الفكر الحر، وهو أثمن ما وهبه المولى تعالى للإنسان، يواجه العديد من المعوقات التي تحد من فاعليته، على مر التاريخ وإلى اليوم. ما معوقات حريات الفكر في العالم العربي؟

لقد تطرق المتحاورون إلى هذا المحور باستفاضة يمكن تلخيصها في ما يلي:

1- رسوخ التقاليد الاجتماعية المتوارثة، وهي مجموعة من الموروثات الحاكمة للعقل الجمعي لمجتمعاتنا.

2- سطوة الماضي الزاهر، قبضة الماضي ما زالت شديدة الوطأة على الفكر الحر، تصوغ عقولنا، وتتحكم في وجداننا، وتوجه سلوكياتنا، الماضي تاريخ وفيه ما يحمد وما يذم كأي تاريخ إنساني، أما الاكتفاء بتمجيده وتقديمه للناشئة، فهذا يشدهم إلى الوراء، ويعوق تفكيرهم المستقبلي.

3- نمط التنشئة التربوية السائد في مجتمعاتنا لا يعين على حريات الفكر.

4- النظام التعليمي القائم على الرأي الأحادي.

5- غياب الثقافة العلمية.

6- ضعف الاهتمام بتدريس مناهج الفكر النقدي والفلسفة.

7- ترهيب وسائل الإعلام الاجتماعي، للمثقف والمفكر والكاتب إذا خالف الرأي السائد.

8- عدم تعزيز الفردية، فالفرد محكوم بقبيلته أو طائفته أو حزبه الأيديولوجي.

9- وصاية بعض المؤسسات والهيئات الدينية وتدخلها في الحريات العامة.

10- إرهاب التنظيمات المتطرفة.

11- التكفير سيف مصلت على حرية التفكير.

12- الاستبداد السياسي.

13- الاستبداد الأيديولوجي: الأيديولوجيات عامة تشكل قيداً على حريات الفكر، طبقاً للدكتور عبدالله الجسمي، مستشار تحرير مجلة الثقافة العالمية.

15- الاستبداد البرلماني: ممثلاً في تشريعات تبالغ في تقييد حريات الرأي، أو تطالب بمصادرة كتب ومحاكمة أصحابها.

هذه المنظومة من المعوقات المتشابكة في مجتمعاتنا تعمل على زرع “الخوف من الحرية” كما عبر عنها، ببلاغة، عالم الاجتماع والسياسة الكاتب المعروف الدكتور محمد الرميحي.

وإذا كانت مجتمعاتنا تخشى الحرية، توهما أو مظنة فتنة وفساد وانحراف ومروق وعصيان وانفلات، فإن مجتمعات أوروبا وأميركا تعيش اليوم حالة معاكسة هي “الخوف على الحرية”، إثر صعود نجم الأحزاب القومية اليمينية الشعبوية المعادية للقيم الليبرالية، ووصول رموزها إلى السلطة، مما جعل بعض الكتّاب يشخص حالة الديمقراطية، بالأزمة.

ولا يفوت المراقب “لملتقى أثينا الرابع عن الديمقراطية” ملاحظة جو التشاؤم الذي خيم على الباحثين والناشطين والصحافيين والمسؤولين في الملتقى، لقد اتفقوا جميعاً على أن الديمقراطية كنظام حكم في خطر، وأن الليبرالية متمثلة بالحقوق المدنية للمواطنين، وحكم القانون، وحماية الأقليات، في وضع أصعب من أي وقت مضى.

أوساط الأحزاب اليمينية في القارة العجوز مبتهجة للخروج البريطاني وانتصار ترامب، وهي تعيش اليوم أزهى فتراتها، والقادم أعظم خطراً على الديمقراطية، حازم صاغية تنبأ بأن اليمين سيحكم أوروبا ما عدا ألمانيا، وهذا ما دفع الباحث البريطاني ديفيد غريبر إلى تساؤل: هل انتهى مشروع الديمقراطية؟ لا، لن تنتهي الديمقراطية، وهناك مقاومة أوروبية وأميركية للشعبوية، وسرعان ما تجدد الديمقراطية نفسها وتستعيد عافيتها.

المصدر: الجريدة

د. عبد الحميد الأنصاري يكتب: الخوف من الحرية والخوف عليها على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا