في معسكر طلائع البعث


فوزات رزق

عندما كان بلال ابن جيراننا بالصف الخامس كان لا يحفظ إلا نشيدين. يقف على الجدار الفاصل بين بيتينا مرتديًا لباس طلائع البعث الكامل، ويرددهما. النشيد الأول كان نشيد طلائع البعث، والنشيد الثاني كان:

ايها السائل عني   لا تسل إلا خبيرا

سل بي المستقبل الغامض ينبئك كثيرا

ربما صرت طبيبًا ربما صرت وزيرا

وكنا نضحك حينما يصل إلى قوله، ربما صرت وزيرا. وتقول زوجتي. يعني هالوزرا يلي عم يطلعوا هالإيام أحسن منه؟

جاءني والده في العطلة الصيفية وقال لي:

يا جارنا يا مسعود نريد أن نزور الولد في معسكر الطلائع، ونود أن تتفضل معنا، لترى بعينيك بلال الذي كنت تشكو منه دائمًا؛ لأنه يقلق راحتكم بأناشيده. الزوار الذين زاروا المعسكر نقلوا لنا أخبارًا مفرحة عنه. يقولون إن قائد المعسكر مبسوط منه كثيرًا، وقد أعجبته فصاحته؛ فعينه نائبًا له. وهو يتنبّأ له بمستقبل باهر، ويضيفون: “فرخ البط عوام. وهذا الشبل من ذاك الأسد.”

لم أشأ أن أخجل جاري، أبا بلال، فذهبنا معًا عصر يوم من الأيام. وحملنا معنا ما تيسر من المأكولات والمشروبات؛ كي ندعم موقف الولد أمام زملائه.

حين وصلنا المعسكر توجهنا إلى غرفة الإذاعة، وطلبنا من الولد الطليعي الذي يدير الإذاعة كي يناديه. وحين ذكر والده اسمه. قال الولد متفاجئا ومستغربًا:

ـ بلال الحبشي؟!. قال والده:

ـ لا يا ابني! شو بلال الحبشي؟!. نادي بلال الأحمد يا ابني. فقال الولد:

ـ أعرف، أعرف. صار اسمه هنا بلال الحبشي. من شان الله يا عمي ريحنا منه. من صباح الله، ومع آذان الفجر يقف في باحة المعسكر ويبدأ الأذان:

للبعث يا طلائع    للنصر يا طلائع

أقدامنا حقول     طريقنا مصانع

ونملأ الرايات في مواكب الطلائع.

ويا ويل يللي ما بيفيق يصلي. وضحك الملعون

بعد أن نودي على بلال في الإذاعة وقفنا ننتظر، وبعد قليل أقبل بلال ينفش ريشه كأنه جنرال. التفت والده نحوي وقال:

ـ بالله عليك أنظر؛ أليست مشيته مشية جنرال؟

أردت أن أجامله، فقلت له:

ـ إذا اعطاه الله عمرًا ربما يصبح جنرالًا كهذه الجنرالات التي نراها هذه الأيام.

وحينما وصل بلال بادرناه بالعناق والقبل. وافترشنا ما كنا قد حملناه معنا وجلسنا نتناول الطعام والشراب. وما كدنا ننتهي من طعامنا حتى أقبل ولد طليعي وأدّى التحية لبلال وقال:

ـ تحية العلم أيها الرفيق الطليعي.

نظر إليّ أبو بلال باعتزاز وهزّ برأسه. وأخذنا نتهيأ للانصراف. قال بلال:

ـ يجب أن تحضروا تحية العلم.

فوقفنا ننتظر، بينما انصرف بلال راكضًا. وما هي إلا دقائق حتى أخذت جحافل الطلائع تتوافد على ساحة المعسكر. وحينما اكتمل العدد وقف بلال أمام الجموع مثل ديك أم سامر، وأخذ كل عريف فرقة يقدم له فرقته

تقدم عريف الفرقة الأولى، وأدى التحية قائلًا:

ـ الفرقة الأولى جاهزة حضرة الرفيق الطليعي. فرد عليه بلال التحية بمثلها قائلًا: عفاك يا سبع.

ثم قدم عريف الفرقة الثانية فرقته. فرد بلال التحية قائلًا عافاك يا نمر.

وكان كلما تقدم عريف فرقة منحه لقب حيوان من تلك الحيوانات المفترسة. وحينما فرغت يده من جميع الحيوانات الرفيعة المستوى، أقبل عليه عريف الفرقة الأخيرة وقدم فرقته. ولما لم يجد بلال في جعبته حيوانًا محترمًا، أجابه قائلًا: عفاك يا ضبع. فضج المعسكر بالضحك.

بعد تحية العلم جاء بلال لوداعنا فقلت له:

ـ ألم تجد لزميلك الأخير غير هذا اللقب؟ فقال لي: من أين أخترع له حيوان محترم. خلصوا كل الحيوانات.

نظرت إلى أبي بلال مستهجنا وقلت له: الحق مع الولد كلها حيوانات.




المصدر