في يوم التضامن معهم.. فلسطينيو سورية خارج الحسابات


مهند شحادة

يحتفي العالم بيوم التضامن مع الفلسطينيين، مستخدمًا ما أمكنه من مهارات لغويّة؛ لإعادة إنتاج عبارات الصمود والمقاومة والبقاء، مع تغيير طفيف في شكل الحروف المستخدمة، إلى جانب تغيّر أسماء الناطقين بها وحسب، فيما يحاول الفلسطينيون، ولا سيما السوريون منهم، تحديد معالم نكبتهم الجديدة، وتفكيك حقول الألغام التي تحاصر حاضرهم، وتُسوّر المستقبل بما يكفي من ملامح الخذلان.

لن يحتاج الفلسطينيون السوريون -اليوم- إلى بيانات الشجب والتنديد ضد احتلال نكّل بأهلهم في الأرض المحتلة، وهو المسؤول الأول عن مأساتهم المتواصلة منذ ما يقارب القرن من الزمن، وربما هم بحاجة أكثر إلى إنسانية تتجلى في إنصافهم بعد كل ما حدث لهم على أيدي “الأنظمة القومية”، تلك التي اعتاشت لأكثر من 60 عامًا على ألوان علمهم الوطني.

وقال الناشط الاعلامي في مخيم اليرموك، أبو جهاد لـ (جيرون): “لا يمكن حصر ما خسره الوعي الجمعي الفلسطيني، المبني أساسًا على رواية شفوية تناقلتها الأجيال، من هزائم وضربات موجعة من جراء ما حدث لمخيمات سورية، هل يعنينا اليوم نحن أبناء مخيمات سورية يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني؟، بالتأكيد لا، الآن نحن نفكر بسؤال وجودي، هو: من نحن؟، نكبة الفلسطينيين التي تجددت في سورية، بفعل ممارسات الأسد الابن، ربيب الصهيونية العالمية، فاقت بكثير التداعيات السياسية والنفسية والاجتماعية لنكبة عام 48، نحن اليوم بالكاد نستطيع أن نلتقط أنفاسنا، ونحصي خساراتنا بعد فقد أهم العناوين السياسية لقضيتنا، المخيّمات”.

فلسطينيو سورية في أرقام

مأساة الفلسطينيين السوريين ليست مسألة مظلومية إنشائية مصطنعة، تُضاف إلى الرواية الفلسطينية التاريخية، بل تعزّزها إحصاءات وأرقام عديدة، تؤشر بوضوح إلى أن نظام الأسد فاق بإجرامه ما ارتكبه كيان الاحتلال الإسرائيلي من جرائم بحق الفلسطينيين.

وفي هذا السياق، أكدت مجموعة العمل “من أجل فلسطينيي سورية”، في تقرير صدر 26 الجاري، أن أعداد من هُجّر من فلسطينيي سورية فاق 152 ألفًا، أي ما يقارب 50 بالمئة من إجمالي عدد الفلسطينيين السوريين حتى العام 2011، منهم 15 ألف وخمسمئة وصلوا الأردن، في حين بلغ عدد من وصل إلى لبنان 42 ألفًا و خمسمئة لاجئ، بينما يوجد في مصر 6 آلاف فلسطيني سوري، ونحو ألف وصلوا قطاع غزّة، أما من وصل أوروبا، فقد تجاوز 79 ألفًا؛ حتى منتصف العام الجاري، في حين تشير إحصاءات المجموعة أن عدد الشهداء الفلسطينيين في سورية بلغ؛ حتى تاريخ اليوم، 3398 قتيل،ًا منهم 1519 قتيلًا في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين وحده.

في المقابل، وثق “مركز توثيق المعتقلين والمفقودين الفلسطينيين في سورية”، اعتقال أكثر من 12 ألف فلسطيني من أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، بينهم 765 طفلًا، ونحو 543 امرأة، قضى منهم 512 معتقلًا تحت التعذيب، بينهم 45 طفلًا، و59 امرأة، فيما لا يزال ما يقارب 1000 فلسطيني مفقودًا ومجهول المصير، بحسب المركز.

وعلى الرغم من أن بعضهم يؤكد أن الأرقام التي توثّق مأساة الفلسطينيين السوريين أكبر من ذلك بكثير، إلا أنها تبقى ركيزةً أساسية في إنهاء كذبة الأنظمة القومية الممانعة باسم فلسطين، ولعلّه، من هنا، يمكن التسليم بأن أبناء مخيمات سورية آخر ما ينتظرونه مناسبات معلّبة، معروفة نتائجها وخلاصاتها مسبقًا.

عن هذا الجانب قال الناشط الفلسطيني رفيق هادي لـ (جيرون): “آخر ما يحتاجه الفلسطينيون اليوم هو مؤتمرات التضامن المرتكزة على البيانات والخطابات. يحتاج الفلسطينيون اليوم في سورية أولًا الحماية الدولية التي تُمكّنهم من الحياة على الأرض السورية، وتحييد مخيماتهم عن الصراع، وإيقاف استهدافها وحصارها، إضافة إلى إيجاد مرجعية وطنية حقيقية تمثّلهم، وتمتثل لحاجاتهم، للمحافظة على من بقي منهم داخل سورية، والتضامن مع الشعب الفلسطيني، دون التضامن مع محنة المخيمات، والعمل على رفع المعاناة والقتل عن أبنائها، لا قيمة له، ولن يستطيع أن يمحو مرارة الخذلان الرسمي والشعبي الفلسطيني، والدولي عما جرى للمخيمات الفلسطينية”.

المخيّم فكرة لا تموت

ربما تتجسّد أهمّ ملامح نكبة فلسطينيّي سورية، في خسارتهم للحيز الجغرافي، بأبعاده السياسية، والتي كرسها المخيم على مدار عقود، مخيّمات سورية -الآن- تقريبًا أثر بعد عين، وهو ما ضاعف -إلى حدٍ بعيد- ذلك الجرح المزمن، والمتمثل بالحنين والعودة.

الفلسطيني السوري حاليًا يمر بحالة من التشويش المركّب على المستوى الفردي والجمعي، وينمو بداخله سؤال قد يتطلب أعوامًا قبل الإجابة عنه، هل الأولى -اليوم- التمترس بالمطالبة باستعادة المخيمات، بوصفها عنوانًا سياسيًا؟، أم الالتصاق بشعار حقّ العودة إلى فلسطين – الذاكرة والوطن؟، وبين هذين الظرفين المكانيين، إن صح التعبير، ثمة هاجس ثالث يفيد بأن الفلسطينيين السوريين -تحديدًا- بدؤوا التفكير وفق مرحلة ما بعد المخيم جغرافيًا وسياسيًا، في مسعىً لتجاوز آثار وتداعيات الشتات الذي أنتجته الأحداث السورية المتواصلة منذ أكثر من خمسة أعوام.

هنا، قال هادي: “على الرغم من كل ما تعرّض له الفلسطينيون في سورية، على مدار السنوات القليلة الماضية، من عمليات تهجير وتدمير وحصار، إلا انهم حافظوا على التزامهم بقضاياهم الوطنية، وأكدوا دائمًا على الانتماء لقضية الشعب الفلسطيني، وهذه ليست مجرد شعارات، بل كانت سلوكًا ممارسًا في مخيمات اليرموك وخان الشيح على سبيل المثال، حيث أحيا أبناء المخيمات معظم المناسبات الوطنية تحت الحصار والجوع والقصف، وعلى الرغم مما يمكن أن نسمّيه حالة الخذلان من الفصائل الفلسطينية، ومنظمة التحرير، سواء من ناحية صمتها عما جرى لهم، أو تواطؤ بعض تلك الفصائل في حصار وقتل شعبه”

بدوره قال أبو جهاد، أحد النازحين عن مخيم اليرموك: “هل انتهى المخيم؟ أعتقد أنه من الصعوبة بمكان التسليم بهذه المقولة، وربما نحتاج إلى جيلٍ آخر لم يُعايش المخيم، بما يكتنزه من أزقة الأحلام والطموحات الشاهقة؛ ليجيب عن مثل هذه التساؤل بتجرد وموضوعية، بالنسبة لنا، قد يكون المخيم بمعناه الجغرافي اضمحل أو لم يعد موجودًا، ولكن هذا لا يعني -بأي حال من الأحوال- أن المخيم انتهى؛ لأنه -ببساطة- فكرة، والفكرة لا تموت، من هنا ستجد معظم من هاجر من أبناء المخيمات، وأينما كانوا، يحملون معهم برد الخيام وقضاياها وتحدّيها، وذلك -بالتحديد- ما سيحرّك، أو يقود تفكيرهم خلال المراحل المقبلة لإعادة انتاج هويتهم المعنوية والسياسية، باختصار، نحن سنبقى نردّد على جدران الضمير العالمي عبارة درويش: حين يبتسم المخيم تعبس المُدن الكبيرة”.




المصدر