الانتخابات الأميركية وتداعياتها المحتملة على المسألة السورية
30 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
مركز حرمون للدراسات المعاصرة
المحتويات
أولًا: مقدمة
ثانيًا: المرشّح ترامب والمسألة السورية
ثالثًا: ترامب- بوتين والمسألة السورية
رابعًا: استخلاصات
في استشراف السياسة الخارجية التي سوف يعتمدها الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وكذلك في استشراف تداعيات انتخابه على المسألة السورية، قد لا يكون مفيدًا كثيرًا الانطلاق من التصريحات التي أدلى بها خلال حملته الانتخابية. وعلى الأغلب، وكما يميل كثير من المحللين، ستتحدد سياسة ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتجاه سورية أيضًا، بناءً على رؤية للمصالح الأميركية في المنطقة، وبناءً على مدى تأثير إسرائيل في صنع السياسات داخل البيت الأبيض وفي المؤسسات الأخرى الرديفة؛ كذلك الأمر، بناءً على ما يُمكن أن يتمّ التوصل إليه من تفاهمات مع روسيا حول الدور الذي يُمكن أن تؤديه في سورية خاصة، وفي شرقي المتوسط على وجه العموم.
أحدث فوز الملياردير ورجل الأعمال الأميركي، دونالد ترامب، المرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري في الانتخابات الأميركية التي جرى الإعلان عن نتائجها في التاسع من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، وعلى عكس ما أشارت إليه استطلاعات الرأي، مفاجأة كبرى في داخل أميركا وفي خارجها على حدّ سواء. وللوهلة الأولى، دخل العالم بعد إعلان هذه النتائج، في داخل أميركا وفي خارجها أيضًا، في حالة من الذهول.
فقد مثّل فوز ترامب قلقًا وتخوفًا شديدين لدى قطاع واسع من الأميركيين على خلفية مواقفه التي أفصح عنها في حملته الانتخابية، خاصة حين وصف معارضيه الذين يُشكّلون نصف الأميركيين على الأقل بأنهم مجرّد ليبراليين منحلّين أخلاقيًا، إضافة إلى ملامح نزعة عنصرية تبدّت في خطابه، خاصة تجاه المهاجرين، وموقفه من المرأة التي اعتبرها مجرّد سلعة للاستهلاك. وفي سابقة لم يشهدها تاريخ الانتخابات في أميركا، أخذت التظاهرات تنتشر في عدد من المدن الأميركية معبّرة عن احتجاجها على فوز ترامب، ومؤشرة إلى عمق الانقسام في المجتمع الأميركي.
كما أثار القلق والخوف لدى حلفائه في الخارج عندما لم يُخف إعجابه بنموذج الزعيم القوي المستبدّ، مهدّدًا بذلك القيم التي نهض عليها النظام الديمقراطي الليبرالي الغربي غداة الحرب العالمية الثانية، وعندما أثار حفيظة شركاء الولايات المتحدة الأميركية في حلف الأطلسي حين هدّدهم بالتخلي عن الحلف إن لم يستجيبوا لشروطه.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى خصومه وأعدائه الخارجيين الذين يتوجسّون منه كونه من النوع الذي يصعب التنبؤ بمواقفه.
غير أن هناك طرفين أبديا ابتهاجهما بهذا الفوز، الأول هو إسرائيل التي فرضت على ابتهاجها نوعًا من الصمت لأسباب تريدها، والثاني هو روسيا التي تجلّى ابتهاجها في مشهد احتفالي غير مسبوق في ما يتعلق بتاريخ الانتخابات في أميركا.
ثانيًا: المرشّح ترامب والمسألة السورية
ما يهمّنا في هذا الاستعراض، وما نودّ التركيز عليه، هو التداعيات المحتملة لفوز دونالد ترامب على المسألة السورية، وعلى مستقبل الأوضاع في سورية. وما يُقلق السوريين في هذا المجال أمران اثنان:
أ- يعود الأول إلى المواقف التي أطلقها المرشح الرئاسي دونالد ترامب إبّان حملته الانتخابية حول المسألة السورية؛ تلك المواقف التي تبدّت عن رؤية شديدة السلبية تجاه مصالح سورية وتطلعات شعبها بعد كل هذه التضحيات الجسام التي قدمها طوال ما يقارب السنوات الست في سبيل الانعتاق من الاستبداد، ومن أجل نيله حريته وكرامته، والفوز بدولة وطنية حديثة ومجتمع ديمقراطي تعددي.
صحيح أن تصريحات ترامب حيال المسألة السورية لم تكن واحدة، وكانت متباينة، وفي بعض الأحيان متناقضة، لكنها كانت دائمًا تتدرج نحو الأسوأ. ففي إحدى المناسبات المبكرة، أعلن ترامب أن “على دول الخليج أن تستخدم أموالها لحيازة مساحة واسعة من الأرض في سورية لتُقيم عليها منطقة آمنة للناس”؛ وفي مناسبة أخرى، في بداية الحملة الانتخابية، قال منتقدًا سياسة أوباما في سورية “لقد بدأت معاناة السوريين عندما لم يلتزم أوباما تعهداته، ولم يقم بمهماته التي كان ينبغي عليه تنفيذها عندما وضع خطًا أحمر للأسد، ولكنه تبين أنه خط وهمي للغاية، وكما تعلمون، فإن السوريين يعيشون في جحيم، الأوضاع لا تُطاق، وليس هناك شك في أننا يجب أن نقوم بشيء حيال ذلك”؛ في الوقت ذاته انتقد سياسة أوباما أيضًا واصفًا إياها بـ “المجنونة والغبية”، وقال في مقابلة أجرتها معه صحيفة نيويورك تايمز في تموز/ يوليو الماضي “إن تنظيم الدولة الإسلامية يشكل خطرًا علينا أكثر بكثير مما يشكل الأسد”؛ وقال بعد ذلك في المناظرة الرئاسية “أنا لا أحب الأسد على الإطلاق، ولكن الأسد يقاتل داعش، وروسيا تقاتل داعش، وإيران تقاتل داعش”، الأمر الذي يُمكن الاستنتاج معه أن الضغوط لن تكون على الأسد ولا على نظام الأسد، وأنه قد يستقرّ على رؤية مؤدّاها التفاهم مع بشار الأسد والتعاون معه في محاربة داعش.
وإذا صحّت الأنباء التي تتحدث عن اتصالات جارية بين ترامب وبوتين، خاصة بعد الإعلان عن فوز الأول بمنصب الرئيس الأميركي، فإن هذا يعني أنهما يستعجلان العمل معًا. غير أن ما يُقلق السوريين في هذا الأمر، هو أن يعتمد ترامب في البيت الأبيض سياسة خارجية تتطابق مع خطاباته الانتخابية، وتُساهم في تفاقم مأساتهم.
ب- ويعود الثاني إلى الكيفية التي سوف يتحدّد بها الموقف الروسي حيال سورية، والمستجدّات التي سوف تطرأ عليه، في عهد ترامب الرئيس وإدارته التي يجري العمل على تشكيلها في هذه الأيام.
ثالثًا: ترامب- بوتين والمسألة السورية
كان أمرًا لا يخلو من دلالة لدى السوريين، ذلك المشهد الذي تابعوه عندما اهتزّ مجلس النواب الروسي (الدوما) بالتصفيق في إثر إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، خاصة عندما يقبع خلف هذا المشهد تلك التصريحات التي كان دونالد ترامب المرشح قد أدلى بها إبّان حملته الانتخابية، وعبّر من خلالها عن إعجابه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وعن وعود أطلقها بـ “البحث في رفع العقوبات” المفروضة على روسيا، والاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء منها.
بعد هذا المشهد الاحتفالي، ما هي الإجراءات التي يُمكن أن يتخذها دونالد ترامب الرئيس تجاه روسيا بعد أن يتسلّم مقاليد السلطة في البيت الأبيض؟
من المؤكد أن أحدًا لا يملك الآن جوابًا عن مثل هذا السؤال، ذلك أن هناك ميلًا لدى معظم المراقبين والمحللين إلى أن دونالد ترامب من النوع الذي يصعب التنبؤ بخطواته، إضافة إلى أننا لا نعلم، حتى الآن، ما هي تصوراته للسياسة الخارجية الأميركية، فهو لم يُقدّم في حملته الانتخابية ما يُمكن الاعتماد عليه كثيرًا في هذا المجال.
ونظرًا إلى كونه، أي دونالد ترامب، لا ينطلق من خلفية أيديولوجية، ويتطلّع أكثر إلى “عقد صفقات”، فليس من المستبعد أبدًا أن يُقدم على عقد صفقة مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حول سورية، خاصة أن هناك قاسمًا مشتركًا بين الاثنين في رؤيتهما للمسألة السورية، تلك الرؤية التي تقصر المسألة على مواجهة الإرهاب والقضاء عليه، ولا تنظر إليها بدلالة كونها ثورة حرية وكرامة وانتفاضة شعب أراد التخلص من نظام مستبدّ استعبده وأذلّه وعانى من إجرامه طوال ما يُقارب نصف قرن من الزمن، وكان له الدور الرئيس في توليد هذا الإرهاب الذي يرتع في أرجاء البلاد.
لكن، هناك من يرى المسألة من منظار آخر. ديفيد نونيز، أحد المشرّعين الجمهوريين البارزين ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، وهو الذي جرى تعيينه في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري ضمن الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب، دونالد ترامب، قال في مقابلة مع مجلة (فورين بوليسي) “إن ترامب تمّ انتقاده بشكل غير منصف بسبب موقفه بشأن روسيا” وتوقع أن يُظهر الرئيس الأميركي المقبل حسمًا مع موسكو”.
لكن، ليس في وسعنا ألّا نأخذ في الحسبان أن دونالد ترامب المرشح لم يكتفِ بتوجيه بعض الكلمات الودية إلى الرئيس الروسي، بل ابتعد أيضًا بشكل لافتٍ عن التعرض له بشأن استيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم، أو بشأن سياساته تجاه أوكرانيا، أو فيما يتعلق بالحرب الجوية التي يشنها على سورية والسوريين دعمًا لبشار الأسد ونظامه.
بيد أن نونيز لا يرى في هذا شيئًا خارجًا على المألوف، خاصة في قول ترامب إنه “يأمل في أن يجد أرضية مشتركة مع موسكو”، وقال مخاطبًا الصحافي الذي أجرى المقابلة معه “فلتذكر لي وزير خارجية أو رئيسًا في الخمسة عشر عامًا الماضية لم يقل إننا سنعمل مع الروس، وأضاف قوله “نصيحتي لترامب وفريقه هو المضي قُدمًا بحذر”. هذا مع الأخذ في الحسبان هنا أيضًا، أن مرشحين كثرًا لفريق ترامب الحاكم يخالفونه الرأي في شأن موسكو، ويميلون إلى سياسة حازمة حيالها.
يُعزّز هذا الاتجاه ذلك الحذر الذي أخذت تُبديه موسكو بعد المشهد الاحتفالي بفوز ترامب. فقد نقلت وكالة أنترفاكس الروسية في الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، أي بعد أقل من أسبوع على نبأ إعلان الفوز، عن إيليا روجاتشيوف، المسؤولة في وزارة الخارجية، قولها “إن موسكو متشككة في الوعود التي قدّمها الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب، قبل الانتخابات بالتعاون مع روسيا في سورية”. وأضافت إلى الوكالة المذكورة قولها “إن ترامب لن يتمكن سوى من المضي قُدمًا في الأفكار التي توافق عليها المؤسسة والنخبة السياسية في الولايات المتحدة”.
وليس بعيدًا من هذه الدلالة إقدام مجلس النواب الأميركي على الموافقة في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري على مشروع قرار يفرض عقوبات جديدة على نظام بشار الأسد، كان البيت الأبيض مارس في السابق ضغوطًا على النواب الديمقراطيين من أجل عدم تمريره. وقال بيان صادر عن مكتب رئيس المجلس، بول رايان، بعد التصويت على القرار الجديد الذي أصبح معروفًا باسم (قرار قيصر) نسبة إلى المنشق السوري الذي هرّب إلى الخارج صور ضحايا التعذيب في سجون ومعتقلات النظام “إن نواب الحزبين الجمهوري والديمقراطي يدركون أهمية عزل نظام الأسد بسبب جرائمه المستمرة ضدّ الشعب السوري”.
كما ليس بعيدًا من هذا السياق أيضًا، تأكيد ترامب خلال حملته الانتخابية أنه سيعيد النظر في الاتفاق النووي مع إيران، الأمر الذي قد يُلزمه بالاصطدام معها في سورية.
أ- في استشراف السياسة الخارجية التي سوف يعتمدها الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وكذلك في استشراف تداعيات انتخابه على المسألة السورية، قد لا يكون مفيدًا كثيرًا الانطلاق من التصريحات التي أدلى بها خلال حملته الانتخابية. وعلى الأغلب، وكما يميل كثير من المحللين، ستتحدد سياسة ترامب تجاه منطقة الشرق الأوسط، وتجاه سورية أيضًا، بناءً على رؤية للمصالح الأميركية في المنطقة، وبناءً على مدى تأثير إسرائيل في صنع السياسات داخل البيت الأبيض وفي المؤسسات الأخرى الرديفة؛ كذلك الأمر، بناءً على ما يُمكن أن يتمّ التوصل إليه من تفاهمات مع روسيا حول الدور الذي يُمكن أن تؤديه في سورية خاصة، وفي شرقي المتوسط على وجه العموم.
ب- على الأغلب، لن يتسبب دونالد ترامب بمزيد من الضرر على المسألة السورية فوق الضرر الذي أوقعه بها باراك أوباما. لكن، إذا كان أوباما قد تنصّل من المسألة السورية، فعلينا ألّا نفاجأ فيما إذا انسحب ترامب منها.
جـ- يتطلب الأمر من المؤسسات التي تعمل باسم الثورة السورية عدم المغامرة بالانجرار إلى اتخاذ موقف سلبي من ترامب وإدارته المقبلة، على العكس، يتطلب الأمر العمل منذ الآن على التواصل المنهجي عبر قنوات صالحة مع فريق عمله الراهن، وفيما بعد مع إدارته المقبلة.
وفي كل الأحوال، يتطلب الأمر التركيز بصورة جدية ومسؤولة على إعادة بناء العوامل الذاتية بهدف الوصول إلى كيان سياسي- عسكري موحد يُعيد الاعتبار إلى الوجه الوطني الحقيقي للثورة وللشعارات التي انطلقت بها، مع لفظ كل الأشكال الدخيلة التي أصابتها بأضرار بليغة، مع التوجه نحو العمل على ابتداع أساليب مقاومة أقل كلفة على الثورة، وأقل ارتهانًا للقوى الخارجية ومصالحها، أيًا كانت هذه القوى؛ وإفشال مسعى النظام في استعادة سيطرته وفي زعمه إعادة السوريين إلى حظيرته. التحدي صعب، لكن الكارثة هي في الاستسلام للأمر الواقع.
[sociallocker] [/sociallocker]