الطفل على الرصيف رمى لي إنسانيتي


دانا العقباني

موضوعات كثيرة جالت وتجولت في أزقة الأزمة السورية؛ ما جعل الثورة تتحول إلى صراع محتدم بين أطراف متنازعة على محور وحيد، هو السلطة…!

بين تطرّف النظام السوري في القتل، ووحشية (داعش) في إبراز قوانين شرعية جديدة، قضى ملايين الأطفال في سورية حتفهم.

القتل ليس الوسيلة الوحيدة التي لُفّت حول أعناق الأطفال؛ لمنعهم من ممارسة الحياة.

الفقر الذي اجتاح شوارع العاصمة دمشق، سجنَ الأطفال في بوتقة التشرد؛ ليجعل منهم إما لصوصًا، أو مجرمين. دون مبالغة.

الطفل الذي رأيته ليلة الأمس يشدّ عنق طفل آخر يتوسل له لإفلاته، كان أحد الأمثلة المدرجة في قائمة التشرد واستباحة حقوق الطفل، كان الأطفال يحاولون التمثيل، أو ربما استجداء عواطف المارة، علّهم ينظرون إليهم نظرة مختلفة عن نظرة المتسولين، أو حتى الشاذين عن المجتمع الطبيعي.

الأمر الذي دعاني للاستغراب هو عدم اكتراث المارة بصراخ الطفل (المُمثّل) المقيّد بين ذراعي صديقه، الأمر كان أشبه بمشاهدة فيلم سينمائي، سيدرج في مطلعه “نتمنى لكم مشاهدة سارّة”، الأمر الذي يجعلني أقف أمام بابين لاختيار السبب الملائم، إما أن هؤلاء الأفراد أصبحوا غير قادرين على العطف! أو- الأمر الذي يقطع السبيل أمام الباب الأول وهو- إحالة المشكلة للمُسبب الرئيس!

دون أدنى شك، المُسبب في هذه الجريمة الإنسانية، هو القصف العشوائي الذي استهدف المدارس والأحياء السكينة والمباني، لكن لا يمكننا التغاضي أيضًا عن تشمّع المشاعر الإنسانية لدى فئات مختلفة من الشعب الذي يشاهد كل يوم تراشق الأطفال على أرصفة المدينة كما الرصاص، دون أن يُحاولوا رتْقَ هذا العطب، والظلم المتفشي في ظل هذا النظام القمعي، ويعود السبب في هذا إلى تعويد الإنسان نفسه على الاتكال للتخفيف من شعوره بالذنب، على الرغم من أننا جميعًا مسؤولين مسؤولية واضحة عن هذه المشكلة الإنسانية المتعلقة بالركن الأساسي في بناء سورية الجديدة، الجيل الجديد، والمستقبل.

المضحك المبكي هنا، أن النظام ذاته الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق الإنسانية عمومًا، والأطفال خصوصًا، ينظم اليوم حملات تدعوهم للعودة إلى المدارس التي أصبح الهاون والقصف المدفعي جزءًا رئيسًا من “بنيتها التحتية”!

ولكي تكون التهم واضحة ومُكتملة، كان لـ (داعش) والجبهات الإسلامية نصيب -أيضًا- في تشريد الأطفال وقتلهم، إضافة إلى أبشع وسائل التعذيب المستخدمة مع الأطفال القابعين في سجون النظام، وطرق استعباد (داعش) غير الشرعية لهم، أو قتلهم، وهنا تجب الإشارة إلى اغتصاب الفتيات الصغار أو استعبادهن لدى أمراء ذلك التنظيم.

الطفولة السورية، الأطفال السوريون يرمون بوجهنا كل يوم إنسانيتنا، والجميع عاجز عن الالتقاط، فهل العالم بحاجة لتدريب مكثف للالتقاط؟ أم أن الطفولة السورية إلى هلاك؟




المصدر