رحلة نزوح عائلة تنتهي بريف حلب و20 شخصاً يشربون في فنجان شاي


تصدرت سوريا قائمة البلدان التي تشهد نزوحا داخليا في العالم، منذ عام 2013 وحتى عام 2016، وبدأت رحلة النزوح القسرية من مناطق محاصرة وأكثر قصفاً الى المناطق الأكثر أمناً، فيما توجه الى خارج سوريا سواء الى أوروبا أو الى البلدان الحدودية أكثر من 4,5 مليون سوري، وفق ما سنحت لهم الظروف الخجولة ذلك.

وتصدرت حالة النزوح ريف دمشق التي شهدت أكبر نسبة نزوح بسبب الدمار والقصف المكثف والحصار، فيما احتل نزوح اهالي حلب المرتبة الثانية واحتلت حمص المرتبة الثالثة من النزوح، بحسب مفوضية العفو الدولية.

قصص النزوح لم تقتصر على عشرات الأشخاص، بل تعدتها الى ملايين السوريين، الذين لم يعد لهم سبيل سوا الهروب من مكان خطر الى مكان آخر أقل خطراً، ليكون في وقت قريب مكان أخطر مما قبله بحملة من القصف الممنهج يشنها النظام، لتستمر حكاية النزوح الى يومنا هذا

الطفل الشاب، “محمود سعيد”، ذو ال15 ربيعاً، ذاك الطفل اليتيم الذي نزح وعائلته عدة مرات بدء من حمص القديمة ووصولا الى ريف حلب الذي لم يكن أفضل حالاً، كان النزوح الأخير الى ريف حلب، بعد رحلة شاقة من ريف ادلب، ليناموا بين عشرين امرأة وطفل، في منزل واحد، بحسب ما ذكر سعيد

وأضاف سعيد في حديث لصدى الشام، “سأحدثك عن رحلة نزوحنا انا وأمي وجدتي وأخي الصغير من حمص، الأمر الذي حرمنا الدراسة والعيش في منزل دافئ، خرجنا من حمص القديمة الى ريف حمص ونمنا عند أناس استضافونا، أذكر أنه كان رمضان، وصمنا دون سحو، فلم يكن هناك من يطعمنا،كان معنا قطعتي بسكويت اكلناها في السحور، ولكن في اليوم التالي انتقلنا الى خان شيخون وبقينا هناك أربعة أيام، ربما كانت أفضل من رحلتنا السابقة ، لننتقل بعدها الى ادلب المدينة، بقينا فيها شهرين، كنا نتنقل خلالها من منزل الى آخر، وفي كل مرة ننظف المنزل ونبدأ بالاستقرار يقوم النظام بقصف المنطقة أو يطالب أهل المنزل باسترداد منزلهم فنضطر لمغادرة المكان”

ثم اكمل الطفل الشاب، وبضحكة تهكم “انتقلنا بعدها الى منزل  في ريف ادلب وكان غير مجهز، وكان البرد قد بدأ، والمطر يهطل ومع هذا اضطررنا لتنظيفه والجلوس فيه، ولكن بعد قرابة شهرين  طلبه أصحابه منا، لأنهم أرادوا العودة اليه بعد أن قصف المكان الذي كانوا ينزحون اليه، لا أستطيع أن أصف احساسي وأخي الذي بدأ بالدراسة في احدى مدارس القرية كم كان مؤلماً، لاسيما أننا شعرنا بالفرح بعد عودتنا الى المدرسة، لكن ما باليد حيلة،  وحينها لم نجد منزلا يأوينا سوى منزل قريب بغرفة واحدة ودون حمام او مطبخ، طلب صاحبة أجرة 20 الف ليرة سورية، فقررنا الانتقال الى ريف حلب منذ قرابة أسبوع”

تمتم سعيد، بصوت حاول فيه أن يظهر صلباً، “وصلنا الى منزل جماعة من أصدقائنا من أهل حمص، بعد أن ركبنا في مكب مفتوح انا وعائلتي وجدتي، لعدم وجود سيارات تنقلنا، وكاد البرد ينسفنا ويطير بنا، كم تمنيت حينها لو طرت الى حيث جثمان أبي”

لم يحاول سعيد أن يظهر ضعفه، وكلما شعرت بغصة صوته كان يحاول أن يشد لجام نفسه، وتابع “جلسنا في هذا المنزل، كنا عشرون شخص أطفال نساء، وكنا ننتظر اللبن والخبز ليصل الى محل في القرية لنشتريه، ولكن لم يصل إلا بعد ثلاثة ايام لأن القرية مقطوعة، وأخيراً بعد عصر اليوم الثالث وصل الخبز واللبن لنفطر ونملأ أمعائنا الخاوية”، وأردف “صدقيني كنا 20 شخص نشرب الشاي من كأس واحد، لذا اضطر بعضنا لشرب الشاي بأطباق الطعام”

وتنهد تنهيدة صغيرة، ثم تابع “كان هناك أربع أغطية لعشرين شخص، وكنا أمام خيارين اما أن نتغطى بهم أو نضعهم تحتنا، وكان البرد قارص ولا يوجد مدفئة، ولم يكن الوضع العسكري أفضل حالا من ريف ادلب فقد كان هناك قصف بالطيران”، قم أكمل “وجدنا بعد أربعة أيام منزل نستأجره، كان متسخاً وبارداً انتقلنا فوراً لم يكن فيه أي شيء سوا الجدران، نظفت امي المنزل، ولم يكن معنا سوا ببور طبخت عليه أمي برغل ناعم ورز، أتعرفين كيف غطت القدر، لقد غطته بقطعة كرتون، كما أعطتنا احدى الجمعيات الاغاثية أغطية رقيقة فجلسنا بجانب الببور وتغطينا بهم عل الدفئ يتسلل الى قلوبنا التي ماتت، لم يعد لدي انا وأخي شيء نفكر به فقد فقدنا المدرسة وفقدنا الأب وفقدنا الدفئ والمنزل، الحمد لله عكل حال”

وفي اليوم الثاني، تحدثت مع سعيد ليخبرني، أن أحدهم أعطاهم غاز سفاري صغير ومدفئة حطب، وكان بانتظار الحطب ليشعل المدفئة، مع بعض الفرح بأن الدفئ قد يعم المنزل في المساء.

سألته كيف تتدبرون مصروفكم، لم يكن لديه اي كلمة تذمر من الواقع، وكان جوابه الحمد لله أهل الخير يساعدونا والآن معنا مصروف بسيط نقضي به حاجتنا، ثم انتقل فجاة لحديث آخر وقال”آه نسيت ان أقول لك، لقد نزحنا الى قرية كسيبة في ريف ادلب بعد ان ضرب النظام ادلب المدينة بالفسفور”، قالها وكان صوته يلهث وكأنه تذكر غولاً مرعبا، ولم يكن امامي إلا أن أذرف دموعي وأبتسم معاً، حزناً على الطفولة المهدورة لهذا الصغير وفخراً بأن لدينا رجالاً صغار في سوريا.

 



صدى الشام