سباق كيري لفك الحصار عن مدينة حلب


 

ينهمك وزير خارجيتنا جون كيري المنتهية ولايته في جهود دبلوماسية مضطربة وغير معقولة لإبرام اتفاق مع روسيا لكسر الحصار عن مدينة حلب. ليس مدفوعاً لذلك بمجرد حجم الأزمة الإنسانية التي تسود المدينة السورية وإنما احتمال توصل الرئيس القادم إلى نوع آخر من الاتفاقيات مع موسكو، اتفاقية تتخلى عن المعارضة السورية وتضع الولايات المتحدة في صف الديكتاتور السوري بشار الأسد صراحةً.
هذا ولم تُعلِن وزارة الخارجية عن مهمة كيري، وذلك في أعقاب انهيار سريع لاتفاق وقف إطلاق النار الأخير الذي توصل إليه بين الولايات المتحدة وروسيا. إلا أن كيري، من وراء الكواليس، يتولى عملية تسعى إلى وقف حملة القصف الوحشي التي يشنها نظام الأسد وحلفاؤه الروس في حلب الشرقية، والتي ضمت استهداف المشافي وحصار ربع مليون مدني وتجويعهم.

وقد وصف لي هذا المسعى أربعة مسؤولين عاملين في الإدارة على أنه تسديدة بعيدة في أفضل الأحوال، لكنه الفرصة الوحيدة لإقناع الحكومتين السورية والروسية بوقف القتل. وأخبرني أحد المسؤولين: “ما نزال نحاول المضي فيها جاهدين. لن نتراجع عن هذا إذ نعتقد أنه يجب علينا أن نمنح الأمر فرصة ثانية”.

وتتضمن الاستراتيجية حصر التركيز ليشمل مدينة حلب لوحدها وتوسيع نطاق التنسيق ليضم المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، وفي بعض الأحيان، إيران. وستكون الاتفاقية عبارة عن اتفاق تنفصل بموجبه المعارضة السورية عن أعضاء جبهة فتح الشام المرتبطة بالقاعدة أو جبهة الفتح السورية (المعروفة رسمياً بجبهة الفتح)، والتي سيتخلي مقاتلوها عن مناطق حلب الشرقية. وفي المقابل، ينهي نظام الأسد وروسيا الحصار المفروض على المدينة ويسمحان للمساعدات بالتدفق.

ولمناقشة هذه الاتفاقية، كانت هناك اجتماعات عدة بين دبلوماسيين أمريكيين وروس في جينيف، حيث أجرى كيري محادثات ثنائية مع جميع الأطراف الفاعلة. وكان قد تحدث إلى رئيس الوزراء الروسي سيرغي لافروف قرابة المرتين منذ أسبوع ليلتقيه هذا الشهر في ليما في البيرو. كما اجتمع كيري بالحلفاء للبحث في تفاصيل الخطة الشهر الحالي في أبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة.

أما العقبات المتعددة فهي موجودة بالفعل. فلن تتمكن الولايات المتحدة وروسيا من الاتفاق حول عدد مقاتلي جبهة النصرة الموجودين في حلب، كما أن هناك خلاف حول ما إذا كان نظام الأسد هو الذي سيحدد من سيحكم مناطق حلب الشرقية في حال استمر وقف إطلاق النار. فقد أخبرني مسؤول كبير في الإدارة أن روسيا تشتري الوقت اللازم إما لتحقق أهدافها العسكرية أو لتنتظر استلام إدارة ترامب وتقديمها لشروط أفضل.
وأضاف: “يسعى الروس إلى إرغام المدينة على الاستسلام. إنهم بحاجة إلى 60 يوم ومن ثم سيحصلون عليها”.

هذا ويعترف المسؤولون أن عدم حصول كيري المحبَط على السلطة من البيت الأبيض ليمارس الضغط ضد الأسد وروسيا، جعله في موقف تفاوضي ضعيف. وقال المسؤولون أن احتمال انتخاب هيلاري كلنتون لرئاسة البلاد منح كيري بعض النفوذ، ذلك أنه كان من المتوقع لها انتهاج سياسة أكثر تشدداً في سوريا.

إلا أن مقدار الأمل ذلك اختفى بفوز دونالد ترامب في الانتخابات. ما الذي سيدفع موسكو إلى عقد صفقة مع كيري إذا كان باستطاعة بوتين الانتظار لمدة شهرين وعقد أخرى مع ترامب، الذي أسس خملته الانتخابية على تعهده بالعمل مع روسيا؟

يبدو أن ترامب يتفق مع بوتين في أن المعارضة السورية ليست موضع ثقة وأن بقاء الأسد في السلطة أفضل من البديل.
وقد ازدادت المخاوف الأسبوع الماضي حول خطة ترامب المعَدة لسوريا وذلك عندما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن نجل دونالد ترامب كان قد التقى في شهر أكتوبر/ تشرين الأول في باريس أعضاء من المعارضة السورية التي يعترف بها كل من الأسد وروسيا. كما أخبر دونالد ترامب صحيفة نيويورك تايمز الأسبوع الفائت أن لديه “أفكار فاعلة جداً في الشأن السوري”. وكان ترامب قد تحدث إلى بوتين مرتين منذ الانتخابات حول التعاون في منطقة الشرق الأوسط.

كما تسعى موسكو والشريحة التي تدعمها من المعارضة السورية إلى اتفاقية سلام من شأنها تعزيز حكم الأسد في المستقبل المنظور ووصف بقية المعارضة بالإرهابيين ليتم تدميرهم. كما دعا الكثيرين في واشنطن، ومن بينهم النائب تولسي غابارد (الديمقراطي من هاواي)، ممن التقوا بترامب الأسبوع المنصرم، دعوا إلى وجوب وقف الولايات المتحدة للدعم الذي تقدمه للثوار السوريين لوقف الحرب في سوريا ووضع حد للمعاناة.

وعلى الرغم من أن هذه فرصة مغرية، إلا أنها تنطوي على منطق خاطئ. فإن توصل ترامب إلى اتفاق مع روسيا والمعارضة صديقة الأسد، باستطاعته أن يدّعي تحقيق النجاح في الموضع الذي فشل فيه كيري، لكن ذلك سيكون نصراً باهظ الثمن في أفضل الأحوال. أما بقية المعارضة ستواصل القتال وسيستمر ملايين السوريين بمقاومة حكم الأسد الوحشي والمطالبة بحقوقهم الأساسية.

والأسوأ من ذلك، فإن الولايات المتحدة تكون قد وضعت نفسها إلى جانب أولئك الذين يرتكبون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ما سيسبب نفور معظم السوريين ويدفعهم إلى الارتماء في أحضان المتطرفين وكل ذلك لتحقيق سلام زائف.

وعليه، فإن لكيري كل الحق في العمل على تجنب تلك الكارثة.

 

رابط المادة الرئيسي : هنا.



صدى الشام