عندما يكون “الإعجاب” الفايسبوكي خطراً يُعرض صاحبه للاعتقال .. سوريون يروون تجاربهم مع القمع الإلكتروني خلال سنوات الثورة
30 نوفمبر، 2016
لم يكن من باب الصدفة أن تتذيل سوريا قائمة الدول في حرّية الانترنت عالمياً، إلى جانب إيران والصين، بحسب تقرير مطوّل نشرته منظمة “Freedom House” العالمية عام 2016، وقالت المنظمة: “إن حرّية الانترنت تراجعت للعام السادس مع تزايد عدد الحكومات المنخرطة في استهداف مستخدمي الشبكة في هذه الدول الثلاث”، مضيفةً أن السلطات في 38 دولة عبر العالم اعتقلت العام الماضي عدداً من مستخدمي شبكة الإنترنت بسبب نشرهم أو مشاركتهم أو حتى لمجرد إعجابهم بمنشورات في مواقع التواصل الاجتماعي.
يُعتبر انتهاك حقوق التعبير عبر شبكات التواصل الاجتماعي أمراً شائعاً منذ بدأ الثورة في سوريا، حيث اعتقلت القوى الأمنية التابعة لنظام الأسد مئات النشطاء والمثقّفين بسبب منشورات انتقدوا فيه سياسات النظام في استخدام العنف ضد المدنيين، أو هاجموا قمع حرّية الرأي والتعبير.
وترصد “صدى الشام” في هذا الاستطلاع مواقف وتجارب لعددٍ من المواطنين السوريين مع القمع الذي تعرّضوا له بسبب مواقفهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مناطق نظام الأسد، إضافةً إلى الطرق التي اتبعها نظام الأسد للتعامل مع مواقع الانترنت.
صوت الثورة
منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة في سوريا أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي الوسيلة الأكثر استخداماً لفضح انتهاكات النظام، ونشر أخبار الاقتحامات والاعتقالات، وتوثيق المظاهرات وتنسيقها والدعوة إليها، فحقّقت نجاحاتٍ كبيرة في الوصول لأهدافها.
“إيهاب السوري” اسم وهمي لشاب من مدينة درعا كان من أوائل الذين استخدموا شبكة التواصل الاجتماعي لتوثيق حملات الاعتقالات التي يشنّها النظام.
يقول إيهاب الذي يعيش حالياً في مدينة مالمو جنوب السويد لـ”صدى الشام”: “إنه بدأ التنسيق عبر مجموعة على موقع التواصل “سكايب” للدردشة والذي كان متاحاً داخل سوريا ويتضمّن أسماءً وهميةً للنشطاء الذين يعملون بهذا المجال”.
ويُرجع إيهاب السبب في اختياره للسكايب إلى ضمان عدم قدرة نظام الأسد بالوصول إلى الناشطين، كونه لا يطلب أية معلومات من المستخدم، ويضيف: “رغم ذلك كنت أعيش خوف وضغط نفسي كبيرين، ولا سيما عندما كنت أسمع من أصدقائي عن حملات اعتقالات بحق النشطاء عبر تحديد موقعهم، فكنت أخاف من تحديد موقعي دائماً”.
لاحقاً ساهم إيهاب بانشقاق عددٍ من جنود قوات النظام في عام 2011، ونسّق عشرات المظاهرات في مدينة الصنمين بريف درعا، إضافةً إلى أنه كان يقود مجموعة متخصّصة بأخبار الاقتحامات والاعتقالات، قبل أن يتحول نشاطه إلى موقع فيسبوك الذي شهد انتشاراً لدى المستخدمين حينها، ليتم اعتقاله بعد حوالي شهرين.
وعن كيفية اعتقاله أجاب إيهاب أنه لا يعرف ما هي الطريقة، رغم أن الحساب لم يكن يحتوي على أية معلومات شخصية عنه، لكنه اعتُقل ليخرج بعد أشهر إلى تركيا ومنها إلى السويد بعد حوالي سنة.
حسابات وهمية للإيقاع بالنشطاء
السؤال الذي لم يعرف إيهاب إجابةً عنه، يفسّره “إياد أبو أحمد” وهو من النشطاء الأوائل في الثورة السورية، الذين لجؤوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي لبث فيديوهات يومية عن المظاهرات التي كانت تشهدها سوريا حينها.
اعتُقل أبو أحمد من مدينة حمص في عام 2011 وخرج بعد نحو ثلاثة أسابيع بموجب عفوٍ أصدره النظام.
يقول أبو أحمد لـ “صدى الشام”: “خلال التحقيق الذي أُجري معي، تبيّن أن النظام تمكّن من معرفة هويتي عبر استدراجي بحساب فيسبوك وهمي يُدعى “الثائر السوري” وكان هذا الحساب يضع علم الثورة كصورة له، وكان يدعي محاولة توفير صورٍ وفيديوهات لمظاهراتٍ كانت تجوب في العاصمة دمشق”.
وأوضح أن معظم حالات اعتقال النشطاء من قبل النظام كانت بسبب الحسابات الوهمية التي كانت تتتبّع الناشطين وتعرف الأماكن التي يتواجدون بها، أو المواقع الجغرافية لهم، وكان أصحاب هذه الحسابات التابعة للنظام يعملون على التغلغل في أوساط النشطاء بحجّة التنسيق لدعم الثورة.
” أعجبني” ترسم نهايات مأساوية
ضغطت رهام زر “أعجبني” لصورة لشهيد في الجيش الحر كانت تنعيه إحدى تنسيقيات الثورة على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، لكن الفتاة التي تبلغ من العمر 31 عاماً لم تكن تعرف أن هذه الضغطة ستكلّفها اعتقالاً وتعذيباً في فرع إدارة المخابرات بكفر سوسة في العاصمة دمشق.
تحكي رهام تجربتها مع استخدام مواقع التواصل في سوريا قائلةً: ” لم آخذ الأمر بكل هذه الجديّة، ولم أكن أتوقّع أن هناك رقابة فعلية قد تسبب مشاكل للشخص الذي يضغط على زر “أعجبني” لمنشورٍ لا يعجب أمن النظام”، موضحةً أنها لم تعرف أن ضغطها على زر “أعجبني” هو السبب في اعتقالها إلى ما قبل خروجها من المعتقل بساعاتٍ معدودة.
اعتُقلت رهام بعد وضع إعجابها بهذا المنشور بحوالي أسبوعين، وتضيف: “عندما اعتقلني الأمن من منزلي في شتاء عام 2015 الماضي، توقّعت الكثير من الأسباب ومنها أن أكون قد تعرّضت لـ “إخبارية” من أحد المخبرين، لكن آخر ما خطر لي أن يكون هذا الزر الذي ضغطته كان وراء اعتقالي.
وتتابع: “بقيت في المعتقل لمدة شهرٍ واثنين وعشرين يوماً، وتعرّضت للضرب من قبل سجّاناتٍ خلال التحقيق معي، وكانت معظم الأسئلة تتمحور حول صفحتي الشخصية على مواقع التواصل إضافةً إلى حقيقة تواصلي مع شخصيات معارضة ميدانية وسياسية”، ولفتت رهام إلى أن المحقّق أخبرها في اليوم الذي خرجت منه أن سبب اعتقالها كان شكوكاً حول ميولها وعلاقتها بالمعارضة بعد أن جاءتهم إخبارية بأنها تتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي مع منشورات تابعة للمعارضة.
تحايل إلكتروني
4 أشخاص من أصل 6 التقتهم “صدى الشام” في هذا الاستطلاع عمدوا إلى اتخاذ إجراءاتٍ احتياطية ليتمكّنوا من النجاة من موجة الملاحقة على مواقع التواصل الاجتماعي، “إلا أن هذه الإجراءات تخفّف احتمالية كشف النشاط المعارض ولا تمنعه تماماً” هذا ما تقوله أم رضا.
أم رضا انخرطت في الثورة رغم أنها أربعينية ولديها ثلاثة أولاد، وكانت تعيش في حي صلاح الدين بحلب، وكانت من أوائل النشطاء الذين ساهموا في تنظيم المظاهرات في الحي، وكانت على علم بدخول الجيش الحر للسيطرة على حلب في صيف 2012.
المرأة الأربعينية لجأت إلى الحل الأكثر تداولاً بين النشطاء، وهو “الحساب الوهمي” الذي اتبعه معظم الناشطين الذين كانوا يعيشون في مناطق النظام، وتقوم هذه الحيلة على أساس عدم وضع أية معلومة أو صورة أو إشارة تدل على صاحب الحساب.
الحالة ذاتها اتبعها “خليفة” وهو شاب سوري جامعي من سكّان جبل الزاوية وكان يعيش في العاصمة دمشق. يقول خليفة لـ “صدى الشام”: “إن طمس معالم الحساب على مواقع التواصل ليس كافياً” مستشهداً بأحد أصدقائه الذين اعتُقلوا رغم إقدامهم على هذه الخطوة.
وتابع خليفة: “بدأنا بالإجراء الأكثر احتياطاً، وهو إنشاء خمس أو ست صفحات تحمل نفس الاسم والمعلومات والصور والمنشورات”، وقد حقّقت هذه الخطوة نجاحاً كبيراً، ولا سيما عندما تُدار هذه الصفحات من قبل مستخدمين متوزعين جغرافياً، وهو ما من شأنه تشتيت الأجهزة الأمنية الساعية لاعتقال صاحب هذه الصفحات، أو حتى الاختصاصيين الإلكترونيين المؤيدين لنظام الأسد، والساعين لإغلاق الحسابات التابعة للثورة السورية.
جناح عسكري إلكتروني
في منتصف عام 2011، وفي مواجهة النفوذ الإلكتروني المتنامي وانتشار عشرات الشبكات التي تساند الثورة السورية، ونتيجة عجز النظام عن تتبّعها بسبب الفوضى التي عمّت أجهزته الأمنية فقد أسس ما يُعرف بالـ “الجيش السوري الإلكتروني” الذي تولّى شن هجمات على المواقع والصفحات التي تدعم الثورة، ليصل هجومه لاحقاً إلى مواقع لوسائل إعلام عالمية بسبب موقفها المعارض للمجازر التي يرتكبها النظام.
ورغم أن القائمين على هذا الجناح الإلكتروني أعلنوا أنهم مستقلّون ولا تربطهم أية علاقة بالنظام، إلا أنهم قاموا باختراق عشرات المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي التابعة للثورة، وهو ما يشي بوقوف جهات تابعة للنظام خلف هذا الجيش، وأبرزها مالك شركة الاتصالات سرياتيل، رامي مخلوف ابن خال رأس النظام بشار الأسد، ذلك أن عمليات القرصنة تحتاج إلى خبرة عالية وفرق منظمة وحواسب متطوّرة.
بين الجريمة الإلكترونية والعادية
عبدالله بلال ، الخبير الإلكتروني بعد عمله لسنوات في مجال تطوير الويب والسوشال ميديا يقول لـ “صدى الشام”: “إن القمع الإلكتروني تصاعد بشكلٍ كبير خلال السنوات الأخيرة في سوريا، ولا سيما من قبل النظام وأطراف أخرى كالوحدات الكردية وتنظيم داعش تسعى لتقييد حرية الرأي والتعبير”.
ولفت بلال إلى أن تقييد حرية الرأي وحجب الصفحات أو محاربتها أو الرقابة عليها يعتبر في الدول التي يسودها القانون جريمةً كاملةً بكل معنى الكلمة، حتى لو تمَّ ذلك افتراضياً، مشيراً إلى أنه لا يوجد فرق بين من يغلق صفحة لأنها تخالف آراءه وبين من يعتقل شخصاً للسبب ذاته.
وأوضح بلال أن فايسبوك وتويتر تحديداً يحتويان على كثيرٍ من الثغرات التي من الممكن أن تعبّر عن الوجهة السياسية لصاحب الحساب، ومن الممكن كشف موقعه وهويته من خلال النشاطات التي يقوم بها، لذلك فإن قوانين الخصوصية جاءت متناسبة مع القوانين التي تضعها الدول لضبط أصوات المعارضين أو تحرّكات الأمن القومي بشكلٍ عام.
وحول سياسات نظام الأسد في إدارة حربه الالكترونية ختمَ بلال حديثه بالإشارة إلى أن النظام اعتمد سياسة مختلفة عن سياسة الدول الأخرى، لافتاً إلى أن دول الخليج على سبيل المثال عمدت إلى إلغاء بعض مواقع التواصل الاجتماعي ولا سيما تلك التي تتيح الاتصالات الصوتية والمرئية، لكن النظام لم يحجب أيّاً من مواقع التواصل، وإنما استخدمها في حربٍ مضادة على المعارضة الإلكترونية.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]