كيف خططت إيران لابتلاع شرق حلب؟

30 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
11 minutes

على مدار الشهور السبعة التي فٌرض بها الحصار على مدينة حلب وعلى مدار الأيام الـ13 من بدء الحملة الجوية للطيران الروسي والطيران الأسدي تعرضت أحياء حلب الشرقية المحاصرة لأشرس هجوم جوي تٌستخدم فيه كافة الأسلحة الفتاكة بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً (الأسابيع الأخيرة تم تطوير قنبلة من قبل الخبراء الروس في هيئة التصنيع الوطنية في موسكو وتم إرسالها إلى سورية وهي خاصة بتدمير المنشآت البيتونية والتحصينات تحت الأرضية وعلى أعماق كبيرة). تلك الأسلحة التي تزهق أرواح السوريين وتدمّر ما تستطيع كي تصل غرفة عمليات “حميميم” لأهدافها التي يسعى “الفوهرر بوتين” لتحقيقها قبل وصول سيد البيت الأبيض الجديد الرئيس المنتخب “دونالد ترامب” إلى سدة الرئاسة باعتبار أن السيد “ترامب” مجهول التوجهات، وباعتبار أن كل ما أدلى به من تصريحات تُحسب على الحملة الانتخابية ولا تحسب على الرئيس، وأيضاً تأتي تلك الحملة باستغلال روسي واضح لإدارة “أوباما” العرجاء والممتنعة عند مد يد العون لشعب يٌقتل وكل ذنبه أنه طالب بالحرية وأراد التخلص من ديكتاتورية مجرمة يقودها “الأسد”.

من تتبع مسرح الأعمال القتالية، ومع مراقبة محاور الاشتباك ومحاور الهجوم يتضح لنا وبشكل جلي التكتيك وأساليب القتال التي تعتمدها الميليشيات الإيرانية وحلفائها القائمة بالهجوم الأرضي على مدينة حلب وبغطاء جوي أسدي-روسي. تلك الخطة التي تظهر فيها لمسات وخبرات الضباط الإيرانيين والروس ويشرف على تنفيذها الجنرال “قاسم سليماني” وغرفة عمليات الروس في “حميميم” مع اكتفاء ميليشيات “الأسد” بلعب دور الأدِلّاء والتأمينات اللوجيستية وتلقي تقارير القتال القادمة من الميادين وتبنيها إعلامياً لإعطاء الغطاء الشرعي لطائرات “بوتين” ولكل العصابات الطائفية التي تقتل وتفتك بأهالي “حلب” خصوصاً والشعب السوري عموماً.

 

 

ومن خلال ما سبق يمكن تلخيص تفاصيل الخطة العسكرية الإيرانية-الروسية للهجوم على حلب بثلاث نقاط رئيسية:

النقطة الأولى: تتمثل بضرب وتدمير كل مقومات الحياة داخل أحياء حلب الشرقية والريف المحرر مع التركيز على الجزء الشمالي من أجل استنزاف الحاضنة الشعبية التي أظهرت تماسكاً ودعماً للمقاتلين المدافعين وعبر مجازر وجرائم تٌجبر أهالي المناطق المحررة على الخنوع والركوع أو النزوح على أقل تقدير. ولتطبيق هذا الأمر لجأت الطائرات والحوامات وكل فوهات المدفعية والدبابات وراجمات الصواريخ لتدمير كل مقومات البقاء من مشافي ومراكز الدفاع المدني ومستودعات الغذاء بما فيها مستودعات الهلال الأحمر وقتل الأطقم الطبية والإسعافية وساندتها بتلك المهمة الميليشيات الانفصالية لـ”صالح مسلم” المتواجدة في حي “الشيخ مقصود” والتي كشفت عن آخر ورقة توت حاولت التستر فيها لتظهر على حقيقتها كذراع عسكري يعمل لمصلحة نظام “الأسد”.

النقطة الثانية: العمل على تشتيت جهود الفصائل الثورية المدافعة ومنعها من تجميع قواها. ولتأمين تلك المهمة لجأت الخطة العسكرية المتبعة لفتح عدة جبهات ضد الثوار ومن ثلاث قطاعات شمالية شرقية (العويجة) وشرقية (مساكن هنانو، جبل بدرو، أرض الحمرا) وجنوبية شرقية (قرية العزيزة قرب الشيخ سعيد). ولتكثيف الهجوم تقدمت تلك الميليشيات من تلك القطاعات عبر تسعة محاور هجوم أربكت خطط دفاع الفصائل المقاومة والمدافعة.

النقطة الثالثة: نظراً لتعذر قدرة نظام الأسد سابقاً والميليشيات الإيرانية لاحقاً على ابتلاع المناطق المحاصرة أو الوصول إليها بالترغيب أو الترهيب رغم كل المحاولات الحثيثة والمخادعة التي فشلت جميعها حتى في ظل الحصار من التأثير على الحاضنة الشعبية. لذلك لجأت الميليشيات الطائفية إلى مبدأ تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، والنقطة المحورية في خطة القتال الإيرانية تعتمد على قضم المناطق المحررة بشكل بطيء يتناسب مع إمكانية تلك الميليشيات مع الإصرار على طرد السكان من المناطق التي تتم السيطرة عليها نظراً لتعذر القدرة على تأمين الكوادر البشرية لضبطهم ومراقبتهم لعلمهم المسبق أن سكان حلب الذين يرفضون الاستسلام سيشكلون قنابل موقوتة قد تنفجر بحلفاء “الأسد” بأقرب فرصة ممكنة.

 

في الوقائع الميدانية على الأرض استطاعت تلك الميليشيات التقدم وبغطاء جوي روسي وبدعم مدفعي وصاروخي لتسيطر على حي “مساكن هنانو” الأكبر بين أحياء حلب وأجزاء من حي “بعيدين” مع محاولة الوصول إلى “جبل بدرو” من أجل إكمال الطريق غرباً للوصول إلى حي “الصاخور” ومن ثم التلاقي مع ميليشيات النظام في الجزء الغربي المحتل من حلب في حي “سليمان الحلبي”. علماً أن المسافة المتبقية كخط نظر لا تتعدى (1- 1,5)كم فقط. لكن في العلم العسكري وفي تكتيك القتال ليست تلك المسافة بالسهلة، والحصول عليها قد يكلف القوات المهاجمة المزيد من القتلى إذا ما أحسن المدافعون عملهم واستغلوا معرفتهم لمسرح الأعمال القتالية ولطبيعة المنطقة التي خبروها عن ظهر قلب كونهم من أبنائها ودمائهم مٌزجت بترابها. لكن اليوم الثاني حمل معه مفاجأة غير سارة لجمهور الثورة تمثلت بانسحاب المدافعين من الأحياء الشمالية من المناطق المحررة في حلب بعد هجوم جوي مركز وهجوم أرضي ساهمت فيه بشكل كبير ميليشيات “مسلم” التي تقدمت إلى حي “الهلك” وحي “بستان الباشا”، والتي قدمت مقترح بتسلمها تلك الأحياء وانسحاب الفصائل منها حفاظاً على الأهالي. ونظراً لتعدد الجبهات التي يقاتل عليها الثوار المحاصرون، ولمنع تقسيم وإضعاف قواهم العسكرية ما بين شمالي وجنوبي بعد أن تم شطر المناطق المحررة كان القرار بالانسحاب جنوباً والدفاع عن باقي المناطق علماً أن المناطق التي ذهبت سواءاً لميليشيات النظام أو لميليشيات “مسلم” تٌشكل حوالي 30% من حلب الشرقية ما يعني ضربة معنوية وعسكرية للثورة لكنها ليست بالضربة المميتة وليست بالقاتلة.

أيضاً ومن خلال تتبع محاور القتال تتضح بعض مفاصل تلك الخطة التي تعتمدها الميليشيات الحليفة للأسد والتي تتجلى ليس فقط شطر حلب الشرقية لقسمين بل تتعداها لأكثر من ذلك هادفةً إلى تحويل تلك الأحياء لمربعات أمنية وجزر صغيرة تسهل عليهم عملية ابتلاعها وهضمها والسيطرة عليها، ويظهر هذا الأمر بوضوح من خلال تمَحور الهجوم شمالاً وجنوباً في محاولة لفصل الأحياء المحررة عن بعضها البعض.

 

لكن السؤال يبقى: ماذا بعد تقسيم حلب الشرقية بل ماذا لو استطاعت السيطرة على كل حلب وإجبار الفصائل المسلحة على الانسحاب منها وتكرار سيناريو مدينة حمص وبالأساس هل هناك إمكانية لذلك؟

هناك أكثر من احتمال يمكن من خلال تصور سيناريو العمليات العسكرية القادمة:

الاحتمال الأول: الاستمرار في الحملة الجوية المدمرة وحرب الإبادة التي تلجأ إليها موسكو وطهران عبر الطائرات والحوامات وكل القدرات النارية المتوفرة على الأرض من أجل حسم معركة حلب وخلق واقع عسكري جديد يواجه به “الفوهرر بوتين” الإدارة الأمريكية القادمة ويفرضها عليها حلولاً سياسية تتناسب مع موازين القوى العسكرية الجديدة بعيداً عن أي تكهنات بمآلات السياسة الأمريكية القادمة, وهذا سيكون له تبعات مخيفة عبر الوصول بأعداد الشهداء لأرقام مخيفة قد تصل لعشرات الآلاف بعد أن أصبح يتواجد في الشطر الجنوبي من حلب حوالي (280) ألف مواطن حر إضافة لآلاف المقاتلين المدافعين عنهم, لكن يبقى في موقف المجتمع الدولي وقدرته على تحمل تلك النتائج الجواب الشافي.

الاحتمال الثاني: استمرار معارك الاستنزاف والقضم البطيء للمناطق المحررة والاستفادة من خبرات تكتيك الأرض المحروقة التي اعتمدها نظام الأسد مسبقاً في المناطق التي يصعب السيطرة عليها بالقتال العادي والكلاسيكي. وهذا الأمر سيحمل الميليشيات الإيرانية والروسية مزيداً من الأعباء البشرية والمالية عدا عن طول مدة تلك المعارك في وقت يشكل فيه عامل الزمن نقطة فارقة في الخطط العسكرية الروسية والإيرانية.

الاحتمال الثالث: وهو الاحتمال الأكثر توقعاً لحدوثه والناجم عن جهل أو عنجهية طبيعة قتال تلك الميليشيات وتكتيكاتها القتالية والتي تخالف أحد أهم المبادئ العسكرية الذي يحذر من قتال خصم قد تساوت عنده كل الخيارات وتساوى عنده خيار الموت مع الحياة وهذا هو الواقع الفعلي لسكان وفصائل حلب التي تدرك وأصبحت على قناعة أن معركة حلب هي معركة وجود (نكون أو لا نكون)، وأن تلك المعركة هي معركة الحفاظ على عروبة حلب وحمدانيتها وأمويتها. لكنه أمر يغفله أو يتغافله أمراء الحرب في موسكو وطهران الأمر الذي سيزيد من ضراوة المعركة مع تقدم فصولها على الأرض سواءاً كانت إيجابية أم سلبية، وستزداد سخونة المعارك كلما شعر الثوار أنهم في موقف حرج أو يهدد وجودهم، وأن سلاح المواجهة وحتمية الصمود هو خيارهم الأمضى في القتال. يضاف إلى ذلك قدرات كامنة تتحضر في الخطوط الخلفية والمقصود هو جيش الفتح والفصائل المرابطة على بوابات حلب من الخارج والذين يرون بأم أعينهم ما يحصل لأهلهم المحاصرين داخل حلب. هؤلاء الذين يعدون العدة للمشاركة في المصير الواحد الذي تعاهد عليه مقاتلو الثورة، ولن يبقوا مكتوفي الأيدي حيال تلك التطورات.

 

معركة حلب اندلعت ومن أطلق شرارتها ليس بيده مفاتيح إطفاء الحريق، ومسرح الأعمال أصبح مفتوحاً على كافة الاحتمالات. لكن الشيء المؤكد ومهما كانت نتيجة المعركة فإنها لن تكون معياراً لمتابعة الثورة أو توقفها، فالخيار الشعبي لجمهور الثورة وهدفه الذي لن يحيد عنه هو استمرار المواجهة حتى إسقاط نظام القتل الأسدي، ومن قدّم قرابة المليون ما بين شهيد وجريح على مدار سنوات الثورة لن يوقف زحفه على الأقل وفاءاً للشهداء الذين أقسم إخوانهم على الثأر من قاتلهم.

فهل تكون معركة جنوب حلب درساً يلقنه أهل الأرض والديار لكل فاجر تجرأ على قدسية تراب حلب وتاريخها؟؟

أم أنها ستكون معركة انتقام وثأر من قبل حلفاء الأسد ضد جيش الفتح الذي مرغ وجوههم بالتراب بعد معركة إدلب وانتصاراتها؟؟

الاحتمالات ما زالت مفتوحة

وكل الخيارات متاحة

لكن الحقيقة الراسخة في نفوس أهل حلب ورسالتهم للعالم أجمع تقول: أن شعلة الثورة لن تٌطفئ لا بخسارة مدينة حلب ولا بخسارة أي منطقة أخرى، فنحن شعب أقسم على عدم العودة حتى تحقيق ما خرج من أجله أو يموت من دونه.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]