‘محمد صلاح يكتب: خريف أبناء الربيع!’
30 تشرين الثاني (نوفمبر - نونبر)، 2016
محمد صلاح
لم يُقسّم الربيع العربي دولاً عربية، ولم يفتت مجتمعات، ويؤسس لحروب أهلية فقط، وإنما كان من أهم إفرازاته ظهور ذلك الجيل من الشباب الذين اعتبروا أنفسهم أبناءه فرفضوا كل ما قبله، وعجزوا عن تحقيق أي إنجاز بعده، فتحولوا أدوات لليأس والإحباط والهدم! وإذا كان «الإخوان» يشنون حملة ممنهجة ضد حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي فلديهم أسبابهم، المرفوضة طبعاً، إذ تسيطر عليهم دوافع ثأرية بعدما أطاح الرجل بآمالهم في حكم مصر للأبد، ونفذ إرادة الجماهير التي ثارت ضد الجماعة حفاظاً على الوطن، وإذا كان نشطاء المنظمات الأجنبية الذين تدربوا في الخارج ينفذون ما تعلموه في الداخل ويسعون لإسقاط الحكم لأن ولاءهم الأساسي ليس للدولة وإنما لمن دربوهم وأنفقوا عليهم ومنحوهم الأموال والجنسيات، وإذا كان بعض الناصريين واليساريين الذين وقفوا مع السيسي ومنوا أنفسهم بمواقع ومزايا لم يكافئهم بها الرجل انقلبوا عليه بعدما فقدوا الأمل في نيل ثمن مواقفهم، وإذا كان بعض وجوه 25 كانون الثاني (يناير) 2011 ممّن لمعوا وتنقلوا بين الاستديوات والقنوات في سنوات الفوضى وجدوا أنفسهم وقد خفتت عنهم الأضواء وفقدوا الحضور بين الناس فأرادوا عودة العجلة إلى الوراء واسترجاع الأيام الخوالي وساروا في ركب «الإخوان» وأمسكوا بمعاول الهدم مجدداً، فماذا عن هؤلاء الشباب الذين يعانون أمية سياسية من الأساس والقليلي الثقافة والركيكي التعليم الذين لا يجدون عملاً ولا يبحثون عن فرص لبناء المستقبل وينامون نصف اليوم ويتسكعون بين المقاهي والمجمعات التجارية، ويجوبون الشوارع من دون هدف إلا قتل الوقت وفي أيديهم دائماً أجهزة الاتصالات الحديثة يستخدمونها ليسخروا من كل إنجاز، ويحرقوا سمعة كل شخص، وينشروا الإحباط بين الناس؟
صحيح أن الظاهرة لا تقف عند مصر وإنما تمتد لتشمل غالبية الدول العربية، لكن الحالة مستفحلة في مصر، فالبلد مستقر والأحوال الأمنية هادئة غالباً والحياة تسير بشكل طبيعي بالمقارنة بدول أخرى مر عليها الربيع العربي فقسمها أو قسم أهلها ومنع عنهم رفاهية السخرية وشغلهم بالبحث عن مكان في خيمة مأوى أو وجبة تسقط عليهم من طائرة معونات، هؤلاء ليسوا الغالبية بين الشعب المصري، لكن حضورهم دائماً ظاهر والحديث عنهم كثير، فالفراغ الذي يعانونه، أو قل أدمنوه، يمنحهم الفرص والوقت لينشروا التفاهة والركاكة وربما السباب والشتائم، وغياب الأهداف وافتقادهم إمكانات وآليات لتحقيق طموحاتهم يجعلهم دائماً غاضبين من أي شيء وكل شيء إلى درجة أنهم يعتبرون أن ألد أعدائهم هم نظراؤهم من الشباب، الذين يمثلون الغالبية، ويشاركون في المشاريع العملاقة ويشقون باطن الأرض تحت قناة السويس ويغيرون ألوان الصحراء ويساهمون بجهودهم في نقل الفقراء والبسطاء من العشوائيات إلى تجمعات سكنية آدمية وحضارية وراقية.
إذا ناقشت أحدهم فلن يخفي كراهيته للسيسي و «الإخوان» ومبارك والسادات وعبدالناصر والملك فاروق والتعليم والمرور وحر الصيف وبرد الشتاء! ستكتشف وقتها أن هؤلاء إفراز للربيع العربي، صحيح كانوا موجودين قبله لكن خلف الستار يظهرون في الأحداث المهمة ويبتعدون عن كل نقاش ويتفادون دائماً الأضواء، لكن جاء ذلك الربيع ليقفز بهم إلى واجهة الأحداث فيتجمعون في الميادين ويحتشدون خلف أي ناشط ويرددون الهتافات من دون أن يفهموا ماذا يقولون أو عن أي موقف يعبرون. هم نتاج سنوات من التعليم المهترئ والفساد المتسرطن، الذين اكتشفوا بفعل الثورات والاحتجاجات والفوضى ضعفهم فجرى امتطاؤهم من «الإخوان» تارة ومن ناشطي الفضائيات وثورجية مواقع التواصل الاجتماعي تارة أخرى، فرفضوا الاعتراف بأنهم أخطأوا أو قل أجرموا، في حق أنفسهم وبلدهم وحمّلوا الدولة والحكم، أي حكم، المسؤولية عن فشلهم وإخفاقاتهم وانكساراتهم وعاشوا أدوار الضحايا وتحولوا إلى بؤر لنشر الطاقة السلبية، وبعدما فقدوا القدرة على استيعاب المشاعر الوطنية صاروا يسفهون كل إنجاز ويتهكمون على كل من يؤدي دوراً وطنياً. عند متابعتك أحوالهم تجدهم يحزنون إذا قرأوا خبراً مبهجاً ويتألمون إذا شاهدوا إنجازاً مفرحاً ويكتئبون إذا وجدوا الشعب متفائلاً. صاروا ينتعشون بالحزن والغم والكرب ويجدون أنفسهم مع كل مصيبة أو حادثة أو كارثة، لهم لغتهم ومفرداتهم وحتى طرق نطقهم للكلام. يحسدون ثوار ليبيا الذين خربوا بلادهم وتفرقوا ليعيشوا خارجها، ويأملون لو كانوا مكان ثوار سورية الذين دمروا وطنهم ويعيشون في أوروبا، ومعجبون بثوار اليمن الذين فتتوا يمنهم و «خلعوا» ليعيشوا في تركيا الآن. هم أبناء الربيع الذين يعيشون خريفاً مستمراً!
المصدر: الحياة
محمد صلاح يكتب: خريف أبناء الربيع! على ميكروسيريا.
ميكروسيريا –