فقه اللغة


جيرون

الفقهُ -لغةً- العلم بالشيء والفهم له والفطنة فيه، ويرى الأصفهاني في كتابه “المفردات في غريب القرآن” أن الفقه أخص من العلم، وقد غلب استخدام “الفقه” على علوم الدين.

أما اللغة، فهي مشتقة من لغا يلغو أيْ: تكلم، أما اصطلاحًا، فقد عرفها ابن جِـنِّي في كتابه “الخصائص” بـ “أصوات يُعبّر بها كل قوم عن أغراضهم”.

ويُطلق “فقه اللغة” -اصطلاحًا- على العلم الذي يُعنى بدراسة قضايا اللغة من حيث أصواتها ومفرداتها وتراكيبها، وفي خصائصها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، وما يطرأ عليها من متغيرات، وما يثار حول العربية من قضايا. بعبارة أخرى: هو الدراسة التي تُعنى بفهم اللغة ودراسة قضاياها وموضوعاتها.

وتعود نشأة “فقه اللغة”، بوصفه علمًا مستقلًا، إلى لغويين اثنين: أولهما ابن فارس، ولاسيما في كتابه “الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها”، ويعدّ هذا الكتاب أول كتاب حمل مصطلح فقه اللغة، والثاني هو ابن جِـنِّي، ولا سيما في كتابه المشهور “الخصائص” الذي عالج فيه قضايا فقه اللغة.

ويرى بعض اللغويين أن “فقه اللغة” مرادف لـ “علم اللغة”، وأن الخلط بين المصطلحين حدث حديثًا، ولا سيما مع ترجمة المصطلحات من اللغات الأخرى إلى العربية، فيما يرى آخرون أن “علم اللغة” أعم من فقه اللغة، و”فقه اللغة” أخص؛ إذ يقصدون بعلم اللغة دراسة النصوص القديمة واللغات البائدة والتراث والتاريخ الأدبي واللغوي، فيما يقصدون بفقه اللغة دراسة اللغة بحد ذاتها، وصفًا وتاريخًا ومقارنة ودراسة الأصوات واللهجات، بوسائل علمية حديثة.

يعتمد اللغويون في دراسة أي لغة مناهج عدة، منها: الوصفي والتاريخي والمقارن والعام:

المنهج الوصفي: وهو دراسة ظاهرة لغوية معينة في فترة ومكان معينين، ويعتمد على وصف هذه الظاهرة والحديث عن شبكة علاقاتها، وكشف بنيتها، بدون أن تكون دراسة معيارية أيْ: أن يكون هدف الدراسة الوقوف على بنية اللغة نفسها، فالوصفيون شعارهم واضح “دراسة اللغة في ذاتها ولذاتها”

أما المنهج التاريخي فهو البحث في قضية لغوية من حيث تطورها وتغيراتها خلال التاريخ، مثل: دراسة مجموعة من الألفاظ ودراسة دلالتها في الشعر الجاهلي، ثم معانيها في العصور المتتالية؛ حتى عصرنا الحالي.

ويأتي المنهج المقارن، للمقارنة بين لغتين من أرومة واحدة، أي: من مجموعة لغوية واحدة، كالعربية والعبرية مثالًا، أو أكثر من لغتين، كالمقارنة بين العربية والعبرية والسريانية، محاولًا توضيح ما بينها من خلافات أو تقارب في البنية والدلالة والأصوات …إلخ.

ويدخل في المنهج العام كل ما لم يأتِ في المناهج الثلاثة الفائتة، كالحديث عن نشأة اللغة، وتقسيم اللغات والصراع بينها، وضعف اللغة وقوّتها، إلى غير ذلك.




المصدر