هل علينا العمل مع الشيطان الذي نعرفه في مواجهة الدولة الإسلامية؟


أنس عيسى

00

لقد انتقد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وبشدّة، سجل الرئيس أوباما في سورية، فبحسب ادّعائه قام أوباما بالسماح بسقوط الشرق الأوسط في الفوضى، والسماح بازدهار الدولة الإسلاميّة والجماعات المتطرّفة الأخرى. بعد فوزه المفاجئ في الانتخابات الرئاسيّة، اقترح ترامب انقلابًا دراماتيكيًّا في سياسات الولايات المتّحدة: التحالف مع النظام السوري لبشار الأسد ضدّ الدولة الإسلاميّة، حيث كان قد قال: “سورية تحارب الدولة الإسلاميّة، وأنت يجب أن تتخلّص من الدولة الإسلامية؛” لذلك عوضًا عن العمل مع المعارضة السوريّة والحلفاء التقليديّين كالمملكة العربيّة السعوديّة وتركيا لإطاحة الأسد ومحاربة الدولة الإسلاميّة، على الولايات المتّحدة أن تبدل اتجاهها وتدعم نظام الأسد، وتعمل مع روسيا (وإن كان من المحتمل عدم التعاون مع إيران، أهم حلفاء دمشق) ضدّ الإرهابيّين.

من المغري ازدراء تلك المقاربة كجزء من رفض أوسع لأفكار ترامب عن السياسة الخارجيّة، والتي غالبًا ما تكون ساذجة ومتناقضة. لكن، وبالطبع، فإنّ ترامب سيصبح رئيس الولايات المتحدة، سواء أحببت أم لا، إضافة إلى أن ترامب ليس وحيدًا في قوله هذا؛ حيث نادى بعض الخبراء، كالدبلوماسي المحنّك رايان كروكر، للعمل مع الأسد، مشيرين إلى حقيقة أنّه “على الرغم من سوئه، فهناك من هو أسوأ.” وكما أبرزت في مكان آخر، تفتقر الولايات المتّحدة لخيارات جيدّة فيما يتعلّق بسورية، حيث فشلك كل جهد تدريب المعارضة السورية، والتفاوض حول اتّفاق لحلّ النزاع بطريقة أخرى.

لا يقدّم نظام الأسد، نظريًّا، بديلًا حقيقيًّا عن كلّ من الدولة الإسلاميّة والفوضى، حيث فرض بشار الأسد، ووالده من قبله، حكمًا وحشيًّا على البلاد في الماضي؛ حيث قتل الأسد الكبير الآلاف من الناس خلال فترة الحرب الأهليّة التي امتدّت من 1978 إلى 1982، مسوّيًا أجزاء من مدينة حماه بالأرض، المدينة التي كانت مفتاحيّة ومهدًا للمعارضة، كان ذلك درسًا وعبرة ً لمن يعارضونه، خصوصًا لأولئك الإسلاميّين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين السوريّة.  لقد حكم الأسد الأب والابن كمستبدَّين،  وشاع التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في عهديهما، لكن لتقل ما تريد، فقد تمّ احتواء المشكلة الجهاديّة في سورية، وإلى حدّ كبير، على الرغم من أنّ الجودة السيئة للحكم وللخدمات جعلت الأمور تتراجع (فالقطارات لا تنطلق أبدًا في الوقت المحدّد لها.)

على الرغم من معاداته للولايات المتّحدة، إلّا أنّ الأسد يُعدّ براغماتيًّا، فقد وافق، على سبيل المثال، في عام 2013 على التخلّص من أسلحته الكيماويّة في إطار جهد ناجح لتجنّب ضربات جويّة أميركيّة (على الرغم من كون مطاوعته غير كاملة؛ حيث كان نظامه قد استخدم الأسلحة الكيماويّة، بشكلٍ متكرّر، في معركة حلب، في وقت مبكّر من هذا الخريف). في إمكان الولايات المتّحدة أن تدفع باتّجاه اتّفاقات، خصوصًا فيما يتعلّق باسرائيل، كثمنٍ للتعاون مع النظام السوري، مطالبًا إيّاه بمعاهدة سلام وتنازلاتٍ أخرى، وعلى الرغم من أنّ الرئيس المنتخب ترامب قد لا يمضي في ذلك الطريق نظرًا إلى نقده اللاذع لطهران، والتعاون مع الأسد قد يعزز التقارب الأميركي مع طهران، أقرب حلفاء الأسد. لكن ما هو جذّاب بشكلٍ أكبر لإدارة ترامب هو أنّ العمل مع الأسد في سورية قد يوسّع علاقة الصداقة بين ترامب وبوتين. في الحقيقة، لقد بدأت، مسبقًا، المحادثات بين موسكو وترامب بخصوص السياسة في سورية.

ولكن تكاليف ومخاطر اتّباع تلك السياسة، في الحقيقة، باهظة، وباهظة جدًّا؛ فدبلوماسيًّا، سيعارض حلفاء الولايات المتّحدة، كتركيا والمملكة العربيّة السعوديّة، وبشدّة تلك السياسة، وقد يعملان على تقويضها. يرى السعوديّون (بشكلٍ صحيح) في دمشق حليفًا قريبًا لإيران، ويشارك قادة البلدين غضبهما السنّي، بشكل عام، ضدّ وحشيّة الأسد الطائفيّة؛ لذلك، سيُنظر إلى قرار الولايات المتّحدة التحالف مع دمشق وكأنه طعنة في الظهر. كما يُعدّ كلا البلدين السابقين حليفين حيويّين في القتال الأوسع ضدّ الدولة الإسلاميّة، والإرهاب بشكلٍ عام. لقد أثبتت المملكة العربيّة السعوديّة أنها مصدر رئيسي في التجنيد الإرهابي وفي التمويل، بينما تعدّ الحدود السوريّة التركيّة نقطة عبور أساسيّة لمجنّدي الدولة الإسلاميّة، وما يزال على كلا البلدين الكثير للقيام به في هذا الإطار، وتلكم هي النقطة: إذا قامت إدارة ترامب باستبعادهما، ستزداد المشكلة المتمثّلة بالدولة الإسلاميّة سوءًا. كما أنّ اصطفاف الولايات المتّحدة في الجانب الآخر في الشأن السوري قد يدفع بتركيا وبالممكلة العربيّة السعوديّة إلى تزويد الثوار السوريين بأسلحة مضادّة للطيران، الأمر الذي قد يؤدّي إلى تصعيد القتال بطرق خطرة تصبّ في مصلحة الإرهاب الدولي.

ساعدت الولايات المتّحدة، حتّى الآن، في التقليل من حدوث تلك الاحتمالات. إضافة إلى ما سبق، فإنّ هذين البلدين مهمّان في محاولة الولايات المتّحدة صدّ إيران، كما تُعدّ مخازن الطاقة الهائلة في المملكة العربية السعودية ذات أهميّة حيوية للاقتصاد العالمي؛ ولذلك فإنّ مصالحنا تتخطّى بعيدًا مكافحة الإرهاب.

على المستوى الشعبي، فإنّ اتّفاقًا مع الأسد سيزيد من عداء العالم السنّي العربي، والموجود أصلًا، تجاه الولايات المتّحدة. لقد تركّز الجهد العسكري الروسي، بشكل أساسي، على استهداف الجيش السوري الحر، والمدعوم أميركيًّا، وفئات أخرى مشابهة له، وليس على الدولة الإسلاميّة. إن روسيا وإيران مكروهتان في العالم العربي بسسب دعمهما للأسد، لذلك فإنّ تحالفًا أميركيًّا مع سورية ومع تلك القوى قد “يُثبِت” شكّ أهل السنة، والموجود أصلًا، في أنّ الولايات المتّحدة تسعى لقلب سيطرتهم التقليديّة على العالم العربي، ولتشجيع انتشار النفوذ الإيراني. كما ستقوّي جهدًا أميركيّة كهذا ادّعاءات الدولة الإسلاميّة وفرع القاعدة السابق “جبهة فتح الشام” بأنّ الإرهاب مبرّر، نظرًا إلى خوض الولايات المتّحدة الأميركيّة حربًا ضدّ المسلمين السنة. وقد تركّز الدولة الإسلاميّة بشكلٍ أكبر على الولايات المتّحدة، فعلى الرغم من نظر هذه المجموعة المسبق إلى أميركا كعدو، إلّا أنّها وجّهت معظم طاقتها تجاه نزاعات محليّة في العراق وسورية، ونظّمت هجماتها الإرهابيّة الدوليّة في أوروبا وآسيا، أمّا في الولايات المتّحدة، على الأقل حتّى هذه اللحظة، فقد أثبتت أنها غير قادرة إلّا على الايحاء بتنفيذ هجمات منعزلة ذات فعاليّة أقلّ.

إضافةً إلى ما سبق، مع أنّ قوّة الولايات المتحدة الجويّة، ومختلف أشكال الدعم الأخرى، قد تساعد قوّات الأسد على التقدّم، فإنّه من غير المحتمل أن يستطيع النظام تهدئة وإخضاع البلاد كلها، على الأقل في المدى القريب، وذلك نظرًا إلى حجم المعارضة. تحارب الولايات المتّحدة الدولة الإسلاميّة منذ فترة، ولكنّ الجهد الذي نجح في جعل تلك الجماعة تتراجع لم يهزمها بشكل نهائي. أمّا قوّات الأسد العسكريّة فهي منهكة، وعلى الرغم من دعمها من حزب الله اللبناني والمقاتليتن الشيعة من العراق وأفغانستان، تبقى الحكومة السوريّة ضعيفة، لذلك فإنّ دعم النظام سيبقي الولايات المتّحدة متورطة في حرب طويلة الأمد في سورية.

كما يبدو أنّ ترامب يتغاضى عن كلمة “عدو” في المثل القائل: “عدو عدوّي هو صديقي”؛ حيث كان الأسد قد سهّل من تدفّق المقاتلين إلى العراق لقتل الجنود الأميركيّين الموجودين هناك بعد الغزو الأميركي عام 2003، كما أنّه دعم الإرهاب ضدّ اسرائيل وأضر ّبمصالح الولايات المتحدة. سيُنظر إلى انتصار الأسد، وعلى نطاق واسع وحقيقيّ، على أنّه نصر لأكبر أصدقائه، النظام الديني في إيران.

والأهم من كلّ ما سبق، القضايا الأخلاقيّة، فالتحالف مع ستالين ضد هتلر عند الاشتراك في حرب شاملة شيء، وعقد صفقة مع شيطان كهذا في صراع أقل شأنًا في الوقت الذي تتمتع الولايات المتّحدة فيه بقوّة ساحقة شيء آخر. يقترح ترامب قبول قاتل جماعي؛ فنظام الأسد هو المذنب الأول في الحرب التي قتلت، وبقسوة، نصف مليون سوري، ودفعت بالملايين إلى منافٍ طويلة الأمد، كما يعد السوريّين باستبداد أكبر في حال فوزه؛ حيث لا وجود لأيّ رؤية ذات صدقية عن مصالحة وسلام. وحتّى لو كانت الولايات المتحدة مستعدة لصنع صحراء وتسميتها سلامًا، فلا وجود لأي سبب يجعلنا نثق بأنّ الأسد لن ينتقم، وبشكلٍ متوحّش، من أيّ من أعدائه السابقين حال عودتهم إلى الوطن. لذا، من المرجّح أن يقود انتصار الأسد إلى الدفع بالمزيد من اللاجئين إلى المنافي.

لذلك، إن لم يكن الأسد، فما الذي يجب علينا فعله؟ باستطاعة الولايات المتحدة أن تستمر في جهدها التدريجي، ولكن الثابت، في العمل مع الفئات المحليّة في العراق وسورية لتقليص ملاذات الدولة الإسلاميّة وزيادة الضغط على تلك الجماعة، كما أنّه باستطاعتها استكمال جهدها الاستخباراتي العالمي الذي يستهدف براعم الدولة الإسلاميّة خارج العراق وسورية، وتستطيع  واشنطن، أيضًا، أن تستمر بضغطها على الحلفاء للانضمام إلينا في معارضة الأسد، ودعم المعارضة السورية. لا وجود لخيارٍ مثالي فيما سبق، ومن المرجّح أن تستمر الدولة الإسلاميّة، بشكلٍ أو بآخر، حتّى في أفضل الظروف، لكنّ كلّ هذا يبقى أفضل من عقد اتفاق مع الشيطان السوري.

الكاتب: دانييل ل.بايمان: محرر في شؤون السياسة الخارجية في موقع Lawfair، كما أنّه عضو شرفي في مركز سياسة الشرق الأوسط، ومعهد بروكينغز، حيث يصب اهتمامه على مكافحة الإرهاب وأمن الشرق الأوسط. وهو، أيضًا، أستاذ في جامعة جورج تاون للشؤون الخارجيّة.

.

اسم المقالة الأصليShould we work with the devil we know against the Islamic State?
الكاتبدانييل ل. بايمان

Daniel L. Byman

مكان النشر وتاريخهLawfair Blog

21-11-2016

رابط المقالةhttps://www.brookings.edu

/blog/markaz/2016/11/21/should-we-work-with-the-devil-we-know-against-the-islamic-state

https://lawfareblog.com/should-we-work-devil-we-know-against-islamic-state

المترجمأنس عيسى



المصدر